خلط كبير أصاب الوسط السياسى والإعلامى يتجسد فى حالة التداخل غير المقصودة بين كل من اتفاقية «كامب ديفيد» الموقعة فى 1978 ومعاهدة السلام الموقعة فى 1979، حيث كثرت الأحاديث الصحفية والتحليلات السياسية التى تتناول بالتحليل والنقد هذه المحطات المهمة فى العلاقات المصرية – الإسرائيلية، فلقد دأب البعض على استخدام عبارة إلغاء اتفاقيات «كامب ديفيد» أو تعديلها عند الحديث عن الموقف المطلوب اتخاذه من إسرائيل رداً على جريمة قتل الجنود المصريين، هذا فى حين أن هذا البعض الذى يشيع الاستخدامات الخاطئة يقصد فى حقيقة الأمر معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، لكونها القابلة للتعديل أو الإلغاء. د. إبراهيم البحراوى أستاذ الدراسات العبرية بكلية آداب جامعة عين شمس فى محاولة منه لإزالة هذا اللبس، أكد أن هناك فرقاً واضحاً بين الاتفاقيات والمعاهدة، فالاتفاقيات وقعت عام 1978، فيما ابرمت المعاهدة عام 1979، موضحا ان الاختلاف بين المسميين من حيث الموضوع، يتمثل فى أن اتفاقيات «كامب ديفيد» تتكون من اتفاقيتين: الأولى تحمل عنوان «إطار السلام فى الشرق الأوسط»، والثانية تحمل عنوان «إطار الاتفاق لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل»، وأن العنوانين يدلان على أن اتفاقيتى «كامب ديفيد» هما اتفاقيتا إطار تحددان المبادئ العامة والرئيسية التى تحكم معاهدات السلام. وقال د. البحراوى إنه إذا ما طالعنا الاتفاقية الأولى نجد أن الديباجة تحدد المدة، التى اجتمع فيها الرئيس كارتر والرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن فى منتجع كامب ديفيد وهى الفترة من 5 إلى 17 سبتمبر 1978، ثم يأتى الإطار الذى اتفقوا عليه ودعوتهم أطراف النزاع العربى الإسرائيلى الأخرى للانضمام إليه، موضحا أن أهم المبادئ التى يجب الاسترشاد بها فى جهود البحث عن السلام المبنية على الاتفاقية هو أن القاعدة المتفق عليها للتسوية السلمية للنزاع بين إسرائيل وجيرانها هى قرار مجلس الأمن رقم 242 بكل أجزائه. وأضاف أنه تم إرفاق القرارين 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن عامى 1967 و1973 بالاتفاقية وهما يقران مبدأ عدم جواز استيلاء إسرائيل على أرض العرب بطريق القوة ومبدأ ضرورة اعتراف العرب بوجود دولة إسرائيل داخل حدود آمنة ومعترف بها، لافتا إلى أن هذه الاتفاقية تقر مبدأ إجراء مفاوضات فى المستقبل بين إسرائيل وأى دولة مجاورة مستعدة للتفاوض بشأن السلام كشرط لتنفيذ بنود ومبادئ قرارى مجلس الأمن المذكورين. كما تنص الاتفاقية، وفقا للدكتور البحراوى، على أن السلام يتطب احترام السيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسى لكل دولة وحقها فى العيش فى سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، وأن التقدم فى هذا الاتجاه يمكن أن يسرع بالتحرك نحو عصر جديد من التصالح فى الشرق الأوسط، يتسم بالتعاون على تنمية التطور الاقتصادى، والحفاظ على الاستقرار والأمن. وأشار إلى أنه بعد تحديد الاتفاقية للإطار العام انتقلت إلى وضع المبادئ، التى تم الاتفاق عليها لحل المشكلة الفلسطينية على ثلاث مراحل، أولها، نقل السلطة إلى الفلسطينيين فى الضفة وغزة، لإقامة سلطة حكم ذاتى لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، وثانيها، يجرى فيها التفاوض على الوضع النهائى للضفة وغزة، على أن يعترف الحل الناتج عن المفاوضات بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وثالثها، فهى مرحلة تنفيذ الاتفاق النهائى. وأوضح د. البحراوى أن اتفاقية كامب ديفيد الأولى قد سقطت بالفعل، ولم يعد لها وجود، نظراً لعدم التوصل إلى أى نتائج فى المفاوضات بين مصر وإسرائيل حول المرحلة الأولى منها، وبالتالى فليس هناك أى معنى لاستخدام مصطلح إلغاء أو تعديل اتفاقيات كامب ديفيد عام 2011 بالنسبة لهذه الاتفاقية، لافتا إلى أن الاتفاقية الثانية تنص فى السطر الأول على موافقة مصر وإسرائيل على التفاوض بنية صادقة، بهدف التوصل إلى معاهدة سلام بينهما خلال 3 أشهر من تاريخ التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد فى 17 سبتمبر 1978، فضلا عن تطبيق كل مبادئ قرار الأممالمتحدة رقم 242 فى حل النزاع، وتنفيذ المعاهدة التى سيجرى التوصل إليها فى فترة بين عامين و3 أعوام من تاريخ توقيعها. كما تنص الاتفاقية الثانية، والكلام للدكتور البحراوى، على المسائل التى اتفق عليها الطرفان، وهى، ممارسة مصر سيادتها كاملة على المنطقة، التى تمتد إلى الحدود المعترف بها دوليا بين مصر وفلسطين، فى فترة الانتداب، وانسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من سيناء، وأخيرا، حرية مرور السفن الإسرائيلية فى خليج السويس وقناة السويس، لتنتقل بعد ذلك إلى أوضاع القوات المصرية والإسرائيلية على جانبى الحدود، ووضع القوات التابعة للأمم المتحدة، ثم تنتقل الاتفاقية إلى الحديث عن الانسحاب المرحلى بعد توقيع المعاهدة، وإقامة علاقات طبيعية بعد الانسحاب. ولذلك فإن الواضح جليا أن اتفاقية «كامب ديفيد» الثانية هى بمثابة اتفاق إطار يمهد للتفاوض على معاهدة السلام والتوقيع عليها فقط، وهذا ما تم بالفعل فى 26 مارس 1979، ومنذ ذلك الوقت أصبحت المعاهدة المرجع المنظم للعلاقات والالتزامات المتبادلة ووسائل حل الخلافات بين مصر وإسرائيل، وبالتالى فإن على كل من يريد البحث فى التعديل أو الإلغاء أن يتحدث عن معاهدة السلام، وأن يرجع إلى بنودها. وخلص د. البحراوى إلى أن هذه المعاهدة تنظم كيفية تعديل وضع القوات، وهو الموضوع المسيطر على الأذهان الآن، حيث يرد فى الفقرة الرابعة من المادة الرابعة أنه تتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر فى ترتيبات الأمن، كما أن المادة السابعة من المعاهدة تنظم كيفية حل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة، وذلك من خلال طريق المفاوضة، فإذا لم يتيسر حل الخلافات بالمفاوضة، فإنها تحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم.