ذهب إلى بلاد المغول.. فاتحاً.. بعد أن قهرهم المصريون قبل قرون.. توقع أن يقابل بالعداء والاستهجان أو التجاهل على أقل تقدير.. نتيجة هذا الميراث الطويل.. الثقيل.. ولكنه فوجئ بترحيب حافل.. حتى أن أحفاد المغول ذبحوا له حصاناً.. تقديراً و تكريماً لأول مصرى يرفع علم بلاده فى منغوليا.. ويحظى بهذا الحب والود.. فى أقاصى الدنيا. إنه أحمد «حجاجوفيتش» أو «ابن بطوطة المصرى».. كما أطلقت عليه.. وأصبح العالم يعرفه باللقب الجديد.. وهو يعتز به.. كما أعتز أنا به.. كابن وكنموذج رائع لشبابنا.. ابن بطولة المصرى يفتح قلبه.. وخزانة أسراره ل «أكتوبر» يكشف لنا تفاصيل رحلته الأخيرة التى زار خلالها روسيا والصين ومنغوليا وهونج كونج.. وهناك قطعها بعد مذبحة بورسعيد احتراماً لدماء الشهداء.. وتقديراً لوطنه الذى يرفع علمه فى كل مكان..يكفى أن نعلم أن أحمد حجاج هو أول مصرى يرفع علم بلاده فى القطبين الجنوبى والشمالى وفى مجاهل سيبيريا حيث البرودة تجاوزت الخمسين درجة تحت الصفر! وهو يخطط لأن يكون أول إنسان يرفع علم بلاده فوق كل دول العالم. ولو تحقق هذا فسوف يدخل الرحالة المغامر التاريخ من أوسع أبوابه.. وربما يتفوق على ابن بطوطة نفسه. ولو عاش ابن بطوطة هذا العصر.. لقدم له كل ألوان التقدير والثناء لأنه خير خلف لخير سلف!! وعندما نقدم فارسنا المغامر لشبابنا.. فإننا نقول لهم:هكذا يكون النضال والكفاح.. ولهذا تكون التضحية من أجل الوطن.. فقد قام حجاجوفيتش بإنجازات رائعة.. يجب أن يقتدى بها أبناؤنا. وهو لم يرفع فقط علم مصر.. بل رفع اسمها وتاريخها.. ورفع الغشاوة عن عقول وقلوب الكثيرين فى أنحاء العالم.. ممن ساهم الإعلام المضلل والتاريخ المزيف فى إفساد عقولهم وتشويه صور مصر لديهم. فأعاد الابن «المقاتل» بناء هذه الصورة.. على أروع ما يكون فى أكثر من 80 دولة و155 مدينة. وكما هو نموذج رائد للشباب.. فإنه مثال يحتذى للكبار.. خاصة السفراء والمبعوثين المصريين.. فى كل المجالات إذا اعتبرنا أن كل مصرى يسافر إلى الخارج.. ولو للزيارة.. فهو سفير لبلده.. يكفى أنه يقوم بهذه الجولات الشاقة المادية والبدنية وحده.. حتى المصور الذى رافقه فى رحلته الأخيرة تحمل أعباءه.. وياليت السفراء يقتدون بالرحالة المغامر. وكما قال له وزير الخارجية محمد كامل عمرو: إن سفراءنا بالخارج يغارون منك يا أحمد!! نعم نحن نريد هذه الغيرة المحمودة التى تبث الحماسة والإخلاص فى قلوب هؤلاء السفراء والمبعوثين وتدفعهم إلى العمل والإبداع.. وكسر الروتين! وللأمانة فإن الرحالة الشاب الجرئ تعتصره الأحزان.. كما يملؤه الحب والامتنان.. الأحزان لما يلقاه من تجاهل الكثيرين فى وطنه.. خاصة وزارة السياحة التى لم تهتم بكل النداءات والاتصالات التى قام بها- وكثيرون معه- رغم أنه يقدم للسياحة أفضل الخدمات وأعظم الإنجازات دون مقابل. وللمرة الثانية فإننى