قد لا يدرك الكثير من القائمين على إدارة الصحف والمجلات المصرية سواء الصحف القومية او الصحف الخاصة أو حتى الصحف الحزبية أن الصحافة فى مأزق كبير.. المأزق الذى صنعته الصحافة المرئية الفورية وكذلك المسموعة والفضائيات التى تتميز بالموضوعية والصدق فى التناول، كذلك الإنترنت بمواقعه الإخبارية.. فهى تقدم على مدار الثانية وليس الدقيقة الخبر الجديد والسريع والمهم فى الوقت والساعة بلا تأخير ويراه العالم أجمع فلم تستطع حتى أن تنقيه من الشوائب.. وبعد أن كانت تتباهى صحيفة عن صحيفة بالسبق بخبر لمسئول كبير أو فضيحة كبرى أو أى شىء آخر حتى وإن كان مفبركا إذا كانت فاشلة فى تقديم الحقائق، خلاص انتهى زمن الصحف الإخبارية، ويبدو أن الصحف يجب أن تعود إلى سابق عهدها بأن تكون الصدارة للمقال بأنواعه.. فقد بدأت الصحافة المصرية بالمقالات لكبار الكتاب وكبار الأدباء أمثال العقاد ود. طه حسين، وإبراهيم المازنى، ود. محمد حسن الزيات، ود. عبد الرحمن شكرى وغيرهم الكثيرون.. حتى أن جريدة مثل الأهرام كنت تجد أنها تبدأ من الصفحة الأولى يمين المقالة التى تستمر لأكثر من صفحة. ويوم بدأت صحيفة الأخبارالتى صدرت فى الخمسينيات من القرن الماضى وكان الخبر هو التجديد فى الصحيفة على غرار الصحافة الأمريكية التى أصبحت ترى أن الخبر أصبح ضرورة إعلامية بعد أن كان الإعلان يقوم بهذا الدور أى دور الخبر. وظلت الصحافة حبيسة التطوير التكنولوجى البطىء فى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حتى بلغت قمة التطور مع نهايات القرن العشرين فى ظهور الصحف المطبوعة طباعة الأوفست الأنيقة والصورة الملونة غير المكلفة وسهلة الطباعة. ومع صحافة دار أخبار اليوم التى حرص صانعوها على أهمية الخبر الصحفى سارت كل الصحف فى هذا الاتجاه حتى الآن.. ولكن التطور التكنولوجى والثورة المعلوماتية والثورة التكنولوجية والسماوات المفتوحة أصبح الخبر فى الصحيفة تحصيل حاصل، وأصبحت هناك ضرورة التطوير إلى ما يسمى القصة الخبرية والتقرير المفصل الوافى والمتكامل أو التحليل أو المقال المتنوع.. فقارئ الصحيفة الآن لا يحتاج للخبر وإلا اتجه لما يملأ عقله. ولهذا أذعنت أو أبت لابد أن تعود الصحافة الى المقال بكل أشكاله وقوالبه المعروفة أكاديميا.. وللأسف كاتبو المقال فى مصر الآن والذين تحب أن تقرأ لهم وتشعر بأن رأسك اتوزن بمقالاتهم يعدون على أصابع اليد الواحدة.. فقد هرم من هرم ومات من مات وأصبح لدينا أجيال للأسف لم تتعلم وتتدرب على كتابة المقال بشكل علمى.. فالمقالات التى تطالعنا فى الصحف مجرد انطباعات شخصية.. أو ملاحظات وانتقادات اجتهادية لكن المقال له طريقة فى البناء والتسلسل يعرفها جيدا دارسو الصحافة.. وانتهى عهد المقالات التى كان الشعب المصرى ينتظرها كل اسبوع للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وإحسان عبد القدوس، وأحمد بهاء الدين، وعبد الستار الطويلة وصلاح حافظ، وفتحى غانم، وأنيس منصور، وموسى صبرى، ويوسف إدريس، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ورجاء النقاش وغيرهم مما لايسعنى المجال لذكرهم.. وأصبح من يكتبون الآن مقالات فى الصحف لديهم هشاشة فى المعنى والمغنى.. لماذا؟ لأن معظم الأجيال الصحفية التى تعمل فى السوق الصحفى الآن تعلمت وتدربت فقط على أن تأتى بالخبر ولم يتركوا للتعلم والتدرب على كتابة المقال وإن كتب فهو مجتهد ويحاول ويكفيه شرف المحاولة.. أما كتابة المقال فى الصحافة الأجنبية فهى تستلزم فريقا كاملا وعملا شاقا وطويلا للتحضير للفكرة وجمع المعلومات الخاصة بالفكرة والأساليب المقترحة لكتابة وصياغة القالب المقالى والتسلسل ثم يشرع الكاتب ذو الاسم المرموق الذى يسعى له القراء لمطالعة مقاله وتتخاطف مقالاته وكالات الأنباء الجاهزة لتباع بأغلى الأسعار مثل لاعبى الكرة عندنا.. أما فى مصر وفى صحافتنا المصرية أقلب يا جدع مثل كل شئ مائع وضايع وتائه مثل أحوال هذا البلد الذى عانى فيه كل شىء حتى الصحافة وأبناؤها من تقهقر وعدم نمو أبنائها إلا المجتهدين الذين يحاولون بأنفسهم واختفى الصف الثانى من الصحافة ولهذا وجدنا معظم القيادات فى الفترة الأخيرة (نصف لبه) كما يقولون أولاد البلد.. وهنا أحاول ان أدق ناقوس إنذار لأبنائنا من الشباب الجديد الذى يطرق باب الصحافة أن يتدرب على كتابة أفكاره فى شكل مقال او قصة خبرية أو تقرير صحفى لأنه لم يعد هناك مجال للصحافة الخبرية إلا فى البوابات الإلكترونية أو الفضائيات وانتهى عهد السبق الصحفى.. خلاص.. خلاص.