دعوت الأسبوع الماضى إلى «كلمة سواء».. وطالبت أطراف النزاعات القائمة إلى محاولة الوصول إلى تسوية «سياسية» بعد أن تعذر الوصول إليها قضائيا.. الأطراف التى أقصدها.. هى مؤسسة الرئاسة.. والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. والأحزاب الرئيسية فى المجتمع.. وخاصة من حصل منها على نسبة تصويت عكستها أعداد ممثليه فى مجلسى الشعب والشورى.. ولا مانع من الاستعانة ببعض «الحكماء» المشهود لهم بالاستقلالية والبعد عن الغرض والهوى. أقول ذلك.. بعد تكرار اللجوء إلى القضاء لحل الخلافات السياسية.. وهو ما كنا نشكو منه فى النظام السابق.. فالخلافات السياسية يجب أن يحلها السياسيون.. ويجب ألا نلجأ إلى القضاء إلا عندما يتعذر الوصول إلى حلول «توافقية» تحظى برضاء الأغلبية.. وبعد أن يتاح للجميع التعبير عن وجهة نظره وتوضيح موقفه.. طبقا للقاعدة السياسية المعروفة.. الرأى للجميع والقرار للأغلبية، وبما لا يخالف القانون والسوابق القضائية.. والنظام العام للمجتمع. أى يجب ألا نلجأ للقضاء للاحتكام إليه.. إلا بعد أن نبذل جهدا يعتد به فى حل خلافاتنا السياسية.. والتى لن تتوقف بحكم ديمومة الحياة وتجدد أحداثها مع تغير الظروف المحيطة من آن لآخر. فاللجوء إلى القضاء فى تلك الحالة.. معناه التعهد مسبقا بقبول أحكامه والالتزام بتنفيذها.. وذلك لأن القضاء «لا يلعب» سياسة.. وإنما يطبق أحكام الدستور والقانون على الخلافات المعروضة عليه.. وهى «القواعد» التى ارتضاها المجتمع سلفا لتحديد اختصاصات مؤسساته وتنظيم المعاملات بين أفراده. والمعنى.. أننا يجب ألا نزج بالقضاء فى كافة خلافاتنا السياسية.. صغرت أو كبرت.. لأن الأقدمين قالوا: إذا دخلت السياسة من الشباك.. خرجت العدالة من الباب.. وقد قرأنا وشاهدنا طوال الأسابيع الماضية آراء وفتاوى قانونية ما أنزل الله بها من سلطان.. لأن أغلبها- وللأسف الشديد- كان صادرا عن غرض وهوى! ??? والآن.. ما معنى الأحكام التى صدرت مؤخرا.. وما هى الخطوة التالية؟.. أولا: فيما يتعلق بالجمعية التأسيسية للدستور..أقام البعض دعاوى لحلها على سند من بطلان تشكيلها، وعندما بدأت محكمة القضاء الإدارى فى نظرها طلب محامون آخرون برد المحكمة لسابق قيام ذات الدائرة بالحكم ببطلان الجمعية التأسيسية الأولى.. ثم قامت الدائرة التى تنظر الرد بتأجيله إلى 30 من الشهر الجارى، وقد توافق المحكمة على طلب الرد فتحال الدعوى إلى دائرة أخرى لنظرها، وقد ترفض المحكمة طلب الرد.. فتستمر الدائرة الحالية فى نظر الدعوى وتقضى فيها بما تراه.. سواء باستمرار عمل الجمعية أو بحلها. وحتى يحدث ذلك، فالجمعية التأسيسية مستمرة فى عملها.. وما تتوصل إليه من اجتهادات أعضائها يظل قائما وصالحا للبناء عليه إذا قضى باستمرارها.. وإذا قضت المحكمة بحلها.. فسوف يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة- طبقا للمادة 60 مكرر من الإعلان الدستورى المكمل- بإعادة تشكيلها خلال أسبوع من الحكم وبشرط أن تمثل أطياف المجتمع ونتلافى أسباب الحل السابقة، على أن تنتهى من إعداد الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، وأن يعرض «المشروع» على الشعب للاستفتاء عليه خلال 15 يوما من تاريخ انتهاء الجمعية من إعداده، وإذا وافق الشعب عليه.. تبدأ إجراءات الانتخابات التشريعية خلال شهر من تلك الموافقة الشعبية على الدستور الجديد. وأعتقد أن ذلك لن يحدث- لو حدث- إلا من خلال التشاور والتفاهم بين الرئيس والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأعتقد أيضا أن الجمعية الجديدة- لو حدث أيضا- سوف تبنى على ما انتهت إليه الجمعية السابقة.. فالهدف الأول والأخير من كل ذلك هو إعداد دستور جديد متوازن يحظى بالموافقة الشعبية ورضاء جميع طوائف المجتمع. ??? ثانيا: الإعلان الدستورى المكمل.. لقد قضت المحكمة الإدارية بعدم اختصاصها ولائيا بنظر دعوى بطلانه وإلغائه.. على سند من أنه من أعمال السيادة التى تخرج عن نطاق اختصاص القضاء فى الفصل فيها.. حيث أصدرته السلطة المختصة بإدارة شئون البلاد قبل الانتهاء من الانتخابات الرئاسية. وهنا يجوز لمقيمى الدعوى الطعن على الحكم أمام الإدارية العليا «استئنافه» والتى من حقها تأييد الحكم الصادر أو إلغاؤه، وإذا أيدته فسوف يظل الإعلان الدستورى المكمل قائما حتى يتم الاستفتاء على الدستور الجديد، وإذا ألغته - الحكم- فسوف يتم العمل بالإعلان الدستورى الصادر