هل يكون قرار وقف تصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل بمثابة الوفاة لمعاهدة السلام؟ ولماذا يصر الجانب الإسرائيلى على الربط غير المنطقى - بين قرار تجارى بحت أقدمت عليه الحكومة المصرية لحماية المصالح القومية وهو وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل واستمرار العمل بمعاهدة السلام؟ فليس اليوم كمثله قبل 33 عاماً عندما وقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل، لتنتقل على أثرها الأخيرة من خانة العدو التاريخى إلى خانة المُعاهد.. ولم تكن المعاهدةإلا الخطوة الأخيرة لمشوار بدأه الرئيس السادات بخطوة زلزالية حين أعلن على الملأ أنه على استعداد للذهاب إلى الإسرائيليين فى عقر دارهم لينهى صراعا وميراثا للكراهية كان ممتدا لسنوات طويلة قبل ذلك ربما حتى قبل إعلان الكيان الصهيونى لدولته فى فلسطين عام 1948.. وبالفعل ترجم السادات إعلانه إلى واقع ومشروع عمل انتهى بتوقيع اتفاقيتى كامب ديفيد ومعاهدة السلام.منذ توقيع المعاهدة وإلى اليوم تراوحت الرؤى والطروحات ليس فقط حول الاتفاقات التجارية والاقتصادية.. والأمنية التى أبرمها الطرفان فيما بعد ومنها اتفاقية تصدير الغاز، ولكن حول مشروع السلام الرسمى البارد، الذى أقصى مصر عن دائرة الصراع، وترك فراغا استراتيجيا كبيرا فى المنطقة أتاح لإسرائيل التحرك خلاله وتنفيذ مخططاتها وأجنداتها فى المنطقة برعاية الغرب الأمريكى والأوروبى، وغباء الحكام الديكتاتوريين العرب حتى وصلنا إلى الوضع الراهن ما بعد الربيع العربى لترث الشعوب العربية تركة الحكام الذين سقطوا والذين فى طريقهم إلى السقوط يحدوها أمل أن يأتى من يصلح الأخطاء والخطايا التى وقعوا فيها من قبل وأبرزها معاهدة السلام وبنودها وترتيباتها واستحقاقاتها على الجانبين المصرى والإسرائيلى التى تنتقص حق مصر فى بسط سيادتها العسكرية والأمنية على سيناء. فى البداية يقول السفير حسن عيسى المدير السابق لإدارة إسرائيل بوزارة الخارجية: إن الربط بين وقف تصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل والعمل بمعاهدة السلام أمر لا يجوز، لأن اتفاقية الغاز تدخل جزئيًا ضمن التعاقدات التجارية الثنائية بين الشركات المصرية والإسرائيلية، كما أنها تدخل فى إطار عمليات الفساد التى كانت منتشرة قبل ثورة 25 يناير، وأن اتفاقية الغاز لم تكن موقعة بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية، بل بين شركة شرق البحر الأبيض المتوسط التى يملكها رجل الأعمال الهارب حسين سالم وشركة إسرائيلية مملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلى يوسى ميلسمان، وبالتالى لا علاقة مباشرة للحكومة بها. وأضاف أن اتفاقية البترول بين الجانبين ترجع إلى أن مصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد ملتزمة بتوريد كمية من بترول خليج السويس.. والذى كانت تستهلكه إسرائيل قبل توقيع المعاهدة.. لكن الاتفاق بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية نص على أن إسرائيل تسدد ثمن هذا البترول بالأسعار العالمية.. وقد سددت إسرائيل ثمن البترول، وذلك طبقا لتقلبات الأسعار. ويرى حسن عيسى أنه فى المرحلة الحالية يمكن أن تطلب مصر تعديل المعاهدة بما يتماشى مع المصلحة المصرية، فإذا رفضت إسرائيل فإنه يمكن اللجوء إلى الطرق القانونية، ومنها التحكيم مثلما حدث فى قضية طابا ويمكن اللجوء