أشكو إليك قلة حيلتى وضعفى وهوانى على وطنى وفى وطنى.. يا رب.. يا نصير المستضعفين ويا من قلت فى كتابك العزيز.. «ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض.. ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم فى الأرض».. يا رب.. أنت الملجأ والملاذ.. وقد تكالبت علينا تلك التى تسمى نفسها بالنخبة تتاجر بنا آناء الليل وأطراف النهار بالمرئى والمسموع والمكتوب.. يا رب.. إنهم يحولون رمضان إلى مهرجان.. ويريدون إغلاق أبواب العبادة.. بالمفاسد.. تربصوا بنا فيه وجيشوا من المسلسلات الرخيصة والمعطوبة ما يفسد السليم ويلهى العابد ويشغل القارئ والساجد. يا رب.. إنهم يرصدون الملايين فى هذا الشهر دون غيره ومع سبق الإصرار لكى لا يكون لنا فيه.. إلا الأكل والسهر والمظاهر كما اختصرنا إيماننا فى لحية وجلباب وحجاب وسلوكنا الصحيح فى تضييق هذه السنن والفرائض باليقين والقناعة والطاعة وأن يتحول الإيمان إلى معاملة وسلوك بين الناس. يا رب.. تبدلت السلطات وتغيرت الهيئات والحال على نفس الحال.. رغيفنا يعانى.. وبيوتنا تعانى.. وأصبحت القمامة فى النفوس وليست فقط فى شوارعنا.. لقد ألفناها وتعودت العيون عليها حتى يخشى العاقل لو أنهم رفعوها.. لخرج من يحتج ويطالب بإعادتها لأنها من تراثنا المزيف.. لا هو من الدين.. ولا من الدنيا المتحضرة الحديثة فى شىء. يا رب.. كلهم يتاجرون بنا.. قوى الخارج تريد أن تأخذنا إلى حيث تطمئن على ربيبتها إسرائيل وأنها فى مأمن مهما ضربت وتطاولت وسرقت ونهبت.. لأن بيننا وبينهم معاهدة ووثيقة تسمح لهم بالاعتداء وتبيح لنا الخضوع والخنوع.. وقوى الداخل فى صراعها على مصالحها ومآربها. يا رب.. اليد القليلة تبنى.. والأيادى العديدة المختلفة تهدم.. ونحن بين هؤلاء وهؤلاء يتجاذبون أطرافنا.. ويلعبون علينا بأسماء ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان.. كلما قطعنا خطوة ارتدوا بنا إلى الوراء خطوات ومسافات. يا رب.. الرجل يقتل جاره لأنه حرق قميصه والمسلم الذى لا يركعها ولا يعرف ظهره من عصره يخرج إلى ساحة المعركة لكى يشارك فى معركة القميص والمسيحى الذى لم يدخل كنيسة إلا لفرح أو جنازة يتحول إلى الشهيد مارى جرجس لكيلا تمر عليه معركة القميص ولا يقول كلمته.. ويتحول القميص إلى فتنة وعار بين أبناء الوطن الواحد وكأننا أمة من السفهاء.. تركنا عظائم الأمور وانشغلنا بأتفهها.. وأصبحنا نشتبك ثم فيما بعد نسأل أنفسنا فيما كنا نتقاتل وعلى أى شىء.. إنه فيرس الجنون والجهالة وليس لنا إلا أن نطلب منك يا الله أن تنعم علينا بما تبقى لنا من عقل يعقل ويعى من هذا الطيش وتلك الحماقة. يا رب.. هذه ضمارئنا قد أصابها الصدأ والعطب.. وقد خلعناها جانبا.. حللنا حرامنا.. وباركنا الخطأ على حساب الصواب.. ورفعنا الساقط وحاربنا الشريف أبعدنا أهل الكبرياء.. ومنحنا الثقة لأهل المداهنة والرياء.. وأصبحت الغايات تبررها الوسائل والأساليب مهما رخصت وهانت.. رغبة فى المكاسب والمناصب. يا رب.. الأزمات تحاصرنا.. والشكوك تلقى بظلالها على بعضنا البعض.. والمخاوف قد تحولت إلى وحش كاسر.. خوف من الأمن.. وخوف من الجوع وخوف من الغد.. وخوف من الخوف ذاته.. والقلوب ترتجف والحناجر تصرخ ونحن بين أنياب الرحى تدور هى وندور فوق الرءوس والنفوس إلا من رحم ربى.. يا رب.. افتح لنا أبواب رحمتك.. وقد اشتدت علينا قسوتهم وغلظتهم.. وأنيابهم تنهش لحومنا جهاراً نهاراً.. افتح لنا أبواب رزقك. وقد سلبوا ونهبوا.. ولم يتركوا لنا إلا الفتات وقد سلطت عليهم الدنيا يركضون فيها كما يركض الوحش فى البرية.. وأنا المواطن البسيط وأمثالى.. نعتصم بحبلك المتين.. ونسألك - خزائن رزقك الذى لا ينفد ومن مددك وجودك الذى لا تحده حدود.. ولا تقيده قيود.. يا رب.. الكل يتكلم باسمى.. وأنا مقطوع اللسان. الكل يسعى للفوز بالتوكيل عنى.. ويطلبون حضورى وأنا فى قمة الغياب. إنهم يبطشون بذراعى وقد تم قيدى. يا رب.. سلطوا علينا أبواقهم الفضائية والأرضية يأخذوننا ذات اليمين وذات اليسار.. وهذه جرائدهم لا تدرى من أى مال قد صدرت من خلال أمر حرام؟.. وهذه الملايين التى تهدف إلى تخريب العقول وتسطيحها.. ورفع شأن الانفلات وتقديم النماذج الفاسدة المنحرفة.. والمسافة واسعة بين أن تقدم عملا عن الشر لكى أتجنبه وأحب الخير أكثر وبين أن تقدم لى دروساً فى الشيطنة.. ألا يستحق كل مدخن وشارب خمر ومخدرات وكل فاحش على الشاشة أن يحاكم بتهمة إفساد الذوق العام وإشاعة الفاحشة.. والقرآن الكريم فى هذا يقول: «ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما.. يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا». فهل المسلسلات التى تدعى أنها تحارب المخدرات حاربتها فعلا أم أنها زادتها انتشارا وترويجا.. وهل النجم المدخن على الشاشة قدوة حسنة لغيره من الشباب أم أنه يستحق المحاكمة؟. ولا نصدق أنها ضرورة درامية لكنها دعاية لشركات السجائر وسوف يحاسبهم الله على ذلك وعلى من ينفق ملايين غسيل الأموال فى مسلسلات تبرر السرقة وهى ملعونة حتى لو كانت ستتم فى وكر ديار العدو.. لأن الإنسان الحقيقى لا يحارب السرقة بالسرقة.. ولا يواجه الفحشاء بما هو أفحش.. وهذا هو الجهل وتلك هى الجهالة: وفى الجهل قبل الموت موت لأهله فأجسامهم قبل القبور قبور وأن امرأ لم يحيى بالعلم ميت فليس له حتى النشور نشور يا رب.. اللهم ألهمنا الصواب والرشاد والقدوة على الاحتمال.. وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بشرار الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: من أكل وحده ومنع رفده وجلد عبده ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: من لا يرجى خيره. ولا يؤمن شره. ثم قال: ألا أنبئكم بشر من ذلك. قالوا بلى يا رسول الله قال: من يبغض الناس ويبغضونه.. وروى عن عيسى ابن مريم عليهما السلام قام خطيبا فى بنى إسرائيل فقال: لا تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم!