شن عدد من خبراء التعليم هجوماً شرساً على سياسة التعليم فى مصر.. ووصفوها بأنها مجرد اجتهادات من الوزراء السابقين تفتقد التخطيط العلمى والرؤية السليمة مما يؤدى إلى سقوطها بمجرد رحيل وزير وتولى آخر وهو ما أفرز سلبيات كبيرة فى قطاع التعليم، وشددوا على أن الثانوية العامة كانت أهم ورقة يلعب بها كل الوزراء من أجل تثبيت أقدامهم لذا تعرضت لأكثر من محاولة فاشلة لتجريب أفكار وسياسات عشوائية.. «أكتوبر» استطلعت آراء عدد من الخبراء حول هذه القضية التى تشغل كل بيت مصرى مع بدء البرلمان فى تعديل نظام الثانوية العامة وعودتها إلى نظام السنة الواحدة.وحول رأيه فى هذه القضية يقول د. حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة سابقا إن كل وزراء التعليم السابقين كانوا أقل من المنصب لأنهم كانوا غير متخصصين وليس لديهم رؤية علمية باستثناء د. حسين كامل بهاء الدين حتى وزراءالتعليم العالى أيضا لم يكونوا متخصصين فمثلا د. عمروسلامة أستاذ هندسة ود. هانى هلال هندسة تعدين، أما د. معتز خورشيد فأستاذ حاسبات ومعلومات والوزير الحالى د. حسين خالد أستاذ أورام بكلية الطب وبرأيى أن كل هذه التخصصات لا تجعل لدى صاحبها رؤية لأنها تخصصات دقيقة لكن من يتمتع حقا بوجود رؤية أشمل هم أساتذة كليات الحقوق والآداب خاصة والدراسات الانسانية عامة. ويضيف د. طاهر أن وزراء التربية والتعليم السابقين ارتكبوا اخطاء جسيمة لأنهم غير متخصصين لكن الوزير الحالى جمال العربى لديه القدرة على فهم ما تحتاج إليه الوزارة والعملية التعليمية لذلك أتوقع نجاحه، وطالب طاهر بوضع أسس عامة للتعليم بحيث لاتتغير مع تغير كل وزير. مشيراً إلى أنه ينبغى أن يعتمد التعليم الابتدائى على القدرة اليدوية للطفل وليست القدرة العقلية لأن بداية النضج الفكرى يبدأ فى المرحلتين الاعدادية والثانوية وشدد على أن بعض المواد لابد أن تلغى تماما فى المرحلة الثانوية مثل الفلسفة التى يتم تدريسها فى الجامعه فقط. وأطالب مسئولى التعليم بنقل وترجمة مواد العلوم والرياضيات والكيمياء كما هى وتكون نسخة طبق الأصل من المواد التى تدرس بمدارس الاتحاد الاوروبى حتى لايقل مستوانا العلمى عنهم فى تلك المرحلة السنية المهمة أما مواد التاريخ والدرسات الانسانية فلنؤلفها كما نشاء. ويرى د. محمد السكران أستاذ أصول التربية بجامعه الفيوم ورئيس رابطة التربية الحديثة أن التعليم فى مصر عبارة عن سياسة وزراء منذ عقود وحتى قبل قيام ثورة يوليو 1952 فكل وزير كان يأتى معه بسياسة جديدة وهذه هى الكارثة التى نعانى منها حتى ظهر ما يعرف بثانوية كل وزير، فالثانوية العامة أصبحت سياسة الوزير ولم تعد سياسة دولة وهو ما نعانى منه منذ أكثر من 125 سنة منذ تم إنشاء أول وزارة للتربية والتعليم فى مصر .