إلى نفس الطريق إذا ما رفضت إسرائيل تعديل أى بنود فى الاتفاقية. ويؤكد أن مصر بعد حرب أكتوبر كان موقفها واضحًا ومحافظًا على الحقوق المصرية.. وبالتالى أرجو أن يكف المشككون فى مكانة مصر عن إطلاق مثل هذه الادعاءات التى لا يقصد منها إلا المساس بهذه المكانة!.. كالادعاء بأن سيادة مصر على سيناء منقوصة، وأن سيناء منزوعة السلاح، أو أن مصر لا تسيطر على شبه جزيرة سيناء، أو أن موقف مصر العسكرى فى سيناء ضعيف.. وكل هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة. قرار سياسى د. حازم عتلم أستاذ القانون الدولى بجامعة عين شمس يختلف مع السفير حسن عيسى، إذ أشار إلى أن هناك قطاعًا كبيرًا من سيناء منزوع السلاح.. وبالتالى فالأمن القومى المصرى مهدد.. والدليل على ذلك فإنه على مسافة 3 كيلو مترات من الحدود المصرية الإسرائيلية توجد قوات إسرائيلية غير محددة العدد، وبكامل تسليحها وعتادها والمنطقة المصرية (ج) التى أمامها لا توجد بها قوات مصرية فاعلة لعمق 30 كيلو مترًا داخل الحدود المصرية.. بالإضافة إلى وجود قوات متعددة الجنسيات فى الجانب المصرى بهدف مراقبة مصر حتى لا تدخل أسلحة أو قوات فى هذه المنطقة.. بينما فى الجانب الإسرائيلى لا توجد قوات متعددة الجنسيات تراقب أوضاع القوات الإسرائيلية، وكان من المفروض أن تكون هذه القوات من الأممالمتحدة، وليست متعددة الجنسيات كما نصت الاتفاقية. وأوضح أن المعاهدة المصرية الإسرائيلية شأنها شأن أية معاهدة دولية.. يمكن للأطراف أن تتفاوض فيما بينها لإعادة النظر فيها وتعديلها وفقًا للمستجدات التى تطرأ.. حتى تساير الأوضاع المستحدثة، خاصة بعد مرور أكثر من 30 عامًا على سريانها.. وتتضمن نصوص المعاهدة إمكانية إعادة النظر فيها إذا استجدت ظروف جديدة، وذلك طبقًا لقاعدة تغير الظروف. ولفت د. عتلم إلى أنه لا علاقة لاتفاقيات البترول والغاز والكويز بمعاهدة السلام مع إسرائيل.. والملحق الاقتصادى بالمعاهدة لا يلزم مصر صراحة بضخ البترول لإسرائيل على المدى الطويل، كما أن الجانب المصرى لا يقوم بالتصدير إليها إلا إذا كان لديه فائض، أما إذا كان الاستهلاك المحلى يحتاج لهذا الفائض، فإن من المنطقى التوقف عن العمل بالملحق الاقتصادى الذى تشمله الاتفاقية، مؤكدا أن تصدير البترول كان قرارًا سياسيًا اتخذه الرئيس السابق مبارك، وهو الذى قام بتصدير البترول والغاز، وهذا القرار كان مجحفًا للغاية لمصر.. ولا أساس قانونيًا له على مستوى الاتفاقيات الدولية. وبعد ثورة 25 يناير يمكن لمصر - كما يقول عتلم - أن تجبر إسرائيل على التفاوض من أجل تعديل بنود المعاهدة، وأن يكون التفاوض على أساس التكافؤ طبقًا لمقررات القانون الدولى، وإذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، يمكن الاتجاه إلى التحكيم الدولى.. والذى يتطلب الموافقة المسبقة لطرفى التفاوض. الكويز والمجلس! ومن جانبه، يرى عريان نصيف عضو المكتب السياسى لحزب التجمع أن زيارة الرئيس الراحل السادات إلى إسرائيل أحدثت تغييرًا جذريًا فى السياسة المصرية. وأضاف نحن مع السلام وكل إنسان عاقل يريد السلام، ولكن ما حدث ويحدث فى المنطقة يدخل تحت مسمى الاستسلام وليس السلام!! فالسلام يعنى الندية فى العلاقة بين الطرفين. وبالنسبة لاتفاقية كامب ديفيد فقد أهدرت الكثير من الثوابت الوطنية والقومية، ولا يعنينى إذا كانت بالاتفاقية بنود سرية أو علنية فأنا كمواطن مصرى