جاء المؤتمر السنوى للأدب المقارن وحوار الثقافات بعنوان (صورة مصر فى الأدب العالمى) الذى عقدته الجمعية المصرية للأدب المقارن برئاسة الدكتور أحمد محمد عتمان أستاذ اللغة اليونانية بجامعة القاهرة، وكانت الجمعية التونسية للأدب المقارن ضيف شرف المؤتمر الذى قدم فيه المشاركون ما يقرب من 40 بحثا حول صورة مصر فى الآداب العالمية، والتى اتصفت فى أغلبها بعدم الحيادية وخاصة فى الأدب الأوروبى الذى ارتبط بنظرته الاستعمارية وأطماعه السياحية جعلته يقدم صورة لمصر تتيح لمشروعه السياسى الاستعمارى أن يتحقق وتقدم تبريرا أخلاقيا له ليختتم المؤتمر أعماله بتوصيات بإنشاء مرصد لتتبع ما يكتب عن مصر تتبناه الجمعية المصرية للأدب المقارن، ومركز اللغات والترجمة بجامعة القاهرة، ومناشدة الجهات الإعلامية والسياسية بالحديث المنضبط عن مصر سواء بالسلب أو بالإيجاب وبأن يعقد المؤتمر القادم للأدب المقارن وحوار الثقافات بدولة تونس الشقيقة. حيث استعرض حسن حنفى الأستاذ بجامعة القاهرة مشروع الفيلسوف الفرنسى ليبيتز لغزو مصر حين استشعر ليبيتز أهمية مصر كمدخل للشرق ولأفريقيا وأن من يستولى على مصر يستولى على العالم بأكمله فذهب إلى ملك فرنسا وأقنعه بضرورة الاستيلاء على مصر التى هى الطريق إلى آسيا والهند وأفريقيا وأن دفاعها ضعيف لتستعيد فرنسا تاريخ الاسكندر، وبالفعل جهّز الملك حملته على مصر بقيادة نابليون والتى لم تستمر لأكثر من ثلاث سنوات والتى وجدت مالم تتوقعه من مقاومة وشعب وجيش وعلماء. فى حين تحدث زين العابدين أبو خضرة أستاذ اللغة العبرية بجامعة القاهرة عن صورة مصر فى الأدب العبرى التى تراوحت بين سلبية تفيض حقدا وكراهية، وخاصة إذا تعلق الأمر بالصراع القديم أو الحديث وإيجابية تفيض مدحا وثناء إذا تعلق الأمر بالحضارة القديمة وتعايش الأديان، حيث لم يحظ بلد بالمكانة التى حظيت بها مصر فى الأدب العبرى على امتداد العصور نظراً للتاريخ الذى ارتبط به بنو إسرائيل بمصر منذ فتحت خزائنها لهم عندما كانوا يعانون من مجاعة قاسية فى فلسطين أيام يوسف عليه السلام، ثم فى العصر الوسيط وكذلك فى الأدب الحديث خاصة بعد أن تم فك رموز حجر رشيد، وأفصحت الحضارة المصرية عن مكنوناتها الدفينة حيث حضر الأوروبيون إلى مصر ومنهم إسرائيليون كما كان هناك يهود يعيشون فى مصر وعندما ذهبوا إلى فلسطين كتبوا عن مصر فى الأدب العبرى الذى اتسم فى أغلبه بالسلبية الكبيرة حيث لا تكاد تجد عبارة تقول الحقيقة عن مصر، مشيراً للصورة الإيجابية الوحيدة فى الأدب العبرى كانت فى العصر الفرعونى، مستدلا ببعض الأعمال الأدبية عن مصر فى الأدب العبرى مثل المسرحية الشعرية «بجانب الأهرامات» وقصيدة «تماثيل أبو الهول». أما عن صورة مصر فى أدب الرحلات الغربية فتحدث عنها مجدى فارح من تونس وذلك عبر تحليله لصورة مصر فى الأدب الفرنسى والتى ارتبطت بالنظرة الاستعمارية التى حاول فيها أغلب الرحالة حصر صورة مصر فى الاستبداد والهمجية حيث ظهر المصرى فى الأدب الفرنسى متخلفا وهمجيا ينتظر المستوطن الأوروبى الذى ينقله من البداوة إلى الحضارة وتصوير المصرى بأنه غير عقلانى وطفولى فى مقابل استقامة ونضج المواطن الأوروبى متجاهلين الحديث عن شيوخ الأزهر والعلماء والخلط بين الدراويش والفقهاء. أما صورة مصر فى الأدب الإنجليزى فتحدث عنها.. ماهر شفيق فريد من خلال عرضه كتابات الأديبين البريطانيين «إدوارد فورستر مورجن» و «لورنس دريل» اللذين عاشا فى مدينة الإسكندرية وانجذبا إليها وأن اختلف تصوير كل منهما لها، ففى حين حاول فورستر وهو من أكبر أدباء بريطانيا فى النصف الأول من القرن العشرين أن يبرئ نظرته من شبهة