انتهت انتخابات رئاسة الجمهورية بوصول كل من الفريق أحمد شفيق (ممثل الفلول) والدكتور: محمد مرسى (ممثل الإخوان) إلى جولة الإعادة المقرر إجراؤها فى 16و 17 يونيو الجارى.. ولا شك أنها نتيجة مأساوية تماماً ولا علاقة لها بقوى الثورة الحقيقية التى دفعت ثمناً باهظاً طوال ثلاثين عاماً مضت هى حكم الرئيس السابق مبارك إذ أن الإخوان المسلمين لم يلتحقوا بالثورة إلا حينما تأكد لهم نجاحها (من جمعة الغضب 28 يناير 2011)، كما أن الفريق أحمد شفيق كان ضمن أعمدة النظام السابق واستنجد به مبارك رئيساً للوزراء فى محاولة يائسة منه لفض القوى الثورية من ميدان التحرير. إلا أن الشعب رفض ذلك رفضاً قاطعاً وأصر على إسقاط النظام الذى كان أحمد شفيق ضلعاً من أضلاعه!. ومنذ تنحى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير 2011 من العام المنصرم ومحاولات فلول النظام السابق وزبانيته لم تتوقف لتشويه صورة الثورة وخلق مشاعر عدائية لدى الشعب المصرى عن الثورة، وذلك من خلال أعمال السلب والنهب التى تعرض لها المصريون فى أرواحهم وممتلكاتهم وترويع المجتمع كله وما سمى بالانفلات الأمنى وأعمال البلطجية (المخططتين) بواسطة الفلول وأعوانهم والمستفيدين من استمرار النظام السابق وإفشال الثورة، وجرى تدبير ذلك كله من قبل هؤلاء دون أن يتصدى لهم أحد أو دون أن يكون هناك تخطيط مسبق «للوقاية» أو للحيلولة دون تمكن هؤلاء من فعل ما فعلوا من جرائم ومذابح كان آخرها مذبحة بورسعيد التى راح ضحيتها 74 شابا من شباب مصر الأطهار والتى سئل فيها مدير أمن بورسعيد الأسبق (وقت ارتكاب المذبحة) وأمام النيابة العامة إنهار تماماً وأعلن أنه كانت لديه تعليمات من قيادات أكبر منه وأنه مش حيشلها لوحده) بنص أقواله!! وحتى اليوم لم يعلن للشعب المصرى من هؤلاء.. الأكبر منه الذين دبروا تلك المذبحة التى تكفى لإعدامهم جميعاً دون محاكمة!! ومن ثم فإن ثلث الأعمال الأجرامية التى ارتكبها أعداء الثورة، قد جعلت كثيراً من بسطاء الشعب المصرى وبما يقارب 50% من مجموع الناخبين (25 مليون مواطن) ينسبون للثورة تلك الأوزار والآثام - والثورة برئية تماماً من كل هذا - وهذا ما خطط له الفلول وأنصارهم لكى نصل فى نهاية المطاف بالأغلبية من البسطاء وقد «لعنوا» ذلك اليوم الذى قامت فيه ثورتنا المجيدة فى 25 يناير 201 وكأنها المسئولة عن كل الجرائم والأزمات من رغيف الخبز إلى البنزين والسولار والبوتاجاز، وما إلى ذلك - إضافة إلى البلطجة والانفلات الأمنى - فكان أن قرر هؤلاء البسطاء أن يمنحوا أصواتهم ليس لمعسكر الثورة ومرشحيه (أبو العز الحريرى وحمدين صباحى والبسطويسى وغيرهم، ولكن لرجال «مبارك»)!! نعم لرجال مبارك الذى أسقطته الثورة ونظامه بالكامل فى ثورة دفع فيها أبناء الشعب المصرى دماءهم رخيصة لكى تحيا مصر وتنتقل من عصور الاستبعاد والاسبتداد إلى آفاق الحرية