تأتي الذكري الثانية والثلاثون لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي وقعت يوم 26 مارس 1979في ظل أجواء جديدة تماما في مصر والعالم العربي. جاءت الذكري بعد الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك بمثابة صدمة لإسرائيل، وأثارت مخاوف عميقة من الآثار السلبية الهائلة ذات البعد الاستراتيجي للثورة عليها وعلي مصالحها. ولعل أكثر ما يقلق إسرائيل وقياداتها هو مستقبل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والتي اعتبرتها أكبر هدية قدمتها واشنطن لإسرائيل بعد هدية قرار التقسيم وإعلان نشأة إسرائيل، فقرار التقسيم خلق إسرائيل من العدم، واتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام أكدت هيمنة المشروع الصهيوني، وفتحت آفاقا رحبة لازدهاره بعد أن ضمنت تحييد مصر في حسابات القوة عموماً وليس فقط في ميزان الصراع العربي الإسرائيلي، وقد عبر عن ذلك موشي ديان، وزير خارجية إسرائيل آنذاك، بقوله: «إذا تم رفع العجلات، فلن تسير العربة». فبخروج مصر من معادلة المواجهة مع إسرائيل وتهميشها عسكريا واقتصاديا وإقليميا لن يكون هناك تكتل عربي للوقوف أمام إسرائيل أو الحد من حرية حركتها. وتدرك إسرائيل أن هذه الاتفاقية الموقعة بين مصر وإسرائيل كانت اتفاقية مع رئيس مصر السادات ومن بعده مبارك ولم تكن مع الشعب المصري الذي لم يتجاوب معها لما تتضمنته من بنود مجحفة لمصر، ورفض التطبيع مع إسرائيل طوال ما يزيد علي ثلاثين عاما. ورغم إعلان المجلس العسكري الأعلي في مصر التزامه بكل الاتفاقيات الدولية المبرمة والذي رأت فيه إسرائيل تلميحاً بصيانة معاهدة السلام معها، فإنها تخشي تحول مصر إلي دولة ديمقراطية مدنية وأن تنتهج سياسات وطنية تعيدها مرة أخري لتتبوأ مكانتها الإقليمية والعالمية وما قد يشمل ذلك من نقض لاتفاقية السلام مع إسرائيل وخروج مصر من دائرة المصالح الأمريكية والإسرائيلية التي طالما خضعت لها منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، بل إن إسرائيل قد بدأت بالفعل في إعادة النظر في إستراتيجيتها العسكرية مما قد يضطرها إلي إعادة انتشار قواتها باتجاه الجبهة الجنوبية الشاسعة مترامية الأطراف وما يتطلب ذلك من تخصيص موارد مالية وبشرية ستمثل أعباء جديدة وثقيلة علي إسرائيل. السيادة المنقوصة وإذا كان هناك من ينادي بإلغاء الاتفاقية الآن خاصة في ضوء بروز مأزق السيادة المنقوصة لمصر في معضلة ضبط حدودها الشرقية منذ تفجيرات طابا عام 2004 وصبغة التوتر التي ميزت المنطقة الحدودية نظرا لحصار إسرائيل اللإنساني لقطاع غزة وعدوانها المتكرر عليه، وأيضا في ضوء ما أعلنته إسرائيل أكثر من مرة أنها يمكنها إعادة احتلال سيناء في أي وقت"، فهناك آخرون يرون أن مصر غير مستعدة حاليا للدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية في ظل أوضاعها الراهنة وإعادة ترتيب البيت من الداخل. ولكن إذا كانت هناك إرادة حقيقية للتحرر من قيود كامب ديفيد فهناك الكثير الذي يمكن عمله ولو علي المدي القريب المرحلي دون إعلان إلغاء المعاهدة صراحة. أولا، تنص المادة الرابعة للاتفاقية علي أنه بناءً علي طلب أحد الطرفين يمكن إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1 و3 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين. فيمكن أن تطالب مصر بزيادة حجم القوات وأسلحتها في بعض مناطق سيناء، بما يسمح بالسيطرة وتأمين الحدود بشكل أكبر، وبما تفرضه المصلحة القومية في ضوء تغير المعطيات الأمنية والإستراتيجية. وكانت مصر وإسرائيل قد وقعتا اتفاقاً عام 2005 لتأمين خروج إسرائيل من غزة، وافقت إسرائيل بموجبه علي السماح بزيادة عدد حرس الحدود