حوكمت وسجنت فى قضية سياسية بسبب مهاجمتى للكيان الصهيونى لأنه ارتكب جرائم عنصرية وإجرامية فى حق الشعب الفلسطينى والشعوب العربية بصفة عامة. وأضاف: بالنسبة لاتفاقيتى البترول والغاز فإنهما يلزمان مصر بتقديم البترول بسعر تفضيلى لاسرائيل.. ومن العجيب أن معاهدة السلام لا تشير إطلاقا إلى تصدير الغاز لإسرائيل ، وعلى ذلك فإن صفقات تصدير الغاز ليس وراءها سوى الفساد والتربح، حتى ولو على حساب الوطن والمواطنين، مشيراً إلى ان القضاء المصرى أعطى لرجال النظام السابق الفرصة ليتخلصوا إذا أرادوا من هذه الصفقات الرديئة، ولكنهم فى سبيل الحصول على المليارات تمسكوا بها ونسبوها زورًا إلى معاهدة السلام. وأكد د. وجيه عفيفى رئيس المركز العربى للدراسات الاستراتيجية أن القانون الدولى يسمح لمصر بإجراء تعديلات على اتفاقية كامب ديفيد من شأنها أن تحقيق الأمن القومى للبلاد، بعد الأحداث المؤسفة التى وقعت على الحدود، وأدت إلى استشهاد 6 جنود مصريين، كما أن هناك خطرًا كبيرًا يهدد البلاد من الناحية الشرقية، وهذا الخطر سببه أن النظام البائد الذى استمر لمدة 30 عاماً لم يستجب لتنمية سيناء، ولذلك فلابد من البدء فوراًبتنفيذ الخطط الخاصة بتعمير سيناء لنحقق التوازن الايكولوجى (توازن السكان) وندفع ملايين الشباب للتوجه إلى سيناء وتوزيع الأراضى عليهم بالمجان بما يسمح لهم بحياة كريمة دون تعقيدات إدارية، بالإضافة إلى أنه يجب ان تكون هناك نظرة إيجابية تحقق الأمن القومى، وذلك لن يتأتى إلا بزيادة حجم القوات المسلحة المصرية، وعدم الاستجابة لشروط تعسفية تتنافى مع مبادئ القانون الدولى. وبالنسبة لاتفاقية الغاز، وفقا للدكتور عفيفى، فقد انكشفت المؤامرة بعد ثورة 25 يناير واتضح أن المؤامرة نفذت بواسطة الهارب حسين سالم الذى كان يحظى بعلاقة قوية مع الرئيس المخلوع مبارك، وتم إنشاء العديد من الشركات بالاشتراك مع رجال أعمال إسرائيل لتوريد الغاز المصرى إلى إسرائيل وباعوا الغاز بسعر متدن للغاية.. وخسرت مصر ملايين الدولارات، هذه الخسارة اقتطعت من قوت هذا الشعب الفقير.. والذى يعانى من الفقر والمرض والبطالة وغالبيته العظمى تحت خط الفقر.. وليس خافيا أن مصر كان لها الكثير من العلاقات مع الجانب الإسرائيلى.. وتسببت هذه العلاقات فى استيراد السلع المسرطنة، الأمر الذى أدى إلى انتشار السرطان والفشل الكلوى بين الكثير من المصريين، وقد آن الأوان لتصحيح كل هذا الخلل فيما يرتبط باتفاقية الغاز، والتفاوض للوصول إلى تعديل سعر بيع الغاز ليصل إلى المستوى العادل، حتى لا يحُرم الشعب المصرى من ثرواته وموارده الطبيعية خاصة أننا نعانى من نقص الغاز المخصص للاستهلاك المحلى!! أسس المفاوضات فيما حدد السفير إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية الأسس الحاكمة لمفاوضات السلام مع الجانب الإسرائيلي، التى كانت فى وقتها تحقق كل المصلحة للجانب المصري، وبالتالى تمثلت هذه الأسس فى ضرورة الانسحاب الإسرائيلى الكامل حتى حدود مصر الدولية، وأرست المعاهدة هذه السابقة المهمة لتطبق على جميع الجبهات بعد ذلك، وتفكيك وتصفية المستوطنات فى سيناء، واستئناف ممارسة السيادة المصرية على أية منطقة يتم الانسحاب منها، واستعادة كل موارد الثروة فى سيناء. وأوضح أن هذه المفاوضات نجحت فى خلق حالة من الارتباط العضوى بين معاهدة السلام والحل الشامل على كل الجبهات، حيث نصت معاهدة السلام