والتحرر والعزة والكرامة.. أليست هذه مأساة كبرى؟! كيف يمنح الشعب (أو جزء منه) ثقته لواحد من أولئك الذين كانوا فى خدمة السلطان السابق وواحد من حاشيتة وهو نفسه (أحمد شفيق) فى دعايته الانتخابية لم يتورع عن أن يقول إن مبارك هو مثله الأعلى الذى يحتذى به! كيف يمنح الشعب ثقته لهذا ثم يحجبها عن أولئك الذين دافعوا عنه طوال ثلاثين عاماً وتعرضوا للحبس والاعتقال والتنكيل والاضطهاد ومحاربتهم فى لقمة عيشهم وترصدهم أينما حلوا؟! جانب كبير من المأساة يقع على عاتق من ترك الساحة خالية لكى يفعل بها الفلول ما فعلوا وهم يعلمون تمامًا أن أفعالهم (مسموح بها)، والجانب الآخر من المأساة هو الفقر الذى يعانى منه 50 % من أبناء شعبنا بفعل سياسات النظام السابق وتجريف ثروات الشعب والسطو المسلح عليها وحرمان الشعب من حقه فيها وفى حياة حرة كريمة تليق بالآدميين. إذ أنه لولا ذلك الفقر الذى ساهم فى صناعتة مع الفساد والاستبداد (أحمد شفيق) باعتباره من رجال النظام السابق.. لتمكن الناخب البسيط من أن يتمتع بحريته كاملة فى الاختيار لكنها الحاجة والعوز اللتان دفعتاه إلى أن يختار واحد من المنتمين لمعكسر (الجلاد) لكى يكون رئيساً لمصر، وهناك أيضاً مرشحون آخرون دفعوا لكى يحصلوا على مزيد من أصوات البسطاء والمحتاجين.. لم تكن أبداً انتخابات نزيهة بالمعنى الحقيقى لنزاهة الانتخابات لما ذكرناه سابقاً إضافة إلى عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين. إذا أن من دفعه تمكن من الحصول على توكيل 30 ألف ناخب لكى يستوفى شرط الترشيح كما أن من كان المال من نصيبه ( خليجياً أو محلياً) تمكن أيضاً من الدعاية المكثفة لنفسه ومن الوصول إلى نجوع مصر بعد قراها. أما أولئك الذين تمسكوا باستقامتهم وشرفهم عجزوا عن أن يكون لهم بعض الملصقات البسيطة حتى فى عواصم العديد من المحافظات فى مصر.. فالنزاهة تحتاج إلى مقومات عديدة جرى افتقادها بشروط تعجيزية للترشيح.. ثم سقف شفيق للدعاية (10مليون جم)!! وكل من كان فى مقدمة السباق أنفق ال 10 ملايين فى محافظة واحدة فى مصر.. فماذا جرى معهم؟ لا شىء.وإننى أتساءل كيف لم صنع الفقر والفساد والاستبداد وشارك فى صناعته طوال أعوام خلت مع النظام السابق؟! كيف له أن يحارب ذلك كله ويعود بنا إلى مجتمع الحرية والعزة والكرامة وحياة الآدميين؟! وحينما قال الشاعر الراحل نزار قبانى عن الحب فإن من بدأ المأساة ينهبها وإن من أشعل النيران يطفيها. فإن فى السياسة يجدر بنا القول كيف لمن بدأ المأساة أن ينهيها؟! وكيف لمن أشعل النيران أن «ينتخب» رئيساً «ليطفيها»؟! «شفيق» و«ومرسى».. خياران أحلاهما «مرُ» لماذا وضعنا الشعب المصرى فى هذا المأزق؟! هل بعد ثورتنا.. وشهدائنا.. ودمائنا.. وخسائرنا.. واقتصادنا المنهك.. هل بعد كل ذلك نجد أنفسنا بين «المطرقة» والسندان» ؟! سامحكم الله.. الشعب والفلول والإخوان؟.