الجوارى نظام اخترعه الحكام والأغنياء فكانوا يشترونهن للغناء وإلقاء الشعر والمؤانسة فى مجالس الأنس ولهم فيهن مآرب أخرى. ظهر ذلك فى العصر الجاهلى واستمر فى العصرين الأموى والعباسى، وأيضا فى الأندلسى. لكن السلاطين الأتراك لم تشغلهم حكاية الغناء وفضلوا فى الجارية الدلال والجمال لتكون «الخلوة» هى الهدف ولا حاجة للجارية المغنية. وكان نظام الجوارى يقوم على الشراء من الاسواق أو الإهداء من علّية القوم. أما السلطان التركى سليمان فقد جمع جواريه من الأسرى والسبايا وضحايا حملاته العسكرية على جزر البحر الأبيض وبعض الدول الأوروبية. ولم يكن للأتراك حتى زمن أحداث المسلسل الشهير «حريم السلطان» أى ولع بفن الغناء. فشريط الصوت عبارة عن موسيقى خالصة. والأصوات البشرية التى لم تظهر فى شكل آهات منغمة إلا فى المشاهد التى كان يتذكر فيها «ليو» حبيبته الروسيةأليكسندرا (هيام خانو فيما بعد). أما حفل الزواج الأسطورى الذى أقامه السلطان سليمان بمناسبة زواج أخته السلطانة خديجة من وزيره الأول إبراهيم باشا فقد خلا من الغناء التركى تماما واعتمد على استعراض المهرجين وحاملى التماثيل ومروضى الثعابين ولاعبى المصارعة الحرة. ولم يكن الغناء المصرى أحسن حالا فى ذاك الوقت من الغناء فى الدولة العلّيه. ففى القرن الخامس عشر الميلادى الذى دارت فيه أحداث المسلسل الجذاب والذى يستعرض أسرار قصر السلطان خاصة مبنى الحرملك فيه. كانت محرقة المماليك فى القلعة قد قضت على عصر المماليك الذى اتسم بالظلم والعسف ما جعل البلاد ميدانا للشغب والفوضى. وقد بعث السلطان سليمان بالخائن أحمد باشا لتولى حكم مصر وبعث معه محمد زاده باشا جاسوسا عليه. فعين أحمد باشا نفسه سلطانا على البلاد وأعلن العصيان على السلطان سليمان. فى مصر كانت للطبقة الحاكمة من سلاطين المماليك ومن دار فى فلكهم من الأمراء والأغنياء والإقطاعيين قصور تملؤها مجالس الأنس والطرب ولكل قصر فرقته الموسيقية الخاصة وعدد من نجوم الرقص والغناء. وقد اشترى الأمير بكتمر المغنية خولى العوادة بعشرة آلاف دينار واستأثر قصر الناصر محمد بن قلاوون بالمغنيتين زهرة واتفاق. أما السلطان قايتباى فقد اختار نور الدين على بن رحاب مغنيا لقصره لكن الأمير طومانباى قبض عليه فى عهد السلطان الظاهر قانصوه وضربه بالمقارع وجرّسه فى شوارع القاهرة وهو عريان مكشوف الرأس على حمار. وكان من أكبر ما يؤخذ على المغنى فى عصر المماليك أن يقصد إلى ترفيه الشعب. فالمطربون والمطربات كانوا متاعا للحاكم ولا يصح أن يستمتع بفنهم أحد من عامة الشعب. وقد قبض الأمير يشبك بن حيدر والى القاهرة على خديجة الرحبانية وهى تغنى فى أحد الأفراح بتهمة إفساد عقول الناس وأمر بضربها 50 عصا وقرر عليها غرامة مالية وكتب عليها تعهدا بألا تزاول مهنتها، فمرضت وماتت ولم تتجاوز من العمر 30 سنة. ولم تكن خليفتها - هيفه اللذيذه - وهذا اسمها- أسعد حظا وكانت رئيسة المغنيات فى عهد السلطان الغورى. فقبض عليها وسجنت وعذبت وتم تغريمها 5 آلاف دينار وتوسط لها القاضى بركات بن موسى فدفعت ألف دينار باعت فى سبيلها كل ما تملك وقسّطت عليها خمسمائة دينار تدفعها بواقع مائة شهريا. شاء القدر أن تظل مصر هكذا طوال ستة قرون حتى القرن التاسع عشر تطارد الغناء والمغنين لينحسر فى قصور حكام مصر ويختفى كلية من قصور الحكام العثمانلية فى بلادهم وفى بلاد التى حكموها. فامتلأ حرملك قصر السلطان سليمان بالجميلات الخاليات من المواهب الظاهرة إلا فى جناح «الخلوه»!! تعرض القنوات المصرية حاليا 6 مسلسلات مدبلجة من التركية وأبحث فيها عن أغان تركية احب سماعها دائما فلم اجد، فالدراما التركية غارقة فى المآسى الميلودرامية البعيدة عن الغناء بكل ألوانه وفى مقدمتها مسلسل «حريم السلطان».