هو هرم من أهرام العمارة الإسلامية يتحدى الزمن بقوته وشموخه وارتفاعه كان مدرسة لتعليم المذاهب الأربعة وأصبح مدرسة لدارسى الفنون بكل أنواعها فقد اتحد المهندس والفنان ليخرج لنا هذا البناء الرائع الذى يحرص على زيارته كل من يأتى لمصر ومنهم الرئيس الأمريكى أوباما.. إنه مسجد ومدرسة السلطان حسن...ومدرسة السلطان حسن تقع فى ميدان صلاح الدين بالقاهرة وهى تحكى قصة السلطان المملوكى الذى شيَد هذا البناء وأنفق عليه الكثير من الأموال حتى إنه قال «لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرف عليه». والسلطان حسن هو ابن السلطان الناصر محمد بن قلاوون ولد عام 1334 كان اسمه «قمارى» ولكن عندما تولى حكم مصر عام 1347 غير اسمه إلى «حسن» وكان عمره ثلاث عشرة سنة ولصغر سنه فقد ناب عنه فى إدارة شئون البلاد الأمير «بيغاروس» نائب السلطنة وبعد ثلاث سنوات أى عام 1350 أثبت القضاة أنه بلغ سن الرشد فباشر شئون البلاد ولكنه بدأ حكمه بالقبض على نائب السلطنة وبعض الأمراء فتآمروا عليه واعتقلوه بعد عام واحد من الحكم وتم تعيين أخيه الملك الصالح بدلاً منه. وفى عام 1354 أعيد الناصر حسن إلى ملك مصر فاستبد بالحكم وفى عام 1361 اشتدت الفتنة بينه وبين أحد الأمراء الذى هاجم القلعة فهرب السلطان حسن ولكن قبض عليه وكانت هذه هى نهاية هذا السلطان الذى لم يدفن داخل مسجده ولم يعرف له قبر ولكن تذكره كتب التاريخ بأنه كان ملكاً حازماً وشجاعاً كان ينفر من المماليك وأفعالهم. وتعتبر هذه المدرسة هرم من أهرام العمارة الإسلامية ومدرسة لدارسى الفنون فقد ابتكر المهندس فيها زخارف ونقوشاً تعتبر آية فى الجمال والروعة حتى إن المقريزى قال فيها «إنه لايعرف فى بلاد الإسلام معبداً من معابد المسلمين يحاكى هذا الجامع وقبته التى لم يبن مثلها بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن». وقد بدأ فى بناء مدرسة السلطان حسن عام 1356 وعندما قُتل السلطان كانت المدرسة كاملة عدا بعض الأعمال وقد افتتحها السلطان فى حياته وصلى بها الجمعة وأنعم على البنائين والمهندسين وأقيمت بها الدروس فى مدارس المذاهب الأربعة بعد أن قرر لها السلطان المدرسين وعيّن لها طبيبين مسلمين أحدهما باطنى والآخر للعيون كان يحضر كل منهما يومياً للمسجد لعلاج من يحتاج من الموظفين والطلبة. وللأسف فإن الباب الرئيسى النحاسى لهذه المدرسة غير موجود حالياً فقد نقله السلطان المؤيد شيخ إلى مسجده بالسكرية. وفى الصحن المكشوف داخل المدرسة توجد فسقية تعلوها قبة محمولة على ثمانية أعمدة مكتوب عليها آية الكرسى وقد كانت هذه الفسقية قديماً يوضع بها ماء ورد وليمون لتكون رائحة المسجد جميلة كما كان يوجد بجوارها ميضأة للمصلين لا يوجد لها أثر الآن. ويحيط بالصحن أربع مدارس للمذاهب الأربعة على يسار كل واحدة الإيوان الخاص بها وتعتبر المدرسة الحنفية هى أكبرالمدارس فمساحتها 898 متراً. والطريف أنه أطلق على صنبور المياه اسم الحنفية نسبة إلى هذه المدرسة التى أباحت استخدام الصنبور فى الوضوء بينما حرّمته المدارس الأخرى. ويعتبر إيوان القبلة هو أكبر الإيوانات فهو لا نظير له فى سعته وارتفاعه يتوسطه دكة المبلغ وهى من الرخام تحملها ثمانية أعمدة ويتم الصعود إليها بسلم خشبى وتعتبر تحفة فنية وبخاصة العمودين الجانبين فقد تم صنعهما من ثلاثة أنواع من الرخام وكان يقف على هذه الدكة ثلاثة أو أربعة من المصلين يرددون ما يقوم به الإمام. ويوجد بجوار المحراب منبر من الرخام له باب مكسو بالنحاس المفرغ بأشكال الطبق النجمى الذى امتاز به الفنان فى ذلك العصر وعلى جانبى المحراب يوجد بابان يوصلان إلى القبة خلف المحراب أحدهما مزخرف بالنحاس والفضة وعليه كتابات منها اسم السلطان حسن وأمام هذا الباب توجد مصبعات نحاسية لحمايته من السرقة أما الباب الآخر فقد سُرقت كسوته منذ زمن بعيد ومن هذا الباب دخلنا إلى القبة وهى مكان مربع الشكل تتوسطه تركيبه من الرخام لم يدفن بها السلطان حسن ولكن دفن فيها ولداه الشهاب أحمد وإسماعيل ويوجد أيضاً كرسى المصحف وهو من روائع الفن الإسلامى ويعتبر من أجمل كراسى المصحف فى مصر فهو مصنوع من الخشب المطعم بالعاج. وتعتبر هذه القبة مدرسة لدارسى الرخام وفنونه حيث يوجد بها أنواع مختلفة من الرخام استغلها الفنان فى زخرفة المكان الذى تحولت جدرانه إلى لوحة زخرفية وهندسية ونباتية رائعة. أما القبة التى تعلو المدرسة من الخارج فهى ليست القبة الأصلية فقد كانت قديماً من الخشب المغطى بالرصاص ولكن سبب وجود المدرسة أمام القلعة فقد كان المماليك يتحصنون بها ضد مماليك القلعة وكان يتم ضرب المدرسة بالمنجنيق فتهدمت القبة ولكنها شيدت مرة أخرى من الحجر وهى من الداخل تعتبر تحفة حيث يوجد بها 8 نوافذ وزخارف وكتابات ويعلو المدرسة مئذنتان رشيقتان. إن مسجد ومدرسة السلطان حسن من أجمل المبانى الإسلامية فى مصر التى تحكى قصة السلطان الذى حكم مصر مرتين وقتل ولم يدفن داخل مسجده.