والحل فى رأيى يكمن فى وجود مجلس قومى للتعليم لا علاقة له بأى وزير بحيث يختص بوضع سياسات واستراتيجية للتعليم المصرى تتميز بالثبات النسبى ويراعى التغيرات المستقبلية،لافتاً إلى أنه عندما قرر محمد على باشا النهوض بمصر وانتقالها من عصر التخلف أيام الدولة العثمانية إلى عصر النهضة بدأ بالتعليم، وأستطيع أن أقول إن مصر الآن تعانى من التخلف مثل الأيام السابقة لتولى محمد على قيادة مصر، كل المؤشرات تدل على ذلك لأن رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب سلفى وقد تابعنا مطالبة أحدهم بإلغاء اللغة الانجليزية من التعليم وأعتقد ان هذا تطور خطير يؤثر حتما على مستقبل التعليم المصرى لأن تلك التيارات ستتدخل فى الجوانب التى تشكل بناء الانسان والثقافة والتعليم والابداع وكافة الفنون، لابد أن يكون التعليم حياديا ويراعى مصالح الامة. ويضيف د. سكران أعتقد أن د. حسين كامل بهاء الدين كان وزيرا استثنائيا فى تاريخ التعليم المصرى لأنه وضع خطة استراتيجية لتطوير التعليم شارك فيها 30 خبيراً تعليمياً بمصر ووضع المعايير القومية للتعليم المصرى لكن لم يستطع تنفيذها بسبب الفساد السياسى وكان يعانى من مسئولين تغيب عنهم الرؤية يسعون إلى القضاء على مشروعه الطموح لكنه استطاع تحويل وزارة التربية والتعليم إلى مؤسسة أكاديمية بها 180 أستاذ جامعة. أما د. فتحى سرور فكان نقطة سوداء فى تاريخ التعليم المصرى وأتذكر أنه أطلق على مؤتمر تعليمى أقيم عام 1986 «أمة لها مستقبل عن طريق التعليم» وفى نفس اليوم أطلق ريجان تقريراً عن التعليم الأمريكى عنوانه «أمة فى خطر» رغم التقدم الأمريكى الهائل وهو يعكس الفارق فى العقلية. ويرى د. سكران أن من أهم أخطاء د. فتحى سرور أيضا أنه عيَّن جملة مستشارين ومع ذلك لم يتحقق التقدم المنشود بل قام بإلغاء الصف السادس الابتدائى كما قيل وقتها ليوفر 87 مليون جنيه، وهو ما لم يتحقق حيث تم توفير 13 مليون جنيه فقط، ورغم حملات المعارضة الشديدة ضد قرار سرور فإنه لم يستمع لأحد ونفذ ما فى رأسه، أما د. يسرى الجمل فهو رجل طيب اعتمد على انجازات د. حسين كامل بهاء الدين فى المشروع القومى للتعليم ولكن لم يكن لديه القدرة على تنفيذ هذه الاستراتيجية، أما د. أحمد جمال موسى فقد عيَّن أبناء المنصورة فى الوزراة فقط فى المدتين اللتين جاء فيهما وزيرا، أما د. أحمد زكى بدر فحول وزارة التربية والتعليم إلى وزارة للشرطة حتى الوزير الحالى لم تتضح رؤيته بعد، وأعتقد ان أفضل وزير تربية وتعليم على الاطلاق هو د. إسماعيل القبانى والذى كان وزيرا للتعليم قبل عام 1952. مشيراً إلى أن مصر حاليا تحتاج إلى رؤية واستراتيجية جديدة لتطوير التعليم بعيدا عن التيارات الدينية المتشددة التى لا تأخذ فى اعتبارها مبادئ الدولة المدنية. ومن جانبه يرى د. فاروق اسماعيل رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب سابقا أن نظام التعليم فى مصر حاليا نظام وزير وليس دولة لأن كل وزير تربية وتعليم جديد يتولى الوزارة يريد تحقيق انجاز من وجهة نظره وأول ما يستعرض به ليثبت أقدامه هو نظام الثانوية العامة إما بمد المرحلة إلى سنتين وإما قصرها إلى عام واحد وإما يقوم بعمل نظام شامل