من المؤكد أن الذين أخرجوا ذلك الفيلم المسىء للرسول (صلى الله عليه وسلم) كانوا يدركون تماماً أن تلك الجريمة النكراء التى أقدموا عليها سوف تشعل غضب أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، غير أن الهدف الحقيقى لم يكن فقط الإساءة للنبى الكريم بقدر ما كان استفزاز مشاعر المسلمين فى العالمين العربى والإسلامى وخاصة فى مصر واستدراجهم للوقوع فى فخ رد الفعل الخاطئ والعنيف الذى يستنكره العالم حتى تتوارى جريمة الفيلم المسىء ويتبدّى عنف وغوغائية المسلمين. المؤسف أن يكون لاثنين من المصريين المسيحيين المهاجرين فى الولاياتالمتحدة الإسهام الأكبر فى ارتكاب تلك الجريمة، إذ أن هذين اللذين يقودان قلة من المهاجرين المصريين أساءا إلى كل من يُطلق عليهم أقباط المهجر وهى بالمناسبة تسمية خطأ باعتبار أن كل المصريين أقباط.. منهم المسلمون ومنهم المسيحيون، بل إن الإساءة امتدت وطالت كل المسيحيين فى مصر والعالم العربى بل مسيحيّى الشرق جميعاً. بل لقد دأبت تلك القلة المحسوبة على أقباط المهجر والتى يحرّكها هذان الحاقدان اللذان خانا وطنهما الأم مصر وخانا شعبها.. مسيحييه قبل مسلميه.. دأبت على تأليب أمريكا والغرب الأوروبى ضد مصر والعالم العربى وإثارة الفتنة الدينية بين عنصرى الأمة المصرية لخدمة أهداف ومخططات صهيونية. ? إن جريمة هؤلاء النفر الحاقدين من المحسوبين على أقباط المهجر تجاوزت فى واقع الأمر الإساءة للإسلام ورسوله الكريم إلى الإساءة للمسيحية والمسيحيين جميعاً فى مصر وعلى النحو الذى تبدّى جلياً فى استنكارهم واستنكار الكنيسة الأرثوذكسية وكل كنائس الطوائف المسيحية لهذه الجريمة والتبرؤ من هذين الحاقدين. إن خيانة هذين الحاقدين العميلين تؤكدها وتكشفها تحركاتهما المشبوهة لتنفيذ الأجندة الصهيونية التى تستهدف حسبما أعلنا صراحة تقسيم مصر بين شعبها الواحد الموحد طوال التاريخ وإقامة دولة قبطية، وتلك هى البداية لتفتيت مصر.. هذه الدولة المركزية منذ آلاف السنين، وهى المرحلة الأخيرة فى الاستراتيجية الصهيونية لتفتيت الدول العربية جميعها إلى دويلات وإمارات متناحرة حسبما جرى ويجرى فى الصومال والسودان والعراق وليبيا مؤخراً، لتكون إسرائيل سيدة المنطقة الوحيدة! ? وإذا كان أقباط المهجر يدينون تلك القلة التى يقودها المدعو موريس صادق والمدعو زقلمة ويتبرأون من تلك الجرائم وتلك المواقف المشبوهة، وإذا كان مسيحيو مصر جميعا على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، وإذا كانت كل الكنائس المصرية.. قد أدانوا وتبرأوا من هذين الحاقدين الخائنين لوطنهما وشعبهما، فإنه لا عقاب حقيقياً مستحقاً لهما سوى إسقاط الجنسية المصرية عنهما وعن كل من يشاركهما فى خيانتهم للوطن، وذلك ما ينتظره المصريون جميعاً.. المسيحيون قبل المسلمين، بل إن العقاب يتعيّن أن يمتد إلى منعهم من دخول مصر.. أحياءً أو أمواتاً، حتى لا يدنسوا ترابها الطاهر الذى يأبى أن يطأوه بأقدامهم أو أن يضم أجسادهم بعد موتهم. ? وتبقى القراءة الهادئة للمشهد الإسلامى فى مصر والعالمين العربى والإسلامى الذى اشتعل غضبا وعنفا غير إسلامى على نحو ما جرى من هجمات واعتداءات على الشعارات والبعثات الدبلوماسية الأمريكية فى عدد من العواصم ومنها القاهرة. مع الإقرار بحق بل بواجب المسلمين فى العالم فى إبداء الغضب الطبيعى والاحتجاج المشروع على تلك الجريمة النكراء فى حق رسولهم صاحب آخر الرسالات السماوية.. الإسلام دين