ظل التليفزيون المصرى فى مرمى النيران إبان اندلاع ثورة 25 يناير إذ كان منحازاً لنظام مبارك ضد الثوار. وهو ما جعل أغلب المصريين ينصرفون إلى القنوات الخاصة أو العربية التى كان بعضها ينقل معظم الحقيقة، وبعد الثورة وحركة التطهير فى ماسبيرو انتظر المصريون أداء أفضل للتليفزيون الحكومى ينسجم مع روح ثورة 25 يناير التى نادت بالحرية والديمقراطية.وتولى رئاسة التليفزيون مؤخراً عصام الأمير.. الذى بدأ عمله الإعلامى منذ أكثر من ربع قرن حيث بدأ مخرجاً بالقناة الثالثة ثم تدرج فى العديد من المناصب القيادية فى أكثر من قناة بالتليفزيون المصرى حيث تولى إدارة الإعداد والتنفيذ بالقناة الثالثة ثم بالقناة الثانية ثم رئيساً للقناة الثامنة بأسوان ثم عاد من وجه قبلى إلى وجه بحرى ليتولى رئاسة القناة الخامسة بالإسكندرية ثم عيّن رئيساً للقناة الثالثة بالقاهرة الكبرى وبعدها أصبح نائب رئيس التليفزيون ثم معاوناً لوزير الإعلام وأخيراً تولى منصب رئيس التليفزيون. «أكتوبر» التقت بالأمير الذى فتح لنا قلبه وتحدث بصراحة عن كل ما يتعلق بقضايا الإعلام المصرى، وما يمر به من أزمات شديدة، وما هى الخطوط الحمراء المفروضة داخل برامج التليفزيون؟ والشىء الذى يخشى منه على الإعلام المصرى؟ ولماذا تفوقت القنوات الخاصة فى جذب المشاهدين؟! وعدد من القضايا الأخرى المهمة التى سوف نتعرض لها فى سياق الحوار التالى: ? هل اقتحام عدد من الناشطين السياسيين أو نجوم الرياضة مجال الإعلام ظاهرة مقبولة؟ ?? بالطبع لا.. فأنا أرى أن التخصص شىء مطلوب ورائع، أما التداخل الذى نراه الآن فهو الذى يؤدى بالطبع إلى ما نحن فيه من تشتت.. فالإعلامى ينبغى أن يحرص على أدبيات المهنة، فيقوم بتغطية الموضوع من كافة جوانبه دون أن يفرض وجهة نظره الخاصة وإلا ستتحول القنوات إلى مجموعة منابر يقودها الإعلاميون من وجهة نظرهم الخاصة، وهذا يضر بالإعلام أكثر مما يفيد. ? على من تقع مسئولية «تسخين الجماهير» هل على الإعلام الرياضى أم على المشاهدين باعتبار أنهم من يشكلون إعلامهم؟ ?? أرى أن المسئولية تقع فى المقام الأول على القنوات الخاصة التى تفرد مساحات زمنية طويلة لمناقشة تفاصيل صغيرة فى المباريات، ويؤدى كل هذا بعد ذلك إلى تأجيج المشاعر، ثم يأتى فى المقام الثانى مسئولية المشاهدين الذين يقبلون على هذه المحطات وبالذات ألتراس الأندية المختلفة الذين تحولوا إلى مجموعات عنيفة يحملون الكره والبغضاء لبعضهم البعض. ? من وجهة نظرك كيف نرفع من مستوى الإعلاميين؟ ?? أولاً: بعدم فتح الباب لكل من هب ودب للعمل فى الإعلام كما كان يحدث من قبل، وثانياً: مرور المذيع بدورات تدريبية عديدة قبل الظهور على الشاشة وامتهان العمل الإعلامى، وثالثاً: المتابعة المستمرة، وأخيراً: تفعيل مواثيق شرف المهنة ووضعها بوضوح وتركيز لتصبح نصب أعين كل إعلامى. ? هل تغيير القيادات مؤخراً فى التليفزيون كاف لتلبية طموحات المواطن المصرى خاصة شباب الثوار. بمعنى آخر هل كان التغيير فى السياسة الإعلامية أم فى الأشخاص؟ ?? قد يبدو للوهلة الأولى أنه تغيير أشخاص، ولكنى أعتقد أن هؤلاء الأشخاص هم أقرب لسن الشباب، وبالتالى فهم أقرب لروح الشباب والثورة، لذا فهو تغيير قد يكون مقصوداً به توجه معين أقرب للفكر الجديد لشباب الثورة. ? البعض يتهم التليفزيون المصرى، بأنه بوق النظام الحاكم.. فما رأيك؟ ?? أى نظام حاكم؟ من يتهمنى بذلك يأتينى بقناة معينة تدل على صحة اتهامه. ? هل تتوقع أن يتدخل التيار الدينى باعتباره الأغلبية البرلمانية ومن المتوقع أن يشكل الحكومة القادمة فى منظومة العمل الإعلامى كما كان يفعل الحزب الوطنى من قبل؟ ?? نحن كإعلاميين سنرفض ذلك بالطبع، لأنه آن لنا أن ننتهى من ذلك.. فنحن لكل المواطنين ولا صلة لنا بالأقلية أو الأغلبية سنناقش القضايا والموضوعات مع كل أطراف المجتمع وبجميع أحزابه وطوائفه.. ? لماذا نجحت القنوات الخاصة فى جذب المشاهد مقارنة بالفضائيات المصرية؟ ?? لأسباب كثيرة أهمها: أنها تعمل مع نجوم، وتنتج عدداً قليلاً من البرامج، والأهم من ذلك أنها تلعب على وتر الإثارة ونحن شعب عاطفى نحب ذلك وننحاز له. ? ومتى تظهر قناة قوية تنافس القنوات الشهيرة مثل «بى بى سى» و«سى إن إن»؟ ?? قريباً جداً بإذن الله مع بداية النصف الثانى من العام الحالى لأنه بروح الثورة وبإمكانات ستوديو رائع مثل ستوديو (5) نستطيع أن نقدم شيئاً رائعاً. فقط لا ينقصنا إلا أن نضع الأطر والمعايير التى ستقوم عليها القناة. ? يمر التليفزيون المصرى بفترة عصيبة.. فما هى العقبات والتحديات التى تواجهك كمسئول عن هذا الجهاز الضخم؟ ?? العقبات والتحديات كثيرة.. أهمها المطالب الفئوية التى لا تكف عن طلب المزيد رغم الإمكانات المالية المحدودة.. فعدد العاملين داخل اتحاد الإذاعة والتليفزيون تجاوز الأربعين ألفاً بكثير وهذا يشكل عبئاً مادياً كبيراً على ميزانية الاتحاد، لذلك فأنا أطالبهم بأن يتحلوا بالعقل لأنه فى النهاية هذه هى الإمكانات المتاحة، ونحن نحاول بقدر المستطاع أن نصل إلى أقصى درجة لتقليل التفاوت الرهيب فى الأجور لإرضاء الجميع، ولكن ما أطلبه هو ألا يكون ذلك بإشاعة الفوضى والبلبلة داخل المبنى لأن الحزم مطلوب. ? (ظلم - فقر - جهل - بطالة) وأخيراً (بلطجة وقتل).. من المسئول عما نحن فيه الآن؟ وكيف الخروج من هذه الأزمة الطاحنة؟ ?? هذا ليس وليد اليوم.. بل هو ناتج من تراكمات واكبت سنين مضت وتركت الغل والبغضاء والكراهية لتسكن فى نفوس الناس، والآن بعد أن انتزع الفتيل تفجرت براكين الشر والإجرام لنرى ما نراه الآن، وأتساءل: هل الشخص الذى ذهب لاستاد بورسعيد ليزهق هذه الأرواح من الأبرياء مقابل بضعة جنيهات - أيا كانت ظروف هذا الشخص - ألم يسأل نفسه: هل هذه النقود تجعله يرضى أن يقتل أخاه بلا ذنب اقترفه؟ أما عن كيفية الخروج من هذه الأزمة فيجب أولاً وقبل كل شىء أن نطلب من الله أن يتغمدنا برحمته، أما الشىء الثانى فهو سيادة القانون فلابد من تفعيل دور القانون لسد منابع الفساد. ? ما هو الشىء الذى يخشى منه رئيس التليفزيون على الإعلام المصرى؟ ?? ما أقصده هنا يشمل الإعلام العام والخاص، وما أخشاه هو أن يتحول الإعلام ويصبح أداة للهدم بدلاً من أن يصبح أداة لتثقيف الناس وزيادة وعيهم وتفتح مداركهم وقلوبهم. ? ما مدى التطور الذى طرأ على التغطية الميدانية للتليفزيون بعد الثورة؟ ?? لا يوجد شىء الآن على الساحة ولا يغطيها التليفزيون فقد أصبحنا نغطى الأحداث أولاً بأول وبموضوعية وحيادية، ولكن للأسف أصبحنا كلنا مخطوفين ناحية السياسة والأحداث المتلاحقة.. أتمنى أن يعود التليفزيون لأداء دوره ورسالته الإعلامية تجاه كافة المجالات من سياسة وثقافة وفن ومجتمع.. إلخ، بدلاً من أن نظل فى هذا الهم ليل ونهار.. حتى أصبحت عيشة تقرف. ? ما هى مقومات رئيس الجمهورية الذى ستعطيه صوتك؟ ?? أن يكون عادلا، ذا شخصية قوية، متفتحا، مرنا لكل الأفكار والآراء والأهم أن يكون حازما فى نفس الوقت. ? ما الشىء الذى يتمنى رئيس التليفزيون تحقيقه وهو فى منصبه الحالى؟ ? أن يشعر المواطنون بأن التليفزيون تغير عن الماضى، ولو بنسبة 25%، وأتمنى أن نهدأ لنعمل فى هدوء لأن أى شخص منفعل لا يستطيع أن يفعل الصواب، وربنا يوفقنا جميعاً لما فيه الخير لمصرنا الحبيبة.