أقوى شعور داهمنى وأنا أشاهد المناظرة التليفزيونية الأولى بين مرشحين للرئاسة فى مصر والعالم العربي، هو أننى اكتشفت من متابعة إجابات وتعليقات عمرو موسى وعبدالمنعم أبو الفتوح أنه لم يكن لدينا رئيس طوال السنوات الماضية، وأن من كان يحكمنا لم يكن يزيد فى معلوماته أو ثقافته عن أى شخص بسيط، وأن الخروج عن النص الذى اعتاد عليه مبارك فى كثير من خطاباته كان فقرة كوميدية فى برنامج فكاهي. ورغم أن موسى بدا متوترا أكثر من اللازم ومتعجرفا أكثر مما كنت أتوقع، ورغم أن «أبوالفتوح» لجأ إلى التجريح فى خصمه بدلا من الدعاية لنفسه ولأفكاره، ورغم أن الاثنين وقعا فى بعض الهفوات وزلات اللسان، وأبرزها ما قاله موسى عن أن إيران دولة عربية، فإننى تأكدت من عمق ثقافتهما وذكائهما وسرعة بديهتيهما أنهما أفضل مليون مرة من الرئيس المخلوع الذى شربنا حكمه لمدة 30 سنة، وكان يريد أن يجرعنا ابنه لمدة ثلاثين سنة أخرى. أما نقل المناظرة بالمسطرة من المناظرات الرئاسية الأمريكية، فكان مبالغا فيه وواضحا جدا، وصحيح أننا تعودنا على اقتباس أفكار برامجنا وأفلامنا ومسلسلاتنا وأعمالنا الأدبية من الغربيين، لكن تحويل المناظرة إلى نسخة بالكربون من مناظرات رؤساء أمريكا كان نوعا من الاستسهال الزائد عن الحد، وكان الأفضل البحث عن صيغة أخرى تلائم طبيعتنا وطبيعة مشاهدينا، خاصة أن المناظرة طالت أكثر من اللازم، لدرجة تخوف البعض من سقوط أحد المرشحين أو كليهما من فرط التعب والإرهاق. ويعوّض هذا الاقتباس المباشر، جودة الإعداد وحسن اختيار الأسئلة ورباطة جأش المذيعين، وخصوصا يسرى فودة فى مواجهة عدم التزام المرشحين بقواعد المناظرة التليفزيونية، خاصة عمرو موسى الذى كان يتجاوز باستمرار الفترة المحددة للإجابة، ويحاول إرهاب المذيع بحضوره الطاغى وقوة شخصيته ليتساهل فى بعض القيود والقواعد التى تم وضعها للمناظرة، مثل عدم استخدام مدة الإجابة لطرح أى أسئلة للخصم. وأشد ما يخيفنى بعد تلك الخطوة المشرفة والصورة الجميلة التى تابعها العالم لأول مناظرة بين مرشحين عربيين للرئاسة، هى ألا تتم تلك الانتخابات على خير، أو يتآمر علينا أعداؤنا فى الداخل والخارج لإعادتنا مرة أخرى إلى حكم القهر والفساد.