على أنها خطوة فى سبيل الحل الشامل، وتم توقيع اتفاق بين مصر وإسرائيل على بدء مفاوضات الحكم الذاتى للفلسطينيين، وذلك فى نفس اللحظة التى تم فيها التوقيع على المعاهدة، فضلا عن أن هذه المفاوضات ارتكنت إلى عدم المساس بالتزامات مصر العربية، ولا توجد أى دعاوى بأن للمعاهدة أولوية على المعاهدات والاتفاقات الأخرى، وتطبق الأطراف فيما بينها أحكام ميثاق الأممالمتحدة ومبادئ القانون الدولى. وأضاف أن المعاهدة تؤصل لمبدأ مهم وهو أن إقامة العلاقات تأتى بالتوازى مع تنفيذ الأحكام الأخرى من المعاهدة، إضافة إلى أن المعاهدة لا تعطى أى ميزة تفضيلية لإسرائيل، ومبيعات البترول فى إطار المبيعات التجارية وبنفس شروط العطاءات الأخرى وبعد استيفاء مصر لحاجاتها من البترول، لافتا إلى أن ترتيبات الأمن فى سيناء تقوم على أساس متبادل، وهى مؤقتة، وقابلة لإعادة النظر فى أى وقت، ويلتزم الطرف الآخر بالدخول فى مفاوضات لإعادة النظر فى هذه الترتيبات خلال ثلاثة أشهر من طلب أى طرف. وكشف مساعد وزير الخارجية الأسبق أن المعاهدة ارتكنت ايضا إلى أساس مهم وهو ضرورة اللجوء إلى الطرق السلمية كالمفاوضات أو التوفيق أو التحكيم لحل الخلافات، وأنه بالفعل تم إعمال مبدأ التحكيم فيما يتعلق بمشكلة «طابا»، التى استطاعت مصر ممارسة سيادتها الكاملة عليها بعد قرار التحكيم، كما تم الاتفاق على إنشاء لجنة تعويضات ويمكن تحريك هذا المبدأ فى أى وقت، فضلا عن أن مصر رفضت بشدة الضمانات الإضافية التى قدمتها الولاياتالمتحدة لإسرائيل خارج نطاق المعاهدة، واعتبرتها كأن لم تكن وانتقدت بشدة إقدام الولاياتالمتحدة على تقديم هذه الضمانات لإسرائيل، ورفضت مصر عرضا أمريكيا بتقديم نفس الضمانات لمصر. استقلال القرار المصرى أما د. عماد جاد رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فيرى أن الحديث عما أثير مؤخرا حول ضرورة إعادة النظر فى معاهدة السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل لابد أن يأتى فى سياق العلاقات المصرية – الإسرائيلية قبل الثورة، مشيرا إلى أن نجاح ثورة 25 يناير كان بمثابة الصدمة القوية للجانب الإسرائيلى، وأصابت الجهاز العصبى لإسرائيل بالاضطراب، لأن نجاح الثورة يعنى انهيار أحد أركان النظام الإقليمى، الذى تمارس إسرائيل عليه الهيمنة. وقال جاد إن تشكل نظام جديد فى مصر يعنى إعادة فتح ملف العلاقات المصرية– الإسرائيلية وبالتالى إعادة النظر فى بعض الاتفاقات القائمة بين البلدين، مثل اتفاقية تصدير الغاز، والذى تحصل الأخيرة بموجبها على نحو 40% من احتياجاتها من الغاز، إضافة إلى اتفاق الكويز الموقع بين البلدين عام 2005، والذى ينص على وجود مكون إسرائيلى فى منتجات النسيج المصرية حتى تدخل الأراضى الأمريكية دون جمارك. وأضاف أن التخوف الإسرائيلى لم يكن نابعا –كما يظن البعض- من إمكانية إقدام أى نظام جديد فى مصر على إلغاء معاهدة السلام، بل نابعا من تخوفها على إلغاء اتفاقيات الغاز والكويز وإخواتها، فضلا عن حدوث تغير فى النهج المصرى تجاه إسرائيل والفلسطينيين وحركة حماس، ومن ثم فالتقدير الإسرائيلى هو أن أى نظام جديد فى مصر سيتبع سياسة جديدة تتسم بدرجة عالية من الاستقلالية، وتنطلق بالأساس من تقدير مصالح مصر القومية أو تضع هذه المصالح فى المقدمة، الأمر الذى سيؤدى إلى تغييرات جوهرية فى السياسة المصرية الخارجية على حساب العلاقة التقليدية مع إسرائيل.