المفارقة التاريخية الرقمية .. إن صح التعبير.. أن أمريكا بعد 11 سبتمبر 2001 دخلت فى حرب عدائية ضد الإسلام والمسلمين.. لكنها بعد مرور 11 عاماً أصبحت تؤيد وتدعم وتشجع التيارات الإسلامية التى قادت ما يسمى بثورات الربيع العربى.. كيف حدث هذا الانقلاب فى السياسة الأمريكية ولماذا؟.. والأهم هل تستمر أمريكا فى دعمها للتيارات الإسلامية أم تنقلب عليها مرة أخرى.. بدون 11 سبتمبر جديد؟!.. وعلى الرغم من الغموض الذى أحاط بأحداث 11 سبتمبر 2001.. وبرغم تأخر إعلان تنظيم القاعدة عن مسئوليته عن هذه الأحداث.. على الرغم من ذلك كله فإن أمريكا سارعت باتهام المسلمين.. كأنها كانت تنتظر المناسبة والحجة لتشير إليهم بأصابع الاتهام.. وربما كان ذلك هو السبب فى خروج نظريات تورط الصهيونية العالمية فى الأحداث للإيقاع بين المسلمين وأمريكا!.. فى كل الأحوال دخلت أمريكا فى عداء مع الإسلام والمسلمين.. عداء لم يسبق له مثيل!.. بدأت أمريكا بشن الحرب على أفغانستان واحتلالها بحجة مطاردة تنظيم القاعدة.. الذى اعتبرته المتهم الرئيسى فى أحداث 11 سبتمبر.. وقامت أمريكا باعتقال أكثر من 120 ألف معتقل من 66 دولة بتهمة الإرهاب.. واستباحت أمريكا سيادة الدول الإسلامية دون أن تتمكن أية دولة منها من فتح فمها.. خوفا من تداعيات عبارة الرئيس الأمريكى بوش.. «من ليس معنا فهو ضدنا»!.. وشنت أمريكا الحرب على العراق بمزاعم كثيرة أهمها أنها تمتلك أسلحة دمار شامل وأنها تحتضن تنظيم القاعدة وتتبناه وأنها متورطة فى ارتكاب جرائم الإرهاب الدولى.. ثم تبين أن كل هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة.. كلها أكاذيب.. فاجرة!.. وكانت أمريكا جادة فى حربها على الإسلام والمسلمين.. لدرجة أنها أنفقت أكثر من تيرليون دولار!.. وهكذا كانت أهم نتائج أحداث 11 سبتمبر 2001 عداء أمريكا للإسلام والمسلمين.. وكراهية الإسلام والمسلمين لأمريكا!.. لكن ملامح المشهد تغيرت تماما بعد مرور 11 عاما!.. عندما تولى الرئيس أوباما المسئولية وأصبح رئيسا للولايات المتحدة بدأ عهده بالإعلان عن مصالحة تاريخية مع الإسلام والمسلمين.. كانت أمريكا فى ذلك الحين تواجه المصاعب سواء فى العراق أو فى أفغانستان.. وكان أكثر التحليلات السياسية وأبرزها تفسر اتجاه الرئيس الأمريكى بأنه محاولة لانتشال أمريكا من مستنقع المتاعب الذى أغرقت فيه نفسها!.. لكن ذلك كله لا ينفى أن أمريكا ظلت على مواقفها الثابتة من تيارات الإسلام السياسى.. التى ظلت بالنسبة لها «العفريت» المحبوس داخل قمقم!.. المفارقة أن أمريكا نفسها فتحت «القمقم»!.. فجأه تفجرت ثورات الربيع العربى وكان واضحا أن التيارات الإسلامية المختلفة لها دور كبير وتأثير ضخم فى مجريات الأحداث.. وليس سرا أن دعم أمريكا أو على الأقل «عدم ممانعتها» كان له تأثيره فى تثبيت أقدام التيارات الإسلامية فى الحكم فى الدول التى ثارت على أنظمتها القديمة.. النهضة فى تونس.. الإخوان المسلمين فى مصر.. الأحزاب الإسلامية فى اليمن.. الاستثناء الوحيد كان ليبيا.. لكننا فى النهاية نستطيع أن نقول إن أمريكا والأنظمة السياسية الإسلامية دخلت فى مرحلة جديدة من التوافق.. وكان ذلك بعد 11 عاما من «11سبتمبر».. أو من العداء!.. لماذا تغيرت أمريكا؟.. لماذا دخلت فى شهر عسل مع التيارات السياسية الإسلامية بعد عداء استمر 11 عاما؟!.. ربما كان السبب أنها - أمريكا - اكتشفت أنها غير قادرة على الاستمرار فى عدائها ضد الإسلام والمسلمين.. ربما اكتشفت أن مشاعر العداء فى العالمين العربى والإسلامى تزايدت بشكل لم يعد فى مقدرتها تحمله.. الاحتمال الثانى أنها وجدت أن مصالحها تقتضى التوافق مع الأنظمة السياسية الإسلامية والمعروف عن أمريكا أنها تغير مواقفها بشكل حاد طبقا لما تتصور أنه مصالحها. أمريكا على سبيل المثال أيدت ثورة 52 لأنها تصورت أن الأنظمة الموجودة وقتها يمكن أن تؤدى إلى انتشار الشيوعية.. ثم عادت تعارض عبد الناصر عندما اتجه هو إلى المعسكر الشيوعى.. أمريكا أيضاً كانت تؤيد الرئيس السابق فى عدائه مع الإسلاميين لأنها كانت ترى فى ذلك تأكيدا لمصالحها.. لكنها فعلت العكس من نفس المنطلق.. مصالحها!.. وهناك احتمال ثالث فقد يكون هدف أمريكا من تأييد الأنظمة السياسية الإسلامية هو إسقاطها!.. قد يكون الهدف هو إيصال الأنظمة الإسلامية للحكم لكى تفشل بعد ذلك فلا تقوم لها قائمة!.. فى النهاية هناك احتمالات.. قد تخطئ وقد تصيب!.. بعض الأصوات فى أمريكا وجهت انتقادات للرئيس أوباما بسبب دعمه للأنظمة السياسية الإسلامية.. خاصة بعد أحداث اقتحام السفارة الأمريكية فى ليبيا والتظاهر حول السفارة الأمريكية فى مصر.. هل تستمر أمريكا فى دعم الأنظمة الجديدة؟.. هل تتراجع عن دعمها؟.. هل سننتظر 11 عاما أخرى لنعرف النتيجة؟!..