فى الوقت الذى حقق فيه الليبراليون الليبيون بزعامة محمود جبريل مفاجأة كبرى فى الانتخابات البرلمانية الليبية بحصولهم على أغلبية مقاعد القوائم فى «المؤتمر الوطنى العام» واقترابهم بحسب المؤشرات الأولية من حسم أغلبية المقاعد الفردية لصالحهم، تطفو على السطح مشكلة كبرى أيضاً ممثلة فى محاولات تقسيم ليبيا والتى تتصدر مشهدها حالياً منطقة «الكفرة» جنوبى البلاد. ولأنهم خالفوا كل التوقعات التى كانت تصب فى مصلحة التيارات الإسلامية فى الانتخابات، فإن التساؤلات المثارة فى ليبيا حالياً تتجه صوب كيفية تعاطى الليبراليين مع مشكلات وقضايا الشائكة فى المجتمع الليبى ، وفىمقدمتها ملف « الكفرة» الذى يهدد وحدة ليبيا فى وقت يتطلب التركيز على إعادة بناء البلاد المنهكة منذ بدء الثورة الشعبية التى انتهت بزوال نظام القذافى. وقد استطاع تحالف القوى الوطنية والاتجاه الليبرالى بزعامة محمود جبريل الحصول الأغلبية والذى يضم ما لا يقل عن ستين حزباً صغيراً وحقق التحالف فوزاً ساحقاً فى منطقة جنزو، بطرابلس. ومدن زلتين ومسلانه وترهونه والخمس فى المنطقة الغربية باكثر من ثلاثة ارباع الاصوات فى تلك المناطق بالاضافة إلى تحقيق فوز ساحق فى عدة دوائر و مراكز اقتراع بنسبة تتجاوز 90% فى حين لم يحقق حزب الحرية والبناء الجناح السياسى لجماعة الاخوان المسلمين ولا جماعة الوطن الاسلامية أداء جيداً فى نتائج الانتخابات. ويبدو أن السبب فى تقدم الليبراليين هو نجاح القوى الليبرالية بقيادة محمود جبريل فى جمع كل الكيانات والاحزاب والشخصيات المرتبطة فى كيان واحد بالاضافة إلى فهم طبيعة الشعب الليبى والاقتراب من نبض الشارع فى الوقت الذى انقسم فيه الإسلاميون وانشغلوا بتكوين تنظيم وإدارة لكيانهم السياسى الناشئ. وتثور التساؤلات الآن حول كيفية تعاطى الليبراليين مع القضايا السياسية خاصة الشائكة منها وعلى رأسها الاضطرابات التى تعانى منها جنوب وشرق ليبيا خاصة فى «الكفرة». وتعد أحداث الكفرة هى أول التحديات التى ستواجه المؤتمر الوطنى والقوى الليبرالية لأنها تشكل بداية مشروع تقسيم ليبيا الذى تسعى لتحقيقه قوى خارجية وبطل هذا المشروع هو قبائل التيبو فى جنوب ليبيا. وأصل قبائل التيبو دولة تشاد المجاورة للحدود الليبية، وقد شهدت ليبيا فى الثمانينات هجرة أعداد كثيرة من قبائل التيبو بطرق غير مشروعة وهى الهجرة التى لم تحاول تشاد الحد منها، وقد استطاع التيبو توطين أنفسهم فى جنوب ليبيا إلى جوار قبيلة أزوية العربية وسعى التيبو للحصول على الجنسية الليبية وهو الامر الذى لم يكن من الصعوبة بمكان فالرشوة والتزوير وتواطؤ بعض الشخصيات الليبية كان كفيلا بحل تلك المشكلة. إلا أن الوضع بعد الثورة وزوال حكم القذافى اختلف تماماً إذ سعت قبائل التيبو إلى يجاد وضع رسمى وقانونى لهم فسعوا عن طريق التدليس والتزوير إلى محاولة إقامة دولة لليبتو تشمل كامل جنوب ليبيا فى الوقت الذى باءت فيه محاولات التيبو لتدويل قضيتهم سنة 2007م عن طريق اعلان جبهة إنقاذ قبائل تيبو بالفشل بعد موجة الاستنكار الدولى وبعدها تحولت إلى جبهة قبائل التيبو لإنقاذ ليبيا والتى تم تأسيسها بقيادة عيسى عبد المجيد وهو تشادى الأصل. ويشكل عبد المجيد تهديداً للوحدة الوطنية فى ليبيا بتصدره لمشروع تقسيم وخلق دارفور ليبية وذلك بناء على تصريحاته الأخيرة التى اوضح فيها امكانية حدوث تدخل اجنبى فى جنوب ليبيا ويؤكد ذلك طلبه المقدم فى مارس للامم المتحدة التى يدعوها إلى التدخل بحجة وقف التطهير العرقى الذى يقوم به النظام الليبى المتمثل فى حرب قبيلة أزوية عليهم. ويحاول عبد المجيد اثبات ان «الكفرة» مستقلة بشكل أو بآخر وأنه هو الحاكم الفعلى لها وليس المجلس الانتقالى اذا رفضت قبائل التيبو استلام الصناديق الخاصة بالانتخابات سعياً لتنفيذ بعض الطلبات منها التوقف عن سياسة التهميش والتطهير العرقى، وذلك بعد تهديدة الصريح بعدم السماح لمواطنى الجنوب فى المشاركة بالانتخابات البرلمانية. وتتميز الكفرة بأنها اكثر حقول النفط والغاز الليبية واكبر تجمع للمياة الجوفية العذبة فى العالم بالاضافة إلى أنها تعد أولى المدن فى العالم لتوليد الطاقة الشمسية النظيفة وبها خامات طبيعية متنوعة. وامام هذا الاختبار الحقيقى والمطامع الواضحة فى الثروات والاراضى الليبية هل ينجح الليبراليون فى حل تلك الازمة والنجاح فى هذا الاختبار الصعب، بعد نجاحهم فى الانتخابات البرلمانية واقترابهم من تشكيل الحكومة الليبية الجديدة..