فى تقديرى أن مخططى عملية محاصرة وزارة الدفاع والتطاول على قادة القوات المسلحة لابد أن يحاكموا أولاً بتهمة الغباء السياسى قبل أى تهمة أخرى.. فهم قد قامروا بمجموعة من الرهانات الخاسرة سواء من حيث توقيت العملية أو نتائجها أو ردود فعل الشارع المصرى تجاهها.. ولعل الرهان الخاسر الأكبر هو أنهم راهنوا على طول صبر واحتمال القوات المسلحة نفسها، والتى تحمل أفرادها ومعهم قادتهم الكثير من الإهانات والسخافات والاستفزازات طوال أكثر من عام، وسط سيل من الاتهامات التى يطلقها الجهلة والسفهاء آناء الليل وأطراف النهار.. وقد فهم المحرضون الرسالة خطأ؛ فقد اعتقدوا أن الجيش صمت ويصمت على إهاناتهم، ويغض الطرف عن تجاوزاتهم عن خوف وضعف وقلة حيلة، لكن الجيش أكد فى أقل من 6 دقائق فقط قدرته على الرد وبقوة، بعد أن أحس قادته أن المحرضين تجاوزوا الخطوط الحمراء، وحاولوا الاعتداء على حرم وزارة الدفاع، بل حاولوا اقتحام الوزارة نفسها، فى توقيت مشبوه يتزامن مع عملية أخرى، مخطط لها، للعدوان على تراب سيناء، بدأت بهجمات على كمائن أمنية سقط فيها ضحايا.. وفى تقديرى أن المحرضين الذين اختاروا هذا التوقيت بالذات للصدام مع الجيش وقادته، لا يريدون خيراً لهذا البلد، بل يريدون أن يغرقوه فى المزيد من الفوضى تنفيذاً لأجندات ومخططات قوى إقليمية تضمر الشر لمصر.. فالمحرضون تحركوا بحجة المطالبة بسرعة تسليم القوات المسلحة للسلطة لقوى مدنية.. فى حين أن كل المؤشرات تؤكد على أن الفترة الانتقالية اقتربت فعلاً من نهايتها، وأن رئيس ونائب وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بح صوتهم طوال أكثر من عام بالتأكيد على حرصهم على تسليم السلطة للرئيس المنتخب فى نهاية يونيو القادم، أى بعد حوالى شهر من الآن، بل الأكثر من هذا أنهم أكدوا أنه لو فاز مرشح بمنصب الرئيس من الجولة الأولى فسوف يسلمونه السلطة فوراً دون انتظار للموعد المحدد نهاية يونيو. أى أن الواقع والمنطق يؤكدان كما يقول المثل العامى أنه «فات الكثير وما بقى إلا القليل»، لذلك جاءت هذه العملية المشبوهة لتثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب عن أسباب اختيار مثل هذا التوقيت المشبوه.. كما أن هؤلاء المحرضين راهنوا على أن الشعب ورجل الشارع العادى سيؤيدهم فيما يقومون به من جنون يستهدفون به ضرب المؤسسة العسكرية ومعها هيبة الدولة وأمن وأمان هذا البلد، فوجدوا أن الشعب كله ضد أن تمس قواته المسلحة الباسلة وأن هذا خط أحمر، شديد الاحمرار، لكن المحرضين المصابون بعمى الألوان لم يروا ذلك لأنهم يرون كل الألوان سوداء بلون راياتهم التى يرفعونها داعين إلى الجهاد فى سبيل الشيطان وليس فى سبيل الأوطان.. وأخطأ المحرضون أيضاً عندما تنابزوا فى الفضائيات بالألقاب، وحاولوا الحط من شأن قواتنا المسلحة، محاولين التفرقة بين الجيش وقادته؛ بخطاب عتيق يعيدنا لزمن الجاهلية الأولى.. ودعونا نتحدث عن «حالة» الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل الذى خرج لنا فجأة بمئات الملايين من الجنيهات، لا نعرف من أين؟! ليملأ كل حوائط وأعمدة مصر المحروسة بصوره وشعاراته، التى هو أول من يعمل عكسها.. «سنحيا كراماً»..!! كيف «سنحيا كراماً» بالتزوير والكذب والتدليس.. وتهديد كل مؤسسات الدولة القضائية والعسكرية والأمنية بالويل والثبور وعظائم الأمور، بل والتهديد بحرق الأخضر واليابس لا لشىء إلا لأنه استبعد من سباق الانتخابات الرئاسية..؟! كيف «سنحيا كراماً».. والشيخ أبو إسماعيل يدفع بأنصاره المفتونين بخطابه أو القابضين لأمواله.. للصدام مع الجيش وإضاعة هيبة الدولة واستقرارها.. وتجاوز كل الخطوط الحمراء..؟! كيف «سنحيا كراماً».. والشيخ أبو الأشبال ينادى بإهدار كرامة الجيش ومجلسه الأعلى.. واقتحام وزارة الدفاع وذبح من فيها.. والغريب أن كل ما حدث ويحدث من جرائم فى حق مصر والمصريين يتم فى ظل حالة كريهة من النفاق من جانب بعض الفضائيات والصحف والقوى السياسية والأحزاب، بل بعض مرشحى الرئاسة، والذين يغازلون المتطرفين والموتورين، ويزايدون طمعاً فى جذب المزيد من الأصوات، وكنت أتمنى أن يقولوا كلمة حق فى وجه «شيخ جائر»..!! لقد عكس كل هؤلاء الآية.. واتهموا الجيش بأنه السبب فى التصعيد وأنه المسئول عن كل الدماء التى أريقت والقتلى الذين سقطوا.. وكأن الجيش والمجلس العسكرى هم الذين ذهبوا للمتظاهرين وهم الذين حاصروهم، وهم الذين كانوا يستفزونهم ويسبونهم بشتائم وألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان، بل وصل الأمر إلى حد «التبول»، نعم التبول، ويؤسفنى أن أقول ذلك، على جنود قواتنا المسلحة البواسل، حتى أن القادة اضطروا إلى أن يقصروا مدة «الخدمة» التى يقضيها الجندى أو الضابط فى محيط وزارة الدفاع حتى لا تتأثر أعصابه لضمان أقصى درجات ضبط النفس أمام سيل الاستفزازات التى كان يمارسها أولاد أبوإسماعيل ومن هم على شاكلتهم.. إن سرعة محاكمة كل من حرض وتسبب فى إزهاق الأرواح وإراقة الدماء وإهدار كرامة مصر والمصريين أصبح مطلباً ملحاً لجميع فئات الشعب حتى يكون هؤلاء وهؤلاء عبرة لمن يعتبر. لقد آن الأوان لكى تختفى ظاهرة «الشيخ حازم أبو إسماعيل» والشيخ أبوالأشبال والتى تخالف وتتناقض كلياً وجزئياً مع كل ما يدعونا إليه ديننا الحنيف.. وما نشأنا وتربينا وجبلنا عليه من أخلاق قويمة وتقاليد عريقة وقيم وأعراف نبيلة صنعنا بها حضارات مازالت راسخة فى وجدان الضمير الإنسانى العالمى.. لقد آن الأوان لكى نلقن المحرضين والمخربين والمرجفين دروساً عن هيبة الدولة واحترام مؤسساتها وإرادة شعبها.. حتى يفكروا مليون مرة قبل أن يمسوا هذه الثوابت التى هى خطوط حارقة لا يجب أن يتجاوزها أحد.