كتب : حسين سراج .. بالطبع ليس المقصود هو ولاية جورجيا الواقعة فى الجنوب الأمريكى والتى أنجبت جيمى كارتر وشهدت عاصمتها أطلنطا الدورة الأولمبية فى التسعينيات، إنما المقصود هو دولة جورجيا الواقعة فى القوقاز وعاصمتها «تبليسى»، هذه الدولة التى حصلت على استقلالها عام 1991 وتوالى على قيادتها ثلاثة رؤساء هم «زفياد جامسا خورديا» الذى انتخب بأغلبية شعبية، ثم لقى مصرعه إبان حرب أهلية جاءت بالرئيس «إدوارد شيفرنادزه» وعلى الرغم من نجاحه فى بسط الاستقرار فى جورجيا ووضعها على طريق التحول الديمقراطى، فإنه سرعان ما وجهت إليه الاتهامات بتزوير نتائج الانتخابات البرلمانية، الأمر الذى أرغمه على تقديم استقالته إثر اندلاع الثورة الوردية ضده، وفى عام 2003 كان الفوز فى الانتخابات من نصيب الرئيس الجورجى الحالى «ميخائيل ساكاشفيلى» الذى سرعان ما ألقى بنفسه فى أحضان الأمريكان. ولأنه وضع نصب عينيه هدف الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطى «الناتو» سعى إلى تطوير تعاون بلاده الوثيق سياسياً وعسكرياً مع الولاياتالمتحدة، وفى يناير 2009 وقعّت كل من الولاياتالمتحدة وجورجيا فى واشنطن اتفاق شراكة استراتيجياً يتضمن إنشاء مجموعات عمل مشتركة لتوسيع مجالات التعاون بين البلدين لتشمل الدفاع والأمن والاقتصاد والطاقة والاصلاحات الديمقراطية، بالإضافة إلى مجالات التعاون الدبلوماسى والثقافى. وكانت الولاياتالمتحدة قد خصصت 2.5 بليون دولار كمساعدة مالية وعسكرية لجورجيا فى أعقاب الهزيمة التى منيت بها فى الحرب ضد روسيا عام 2008، وهو ما جعل العلاقة تفقد روح الشراكة السياسية وتصبح علاقة دولة تفرض سلطانها على دولة تابعة. وفى أوائل مارس 2011 تم عقد مؤتمر جورجى - أمريكى حول التعاون الثنائى فى المجال الأمنى، وصرح المشاركون فى المؤتمر بأن الأولوية فى التعاون ستكون فى التعليم العسكرى وتحسين أنظمة التحكم الإدارى والاتصالات داخل القوات المسلحة الجورجية. كما أن الولاياتالمتحدة سوف تساعد جورجيا على نشر محطات للرادار، بحيث تغطى كل أراضى الدولة ومن الممكن أن تدخل ضمن نظام الدفاع الصاروخى الأوروبى المشترك، الذى هو بطبيعة الحال يمثل تهديداً للأمن الروسى. ويصر الكونجرس الأمريكى على تطبيع العلاقات الأمريكية الجورجية بحيث تشمل إمدادات الأسلحة، وقد وضع ذلك البند بالفعل فى الميزانية العسكرية للعام 2012. وعلى امتداد السنوات الأخيرة يعمل ساكاشفيلى على ضم بلاده لحلف الناتو وتدعمه الولاياتالمتحدة فى ذلك، لكن عدوان جورجيا المسلح على أوسيتيا الجنوبية فى أغسطس 2008 أجبر قيادة الناتو على تأجيل بحث هذا الموضوع، لأن معنى انضمام جورجيا إلى الناتو فى بداية النزاع هو دفع الولاياتالمتحدة ودول الناتو للمشاركة فى الحرب ضد روسيا. والآن وضعت جورجيا لنفسها هدفاً جديداً وهو الحصول على السلاح الأمريكى، ففى العام الماضى بدأت تبليسى فى بذل كل ما تستطيع لإقناع الولاياتالمتحدة بتزويدها ب «الأسلحة الدفاعية» وبصفة خاصة المضادات الأرضية والأنظمة المضادة للدبابات. والمعروف أن جورجيا بلد فقير والأسلحة الأمريكية مكلفة، فميزانية الدفاع التقريبية لتبليسى فى العام 2011 تبلغ حوالى 370 مليون دولار، تنفق الثلث - 123 مليون دولار - فى شراء المعدات العسكرية الأمريكية فى المقام الأول. ويحاول الأمريكيون عدم إظهار رغبتهم الدفينة فى توسيع نطاق تحكمهم العسكرى باتجاه البحر الأسود ومنطقة القوقاز، وهم بذلك يخفون خططهم وراء ما يسمى بضمان الأمن فى المنطقة وحماية الحكومة الديمقراطية الجديدة «جورجيا» من الجار المعادى فى الشمال! وفى حقيقة الأمر فإن جورجيا بالنسبة لهم مجرد نقطة انطلاق ساحلية وجسر للنفاذ إلى البحر الأسود.