للثانوية العامة وإما يلغى فصولاً دراسية بها، وهذا كله خطأ، لأن مراحل التعليم عملية كاملة متكاملة تشمل أنواع مراحل التعليم بداية من الحضانة حتى درجة الدكتوراه مرورا بالتعليم النظامى والمفتوح والفنى والعالى وهذا يتطلب استقرار استراتيجية دائمة للتعليم لا تتغير بتغير الوزير ويستطيع هو تنفيذ القرارات التنفيذية ويصلح السلبيات ويطبق الايجابيات بحيث يأتى لتطبيق سياسات التعليم المتفق عليها وفقا لرؤية الدولة ولا يكون له نظام جديد. ويضيف د. إسماعيل لابد من تعيين وكيل أول دائم لوزارة التربية والتعليم وليس مستشارا كما هو متبع حاليا يوكل لهذا الوكيل أمور هذه الاستراتيجية، وبالتالى فلا يتغير بتغيرالوزير. واقترح عمر مرسى مدرس الفلسفة بمدرسة السيدة نفيسة الالكترونية بالسيدة زينب، إنشاء هيئة مستقلة برئاسة رئيس الوزراء تتكون من وزير التربية والتعليم وشخصيات من المجتمع المدنى المهتمة بالتعليم ورؤساء الجامعات، وتكون مسئولة عن وضع السياسات التعليمية ومراقبتها، على أن تقتصر مهمة الوزارة على المتابعة والتنفيذ فقط، وبهذا لن يستطيع أى وزير جديد تغيير سياسات وقرارات الوزير الذى يسبقه. وقال سعد مهلل مدرس اللغة العربية بمدرسة جناكليس الثانوية بالإسكندرية، إن سبب البلبلة فى اتخاذ القرارات التعليمية فى مصر هو عدم وجود سياسة لوضع الخطط المستقبلية، وعدم قيام الوزراء أو المحافظين بأخذ المشورة قبل اتخاذ أى قرار، ودلل مهلل على ذلك بالارتباك الذى حدث فى العديد من المحافظات لتحديد جداول الامتحانات وطالب وزير التعليم باستشارة قيادات الصف الثانى بالوزارة قبل أن يصدر أى قرار، بالإضافة إلى الاستماع إلى آراء الجهات التشريعية، بينما انتقد علاء الدين حامد مدرس الجغرافيا بمدرسة السنية الثانوية بالسيدة زينب قيام، كل وزير بإلغاء قرارات الوزير الذى يسبقه، كونه ليست سياسة فرد بل سياسة وزارة بأكملها، مشيراً إلى أن أى وزير لابد أن يكمل ما بدأه سابقه، إلا فى حالة أن يثبت فشل مشروع معيّن قد بدأ فيه، ولكن بشرط أن يعلن ذلك صراحة. ويرى د. سامى نصار عميد معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة أن سبب انهيار التعليم المصرى يرجع إلى عدم وجود سياسة ثابتة لا تتغير بتغير الوزير. وقال المشكلة تكمن فى أن كل وزير تعليم لا يبنى على ما قبله بل يقوم بعمل سياسة جديدة والدليل على ذلك ما قام به وزير التعليم الحالى حيث صرح بأنه ينوى تغيير نظام الثانوية العامة إلى عام واحد كل هذه التغيرات جعلت التعليم المصرى لا يتقدم وأثرت علي مستواه جدا لأن التواصل انقطع الكل يجتهد لكن يخطىء، ويضيف د. نصار رغم وجود مجلس أعلى للتعليم قبل الجامعى ومجلس أعلى للجامعات فإنها لا تؤدى دورها وأصبح دورها مقتصراً على تمرير سياسات الحكومة أو الوزراء كما أن اختصاصات هذه المجالس لا تمكنها من تنفيذ القرارت ولا استطيع أن أقول إن وزراء التعليم السابقين ارتكبوا اخطاء عن طريق العمد هم فقط حاولوا الاجتهاد لكنهم أخطأوا.