أدعو وزير السياحة منير فخرى عبد النور لمد يد العون للرحالة العملاق.. وفى الحقيقة فإن ابن بطوطة يمد يد العون لمصر.. ولوزارته.. قبل أن يدعم حجاجوفيتش وبحسابات المكسب والخسارة فإنه حقق دعاية لمصر.. لم تحققها وزارات كاملة.. ومسئولون كثيرون!! أما الحب والامتنان والتقدير الذى يؤكده أحمد حجاجوفيتش فهو لكثيرين.. ومنهم وزارة الطيران المدنى التى ساهمت فى رحلته الأخيرة لأول مرة.. وكذلك لوزير الخارجية الذى جلس معه نحو ساعة كاملة فى موسكو.. واستمع إليه باهتمام شديد.. بل وعده بتقديم كل الدعم والتسهيلات المطلوبة لإنجاح مشروعه الرائع. ونحن فى انتظار ترجمة هذا الوعد إلى برنامج وخطة محددة وبجدول زمنى واضح. فما يحققه أحمد.. ونحن معه.. هو فى حب مصر.. ومن أجل نهضتها. يقول لى الرحالة المقاتل: نحن نخطئ فى توجيه رسالتنا ودعايتنا.. فالمطلوب توجيهها إلى الخارج وليس الداخل. فالجمهور المستهدف لا يوجد لدينا.. بل خارج بلادنا.. ويجب أن نخاطبهم بلغاتهم. رسالة خاصة وهو يجيد خمس لغات بطلاقة فائقة، وبثقافاتهم وعقلياتهم. هذه هى اللغة التى نحتاج إليها ونفتقدها بشدة. ويوجه أحمد رسالة لأبناء وطنه: لقد نجحت فى تجميع الملايين فى العالم على حب مصر.. ألا يستطيع المصريون أن يتحدوا «فى الداخل» على ذات الهدف. إننى حزين لما أراه وأسمعه وأشاهده. من فُرقة وتشرذم داخل الوطن الواحد. وقد لا يعلم الكثيرون أننى قطعت رحلتى.. من أمام بيت الممثل الشهير «جاكى شان».. ورفعت لوحة مكتوبًا عليها: «من أمام بيت جاكى شان.. أنا راجعلك يا ميدان».. نعم لقد قرر أحمد قطع رحلته بعد مجزرة بورسعيد.. بل الأهم من ذلك أنه قرر زيارة النادى الأهلى لتقديم واجب العزاء.. وشاركت معه فى بلورة هذه الدعوة لتجاوز الأحزان.. وإعادة بناء الجسور بين الأهلى وأهالى بورسعيد الشرفاء ليس لهم دخل بها. صخرة الأبطال نعود إلى خزانة أسرار أحمد «حجاجوفيتش» لنفتحها معاً.. ول «أكتوبر» سبق كبير فى هذا.. كما كان لها السبق فى رعاية ابننا الرحالة المقاتل.. الرحلة بدأت من موسكو ولمسافة 17 ألف كيلو متر بالقطار.. لمدة عشرة أيام كاملة.. ثم انطلقت إلى غياهب سيبيريا.. حيث تعرض لقصف جليدى رهيب وسط برودة تجاوزت الخمسين درجة تحت الصفر.. «فى مدينة أويمياكيون».. وهناك ارتفع علم مصر خفاقاً.. لأول مرة.. ومنها إلى مدينة «سيرهابى باصات» التى يوجد فيها أكبر مجمع للكنائس والأديرة فى العالم.. وهناك استقبله كبير الكهنة وأهداه خاتماً فضياً.. مكتوباً عليه بالروسية القديمة «الرب يحمى ويحفظ».. ووعده رحالتنا المغامر الودود بأنه يحتفظ به ولا يخلعه من إصبعه أبداً! وفى ذات المكان أيضا.. فى مجمع الكنائس العالمى.. ارتفع علم مصر خفاقاً.. كما هى عادة ابن بطوطة المصرى.. وهدفه دائماً! الأمبراطورية المدمرة ومن روسيا إلى منغوليا.. بلاد هولاكو وجنكيز خان والمغول الذين هزموا