الرحمة والتسامح باعتبار أن ذلك الفيلم المسىء يمثل أسوأ مظهر من مظاهر ازدراء الأديان وبما يخالف التقاليد والأعراف الإنسانية الدولية. إلا أن رد الفعل غير الرشيد من جانب قلة من المسلمين الذين تظاهروا غضبا واعتدوا ظلماً لم يكن إسلامياً بالمرة ولا متسقاً مع مبادئ وأخلاقيات الإسلام التى أرساها النبى الكريم وتضمنها القرآن. إن الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم لا يقران العدوان على السفارات والسفراء ولا يقران العنف والهمجية فى إبداء الغضب والاحتجاج، خاصة وأنه لا الحكومة الأمريكية ولا الحكومات الأوروبية مسئولة عن إنتاج وبث ذلك الفيلم المسىء، مع ملاحظة أن حرية الإبداع بكل أشكاله وحرية إبداء الرأى بكل اتجاهاته فى أمريكا ودول الغرب عموماً.. حرية مطلقة فى إطار منظومتها الثقافية، وهو أمر تتعين ملاحظته وأخذه فى الاعتبار حتى لو اختلفنا مع تلك الثقافة. ثم إن ما شهدته القاهرة فى محيط السفارة الأمريكية من محاولة الاعتداء على السفارة واقتحامها من جانب المئات من المتظاهرين الذين اعتدوا أيضاً على رجال الشرطة.. ليس من الإسلام ولا يدخل فى باب حب الرسول أو الدفاع عن الإسلام. ? إن هؤلاء بهذا السلوك الغوغائى الهمجى حتى لو كان بعضهم من حسنىّ النية الذين انساقوا بجهل وراء المدفوعين من فلول النظام السابق لإشاعة الفوضى وضرب الاستقرار تحت شعار الغضب للرسول.. إن هؤلاء وهؤلاء أساءوا للإسلام ولرسوله بأكثر مما أساء إليه الذين أخرجوا ذلك الفيلم المسىء. المفارقة المؤسفة أن هؤلاء المتظاهرين حول السفارة الأمريكية وحسبما بدا من مظهرهم وسلوكهم لا علاقة لهم بالإسلام ولا بالدين والتدين وأنه من المؤكد أنه ليس بينهم من يركع لله ركعة واحدة أو يحفظ آية واحدة من القرآن، والمفارقة المؤسفة أيضاً أن يدّعى هؤلاء أنهم يدافعون عن الإسلام ورسوله. لقد أدت هذه القلة من الغوغاء سواء من كانوا حسنىّ النية أو «البلطجية» المدفوعين من الفلول المتآمرين على استقرار مصر بعد الثورة.. لقد أدت هذه القلة أكبر خدمة مجانية لمن أساءوا للرسول الكريم، وحيث بدا المسلمون أمام العالم وأمام الشعب الأمريكى معتدين على المدنيين والسفارات وذلك ما أراده الذين أخرجوا ذلك الفيلم المسىء. ? إن هذا المشهد الإسلامى الغوغائى العدوانى الذى تتابعت فصوله فى القاهرةوالعواصم العربية والإسلامية كان الفخ الخبيث الذى نصبه الذين أخرجوا ذلك الفيلم المسىء للعالم الإسلامى وخاصة لمصر، إذ أنهم كانوا متأكدين بحكم قراءتهم الجيدة لثقافة ذلك العالم أن رد فعل القلة غير العاقلة وغير الرشيدة سيكون على هذا النحو السىء، وبحيث تتوارى جريمتهم وتتبدّى غوغائية وعدوانية المسلمين، ثم ينسى العالم جريمة الإساءة للرسول والإسلام ويذكر ويستنكر سلوك المسلمين الغوغائى بعدوانهم على السفارات! لقد أضاع هذا المسلك الغوغائى سواء فى مصر أو فى العواصم العربية والإسلامية فرصة الرد العاقل الذى يحفظ للإسلام وللمسلمين حقهم، بقدر ما أضاع أيضاً فرصة ذهبية على الحكومات لاتخاذ إجراءات دبلوماسية دولية وقانونية ضد الذين أخرجوا ذلك الفيلم المسىء. ? إن الرسول صلى الله عليه وسلم فوق أية إساءة ولن يستطيع من فى الأرض جميعاً أن ينالوا من قدره العظيم الرفيع الذى لا يدانيه قدر أو مقام. لكن سلوك هذه القلة الغوغائية ورد فعلها غير الرشيد كان أيضاً إساءة للرسول بأكثر مما أساء إليه الذين أخرجوا ذلك الفيلم المسىء.. بل كان إساءة للإسلام أيضاً. ?