فى مارس قبل الماضى والذى استفتى عليه الشعب، وذلك حتى الانتهاء- أيضا- من الاستفتاء على الدستور الجديد. وفى تلك الحالة.. يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بمراسيم (قوانين) فى ظل غيبة مجلس الشعب.. والذى تم حله بحكم من الدستورية العليا.. على أن يعرض تلك القرارات على مجلس الشعب فى أول انعقاد له.. للموافقة عليها أو تعديلها أو إلغائها.. وأكتفى بهذا التوضيح.. فلست مؤهلا للإفتاء فى مدى أحقية رئيس الجمهورية فى إلغاء هذا الإعلان المكمل من عدمه! فمدى علمى أن تلك الإعلانات الدستورية المتتالية.. تكوّن مع بعضها ما يسمى «بالدستور المؤقت» ولن أزيد أكثر من ذلك! ??? ثالثا: قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب.. والذى قضت المحكمة الإدارية أيضا بعدم اختصاصها بالنظر فيه وإحالة الدعاوى المقامة أمامها بشأنه إلى المحكمة الدستورية.. والتى سبق وقضت بوقفه. والمعروف إعلاميا أن الرئيس أوقف تنفيذ قراره بعودة مجلس الشعب للانعقاد.. حيث أصدر بيانا رئاسيا يعلن فيه احترامه لأحكام المحكمة الدستورية العليا.. وأنه يجتمع مع مجلس القضاء الأعلى للتشاور فى تنفيذ الحكم.. وهو ما حدث بعد عودته من المملكة العربية السعودية، وخاصة بعدما قضت محكمة النقض بعدم اختصاصها فى نظر طلب د. سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب فى بحث كيفية تطبيق حكم الدستورية! أى أن الموضوع.. انتهى.. ولا داعى لإثارته من جديد.. بالطعن على الحكم أمام الإدارية العليا! ??? رابعا: فيما يتعلق بحل مجلس الشورى.. لقد سبق للمحكمة الإدارية العليا وبمناسبة دعوى أقيمت أمامها إحالة قانون انتخابات مجلس الشورى إلى المحكمة الدستورية للفصل فى دستوريته من عدمه، كما فعلت من قبل فى دعوى بطلان انتخابات مجلس الشعب، ومن ثم أوقفت الإدارية العليا نظر الدعوى لحين فصل الدستورية فى الطلب الذى دفع به.. وهو بطلان انتخابات الشورى.. والمحكمة الدستورية لن تفصل فى الطلب قبل شهرين على الأقل.. وحتى لا يتكرر ما حدث فى قضية مجلس الشعب.. أعتقد أن الدستورية بعد أن تفصل فى الطلب المحال إليها سوف تبلغ الإدارية العليا بحكمها.. وعلى الأخيرة أن تفصل فى النزاع.. وبما لا يتعارض مع حكم الدستورية.. وهنا سنكون أمام حكم واجب النفاذ من الإدارية العليا.. ولن نعود للجدل القديم حول أحقية المحكمة الدستورية بحل المجالس المنتخبة! هذا ما حدث من قبل.. ولكن نحن الآن بصدد دعاوى جديدة ببطلان انتخابات مجلس الشورى.. وقد قررت المحكمة الإدارية التى تنظر الدعوى إحالة الأمر إلى هيئة المفوضين بالمحكمة لإعداد تقرير فى الموضوع.. ولا نستطيع أن نجزم بما سوف ينتهى إليه تقرير هيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية. ولكن أعتقد أنه لن يخالف ما انتهت إليه الإدارية العليا فى الدعاوى السابقة.. خاصة أن التقرير قد لا يكون ملزما للمحكمة الإدارية.. التى يجوز الطعن على حكمها أيا كان أمام الإدارية العليا! ??? ما سبق كان مجرد محاولة للشرح والتوضيح لما يحدث فى ساحة القضاء الذى لجأنا إليه لحل الخلافات السياسية.. التى يجب مرة أخرى أن تحل سياسيا. ولكن على أرض الواقع.. فالأمر مختلف.. فهناك حالة من التفاهم والتناغم بين الرئيس والمجلس الأعلى للقوات المسلحة تجلت فى احترام قيادات القوات المسلحة لقائدهم الأعلى وحرصهم على أداء التحية العسكرية له فى كل مناسبة يلتقون فيها.. وتجلت أيضا فى حرص الرئيس على الحضور والمشاركة فى كافة احتفالات أبنائه الخريجين من الكليات العسكرية المختلفة. ومن جهة أخرى فقد بدأ الرئيس يمارس مهام منصبه داخليا وخارجيا، فضلا عن التأنى والدراسة فى اختيار رئيس وأعضاء الحكومة القادمة والتى يقع عليها عبء الخروج بالبلاد من أزماتها الحياتية اليومية الحالية.. إلى جانب قيامها بتنفيذ برنامج الرئيس الذى وعد به الشعب. وتنفيذا لذلك.. سوف تقوم الحكومة بإعداد القرارات ومشروعات القوانين التى تتطلبها خطوات تنفيذ البرنامج وقد ترسلها إلى مجلس الشورى لمزيد من الدراسة ومن بعده إلى لجنة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لضبط الصياغة.. ثم إلى المجلس العسكرى- لاستيفاء الشكل الدستورى- والذى سيرفعها إلى الرئيس لاعتمادها وإصرارها والأمر بنشرها فى الجريدة الرسمية. وهو ما يعنى.. أن «المركب» يمكن أن تسير.. بدون أية مشاكل.. مادام حسنت النيات وسلمت المقاصد.. والله المستعان.