الامبراطوريات ودمروا وعاثوا فى الأرض فسادا.. ثم انهزموا على أيدى خير أجناد الأرض. ذهب إليهم حفيد أرض الكنانة.. المقاتل الجرئ. وتوقع أن يقتلوه هو والمصور المرافق.. لو عرفوا أنهما مصريان!! ففوجئ بالترحاب والتقدير وحفاوة الاستقبال والضيافة. بل إنه وجد شعباً متعلماً متحضراً محترماً.. وقال له أحد الشباب: إنسى ما حدث.. «واللى فات مات» كما نقول بالعامية.. بل إنهم بعد أن ذبحوا له الحصان وأكل منه أهدوه حافظة جلدية لجواز سفره كتبوا عليها (من أصدقائك المنغوليين إلى الرحالة المصرى أحمد حجاجوفيتش). ولأول مرة يرفرف علم مصر فوق عاصمة منغوليا!! ومن منغوليا إلى بلاد التنين.. وقبل أن يذهب إليها بعث رسالة للملحق العسكرى المصرى فى بكين قائلاً له: أنا قادم إليك من موسكو بالقطار! فتصور الملحق أن هناك خطأ فى الرسالة.. لطول الرحلة الشاقة.. ولكن عندما عاد إلى منزله.. فوجئ بأولاده وزوجته يعرفون كل شئ عن ابن بطوطة المصرى. وبادرت زوجة الملحق العسكرى بدعوة 67 من زوجات السفراء والملحقين المعتمدين فى بكين. وكان حفلاً رائعًا حيث تحدث أحمد لكل الموجودين «بلغاتهم» ببراعة. فانبهروا.. وقالت له زوجة السفير الأمريكى.. لو كنت أمريكياً لقدمنا لك كل أنواع الدعم.. بل وصنعنا لك تمثالاً من الذهب فى أعظم موقع بالولايات المتحدة. وذات الكلام كرره رئيس البرازيل عندما قابل أحمد عام 2009 وقال له: لو كنت برازيلياً لصنعنا لك تمثالاً مثل تمثال المسيح عليه السلام!! بل إن رئيس الأرجنتين السابقة أشادت به وبرحلاته من أجل الحرية.. ومن أجل إسعاد العالم. عدم التقدير وهنا أشعر- خلال الحديث- بمدى الألم الذى يعنصر قلب ابننا الرحالة.. نتيجة تجاهل الداخل.. وتقدير الخارج.. وهو تقدير فاق الحدود.. وكسر كل الحواجز والأسوار.. وسكن الأفئدة والعقول! فى بلاد التنين أيضاً كانت لابن بطوطة المصرى مغامرة غير مسبوقة!! عندما ارتقى صخرة الأبطال Hero stone.. هذه الصخرة تقع فى أعلى نقطة على سور الصين العظيم.. وتبعد عن بكين نحو 17 كيلو متراً.. أصر أحمد أن يذهب إليها.. وأن يرفع علم مصر.. ليس بجوارها.. بل فوقها.. ورغم الصعوبات الهائلة التى واجهته فقد رفعه الجمهور الصينى وسُحل وسالت دماؤه وهو يتسلق الصخرة الصعبة.. كى يرفع علم مصر! وفى المدينة المحرّمة.. فى قلب بكين رفع علم مصر أيضاً. وكادوا يقتلونه لأن هذا ممنوع وخوفاً من الأبعاد السياسية لهذا العمل.. فى ظل متابعة العالم لثورات الربيع العربى. لقد سافر المغامر المصرى الجرئ بكل وسائل النقل.. عدا الصاروخ.. وعندما قلت له لم يبق سوى الدواب.. قال: هذه تجربة جديدة سوف أجربها.. كما أنه استضاف فى بيته بالقاهرة أكثر من خمسة آلاف زائر من أنحاء العالم.. تركوا توقيعاتهم على باب شقته التى تركها.. ولكن ذكراها سوف تظل خالدة فى قلبه.. كما أن إنجازاته سوف تظل محفورة فى عقولنا أيضاً!