التفوق العنصرى وإظهار السماحة الفكرية افتقد دريل للتعاطف الاجتماعى فى تصويره وبدا واضحا فى استعلائه الأوروبى وميله إلى الإثارة والتضخيم. أما دريل والمعروف برباعية الإسكندرية وخماسية أفينيوس التى تشير إلى الإسكندرية والتى وصفتها الكاتبة جين لاجوديس بنظرة الاستعلاء الأوروبى التى كانت شائعة فى كتابات الغربيين عن الشرق والمفتقرة للتعاطف الاجتماعى والمبالغة التى تكاد تستعصى أحيانا على التصديق. أما عن صورة مصر فى أدب الرومان فقد سلطت الضوء عليها «ماجدة النويعمى» من خلال أشعار «تيبو لوس الرومانى» التى تحدث فيها عن مصر والتى اعتبرت بمثابة رد اعتبار لمصر بعدما كانت محل هجوم شعراء رومان آخرين الذين ركزوا دوماً على الثورة السلبية لمصر وخاصة فيما يتعلق بملكتها كليوباترا. أما صورة مصر فى الأدب الروسى فتحدثت عنها «مكارم الغمرى» عميدة كلية الألسن السابقة من خلال مجموعة أشعار «أغانى سكندرية» للروائى والكاتب والموسيقار «ألكسندر كوزمين» الذى أولع بالإسكندرية التى قدم إليها فى عام 1896 مما انعكس على اهتمام الشاعر فقدم تاريخها كنموذج لحوار الثقافات والتى جسد من خلالها شرائح زمنية عن تاريخ مصر سواء الفترة الفرعونية أو الفترة الأفريقية والرومانية مستعرضاً ملامح الزمان والمكان من هرم خوفو ومقبرة منقرع، ورع إله الشمس وصورة المصرى القديم والأساطير اليونانية والرومانية وغيرها من مختلف الثقافات فى مصر. فى حين تناول «حسانين فهمى» صورة مصر فى الأدب الصينى الحديث وذلك من خلال أعمال كل من الشاعر الصينى المعروف «قود موروو» والشاعر «شيوجه موا» والشاعرة والقاصة الصينية «بينغ شين» والكاتب «يانغ شوا»، وغيرهم من الكُتّاب الصينيين الذين جذبهم تميز العلاقة بين البلدين وتطورها فى شتى المجالات للتعبير عن هذه العلاقة فى إبداعاتهم الأدبية المختلفة، حيث أغرت هذه العلاقة الطيبة بين البلدين الكثير من المبدعين الصينيين سواء هؤلاء الذين أتيحت لهم الفرصة لزيارة مصر والتقرب من شعبها أو هؤلاء الذين قرأوا عن مصر وشعبها. أما «هيام عبده» أستاذ اللغة الأسبانية بجامعة حلوان فاختارت «ميدان التحرير بين رياح الخماسين ورياح التغيير» وهو عنوان أحد فصول كتاب «أشياء لم تعد مكتوبة» للأديبة الأسبانية «كريستينا فرناندث كوباس» التى أقامت لمدة تسعة أشهر فى القاهرة من عام 1978 وبالتحديد بالقرب من ميدان التحرير حيث أشارت إلى الأماكن التى كانت بها فى مصر وصورة مصر التى انطبعت فى مخيلتها وكيف تراءى لها ثبات وعناد القاهرة أمام هبوب رياح الخماسين التى تمحو أشياء كثيرة ولكن تقف حائلاً ضد محو ذاكرة هذه الرياح العاتية التى تتخلل الأشياء وتحتل مكاناً خاصة فى ذاكرة الكاتبة حيث تبدأ القصة فى أواخر أبريل وأوائل شهر مايو فتتحدث الكاتبة عن الخماسين والظواهر المصاحبة له وتكلمت عن مجمع التحرير ونظام العمارة لتعطى دلالات هذا المكان الذى يحمل تاريخاً ودلالات كلها إيجابية. ومن قسم الألمانى بجامعة حلوان تحدثت «منار عمر» عن تحول شخصيات مهدور دمها إلى أيقونات للحرية والديمقراطية، وعن الشبه الذى جمع بين الألمانى «بينو أونيزورج» والتونسى محمد البوعزيزى والليبية إيمان العبيدى والمصرى خالد سعيد. من خلال رواية «الصديق والغريب» للروائى الألمانى «أوفه تيم» الذى تحدث عن «أونيز ورج» الذى لم ينتم إلى أية جماعة سياسية ولم يكن واحداً من الأخوة المشاغبين، غير منخرط فى السياسة مما دعّم صورته كضحية وجعل منه عبرة سياسية واعتبر موته دليلاً على التوجهات الفاشية لسلطة الدولة، والتى استخدمتها الباحثة كوصف لشخصيات كخالد سعيد والبوعزيزى وغيرهما من أيقونات الربيع العربى.