تدين جريدة «الأهرام» فى تاريخها الأول أو فى عصر صعودها الراسخ بالفضل لرجل عظيم هو الاستاذ داود بركات الذى كان كاتبا قديرا ومثقفا حقيقيا ورئيسا ناجحا وقد جمع إلى هذه المواهب الثلاثة عددا من الفضائل الخلقية النادرة التى مكنته من أن يصنع للأهرام مجدا عاليا فى سماء الحياة المصرية طيلة الثلث الأول من القرن العشرين، لم يكن هذا الرجل صاحب الأهرام لكنه كان صاحب الفضل على الأهرام حتى إنه إذا الأهرام نسبت تحريريا وصحفيا وسياسيا إلى واحد بعينه فإنها تنسب إليه لا إلى أصحابها من آل تقلا. عاش هذا الرجل عمرا قصيرا فقد ولد عام 1870 وتوفى فى نوفمبر 1933 وهو يشغل منصب رئيس تحرير الأهرام، وهو المنصب الذى تولى مسئوليته منذ مطلع القرن العشرين أو بالتحديد بعد 15 يونيو 1901 حين توفى أثنين من مؤسسى الأهرام وهو بشارة تقلا الشقيق الأصغر لسليم تقلا، وكان سليم الأكبر قد سبق أخاه إلى الوفاة بتسع سنوات (8 أغسطس 1892)وكان هذا الشقيق الأكبر قد توفى قبل أن يشهد انتقال الأهرام إلى القاهرة وهو ما لم يحدث إلا فى 3 نوفمبر 1899، أما هذا الشقيق الأصغر بشارة الذى توفى فى 1901 فمن الواضح من التاريخين اللذين ذكرناهما أنه لم يهنأ باصدار الأهرام اليومية فى القاهرة إلا لفترة قصيرة تقل عن سنتين على حين عاشت الأهرام فى كنف داود بركات ورعاياه وتوجيهه وتأسيسه منذ 1901 وحتى 1933 وهكذا يمكن للقارئ أن يدرك مدى صواب ما ذهبت إليه من أثر داود بركات فى الأهرام وأبوته الحقيقية لهذه الجريدة. ? عمل بالتدريس فى مدرسة الامريكان فى زفتى ? عمل فى مصلحة المساحة فى طنطا. ? تولى رياسة تحرير المحروسة (1894) عام أربعة وتسعين من القرن التاسع عشر . وإن وردت خطأ فى كتاب ديوان الأهرام على أنه عام تسعة وأربعين 1849. - اشترك مع الشيخ يوسف الخازن فى إنشاء جريدة الأخبار اليومية القديمة. انتهج الأستاذ داود بركات فى تحريره للأهرام منهجا صحفيا متميزا وعلميا دقيقا ووطنيا مخلصا، وقد عنى بالعلم والأدب وعنى بالموسوعية والتخصص، وعنى بالتاريخ وصفحاته وعنى أكثر من هذا بالوطنية وتجلياتها. كتب محرر البلاغ فى نعيه ما يتوازى مع ما ذكرناه من حقائق، وأشارت البلاغ الوفدية إلى دور الأهرام فى دعم الحركة الوطنية دعما صادقا فى ثورة 1919: «لقد وسع صدره الأمة حين ضيقت السلطة العسكرية الدنيا على صحافة مصر وكتابها فكانت الأهرام هى الصحيفة التى نتشر فيها الوطنيون دعوتهم ويبعثون منها إلى الأمة برسالتهم فما كان داود فى كل حياته إلا مناصرا للوطنية المصرية ومؤيدا لدعوتها، ولقد كانت الصحف فى عهد الاحتلال تناوئ مصطفى كامل أو تخالفه إلا داود بركات فقد كان يصفو إلى الزعيم الوطنى بالود ويشايعه ويظهره وينصره بقلمه وبجريدته الأهرام». ??? ويرى الدكتور يونان لبيب رزق فى تاريخه لداود بركات أن النزعة الأدبية عند داود بركات عبرت عن نفسها عند ادارته للأهرام فلم تكن قد مضت سوى شهور قليلة على رئاسته لتحريرها عندما خصصت الجريدة بابا تحت عنوان «تقريظ التآليف» وحدث مرة ثانية خلال عام 1917 أن عاد هذا الباب إلى الظهور تحت عنوان «المؤلفون والانتقاد» ثم ظهر مرة ثالثة بعد ذلك بأربع سنوات بعنوان مختلف «بين كد الإفهام وثمرات الأقلام». كذلك كان داود بركات يفسح صدر صفحة الأهرام لدعوات الفضيلة التى يتبناها علماء الأزهر الشريف والغيورون على الإسلام وقيمه الخلقية، وفى كتب الدكتور محمد رجب البيومى إشارات متعددة إلى دور هذا الرجل العظيم فى تبنى القضايا الخلقية والدينية بكل إخلاص وحماس وتجرد. أما إسهامات داود بركان التاريخية فهى التى تستحق التقدير والتى تستوجب من الأهرام ومركزه للترجمة والنشر أن يجتهد فى نشرها فى مجموعة مؤلفات أو أعمال كاملة ذلك أن هذه الاسهامات كفيلة بأن تعطينا خلاصة جميلة لآراء حكيمة صاغها رجل قدر له أن يصطلى بالسياسة عن بعد وبذكاء. وفى هذا المجال فإنى أحب أن أشير إلى بعض ما اشتهر لهذا الرجل فى وقته: 1- كتب داود بركات عن خلاف سعد زغلول وعدلى يكن كتابا جميلا فى 1921 مال فيه إلى روح الصلح ومحاولة التوفيق بين الرجلين وظهر هذا فى عنوان الكتاب «تعالوا إلى كلمة سواء» 2- وضع داود بركات كتابا جميلا عن تاريخ السودان السياسى الحديث وجعل عنوانه «السودان المصرى ومطامع السياسة البريطانية» ومع ان الكتاب كان فى اصله مجموعة من المقالات فإنه كتاب تاريخ حى يتضمن كثيرا من التفصيلات المهمة لهذه الحقبة المهمة. 3- ألف داود بركات كتابا مسلسلا عن أحداث الثورة العربية وقد خصص الدكتور يونان لبيب رزق فصلا من كتابه ديوان الأهرام للحديث عن هذه المقالات التى تعتبر تاريخيا حيا لهذه الثورة. 4- سجل داود بركات فتح إبراهيم باشا للشام فى مقالات مسلسلة من 36 حلقة تحت عنوان «منذ مائة سنة- البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام» وقد نشر هذه الحلقات عام 1932 أى قبل وفاته بعام. ??? ألا يستحق هذا الرائد العظيم أن ينال بعض ما يستحقه من تكريم ينبغى على ابنته «لأهرام» أن تقوم به قبل أن يحل العام الثمانون لوفاته حتى تكون مجموعة أعمالة التاريخية متاحة للقارئ والباحث على النحو الذى يليق برجل أعطى الاهرام قيمته الحقيقية التى لاتزال ماثلة أمام أعيننا.