المصري الي 750 فردا (مصر طلبت 2500)، مهمتهم تأمين ممر صلاح الدين الذي يفصل بين رفح مصر وغزة، ومنع التسلل وتهريب الأسلحة والأنفاق. وقد حرصت إسرائيل علي أن يكون هذا الاتفاق في إطار "بروتوكول خارج الاتفاق" حيث ترفض دوما أي تعديل في اتفاقية السلام، وتفضل توقيع اتفاق منفصل، وذلك لهدف واضح هو عدم إعطاء مصر فرصة مستقبلاً لطلب تغيير الاتفاقية ، ويحرصون بالمقابل علي أن يكون التغيير أو نشر قوات أمن أكبر ضمن "اتفاق خاص" لا يمس اتفاق السلام بين الطرفين. ومما يذكر أن هذا الاتفاق لم يعرض علي مجلس الشعب المصري. «ويمكن لمصر إذا رفضت إسرائيل إعادة النظر في الترتيبات الأمنية أن تلجأ إلي المادة السابعة بشأن اللجوء إلي التحكيم إذا تعثر حل الخلافات عن طريق المفاوضة كما حدث مع قضية طابا». التعويض عن البترول ثانيا، تفعيل المواد المسكوت عنها في معاهدة السلام والتي تتعلق بتعويض مصر عن البترول المصري الذي استخرجته إسرائيل في الفترة من 76 إلي 82، وعن تجريف البنية الأساسية بها، وأيضًا عن الآثار التي تمت سرقتها. ويشير الخبراء إلي أنه تم استنزاف 400 مليون برميل من النفط من الحقول المصرية بقيمة إجمالية 2.100 مليار دولار بأسعار 1973، والمادة الثامنة في المعاهدة بخصوص إنشاء «لجنة المطالبات المالية»، تنص علي هذا، ولكن مصر لم تطالب بهذه الحقوق ولم تفّعل المادة، كما تعمدت الحكومة الإسرائيلية المماطلة والمراوغة حتي لا تنعقد هذه اللجنة أبدا ويتواري الموضوع في زوايا النسيان. ولكن يقول خبير القانون الدولي أحمد نجيب رشدي: "إذا كان الموضوع قد دخل في سبات عميق...فإنه مازال حيا من الناحية القانونية ويمكن تحقيقه من الناحية السياسية"، فالقانون الدولي يقيد استغلال المحتل أو انتفاعه بموارد الأرض المحتلة. حلف مبارك إسرائيل وهناك قضايا أخري لا ترتبط بمعاهدة السلام بشكل مباشر يمكن إعادة النظر فيها، فقد قدم نظام مبارك تنازلات شديدة تجاوزت بكثير إطار الاتفاقية إلي الالتزام بأمن إسرائيل وجعل النظام المصري في تحالفٍ كاملٍ مع الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية في قضايا كثيرة يقف الرأيان العام المصري والعربي موقفًا مضادًّا لها، منها تطوير التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل عند توقيع اتفاق المناطق الصناعية المؤهلة المعروف باسم "الكويز" عام 2004 والذي جاء ليمثل خطوة لإدماج الاقتصاد الإسرائيلي في اقتصادات المنطقة وكذلك ليخدم مصالح حفنة من رجال الأعمال المصريين العاملين في قطاع النسيج والمقربين من النظام. ثم اتفاق تصدير الغاز لإسرائيل عام 2005 بأسعار متدنية و لأجل طويل و هو ما يمثل دعما اقتصاديا و سياسيا و استراتيجيا لإسرائيل. كذلك هناك موضوع إغلاق معبر رفح ومشاركة النظام المصري السابق في فرض حصار علي قطاع غزة، وهو الأمر الذي يتنافي مع القانون الدولي إذ يعتبر الحصار سياسة عقاب جماعي يدينها القانون الدولي، ويحرم استخدامها ضد المدنيين، ولذلك لا يتمتع حصار قطاع غزة بأي شرعية قانونية، ويعتبر التعاون في تطبيقه أو منع كسره أو السكوت عليه مخالفاً لمبادئ القانون الدولي وقواعده، ودول الجوار غير الممارسة للاحتلال ملزمة بالإسهام في منع انتهاك حقوق السكان في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال. ومن هنا يمكن لمصر فتح المعبر بشكل منضبط تحت غطاء قانوني دولي إنساني. هناك الكثير الذي يمكن أن تقوم به مصر إزاء معاهدة السلام أو غيرها من الترتيبات بشكل محسوب ومنضبط بما يحفظ أمنها ومصالحها القومية، وعلي إسرائيل أن تدرك أن زمن الشعوب قد بدأ وأن تلك الشعوب لن تقبل بالتنازلات المهينة التي قدمتها النظم العربية لإسرائيل.