طرحنا فى الخواطر الماضية سؤالا مهما عن هروب صاحب العبّارة السلام 98 إلى لندن رغم أنه كان عضوا فى مجلس الشورى فى عام 2006 وأن المجلس برئاسة صفوت الشريف المحبوس حاليا- لم يرفع الحصانة عنه إلا بعد مرور حوالى شهر ونصف الشهر من غرق العبّارة بحجة أن النائب العام فى ذلك الوقت لم يطلب رفع الحصانة عنه فى المدة من 3 فبراير حتى 19 مارس 2006. وأظن أن هذه الفترة كانت كافية جدا لأن يرتب ممدوح إسماعيل صاحب العبّارة أوراقه ويقرر الهروب من مصر ويدير الأزمة من هناك.. وكان ذلك تحت سمع وبصر الحكومة التى تعاملت مع الحادث باستهتار شديد ولا مبالاة مع أسر الشهداء وكانوا ضحايا الإهمال والفوضى والتسيب فى قطاع النقل البحرى وكأنهم ليسوا مصريين! وأذكر أن الحكومة تركت المحليات بإمكاناتها الضعيفة تتعامل مع الأزمة ونقلت جثث ضحايا العبّارة فى سيارات نقل السمك إلى مشارح المحافظات.. وتعاملت بكل قسوة وعنف مع أسر الضحايا فى ميناء سفاجا، وفضّل رئيس الوزراء الأسبق «أحمد نظيف» أن يذهب إلى استاد القاهرة لتشجيع فريقنا القومى لكرة القدم فى دورة الأمم الأفريقية برئاسة زعيم العصابة الرئيس المخلوع السابق ويلوح ب «علم مصر» بدلا من أن يرعى مصالح الضحايا ويشرف على نقلهم. وأظن أن تعامل الحكومة فى ذلك الوقت مع حادث العبّارة وهروب صاحبها كان أكبر فضيحة للنظام السابق فى عامى 2006،2007 بجانب حادثة حريق قطار الصعيد. *** وأذكر شهادة لله والتاريخ أقدمها لشباب ثورة 25 يناير أن رئيس لجنة تقصى الحقائق فى ذلك الوقت 2006 -2007 البرلمانى القدير حمدى الطحان قد أعد تقريرا خطيرا عن حادث العبّارة.. وبذل فيه مجهودا جبارا كنت شاهدا على إعداده خطوة خطوة. وكان النائب المخضرم حمدى الطحان- بارك الله فى عمره- قد أدان الحكومة فى كل خطواتها وتحركاتها الفاشلة بالأدلة والبراهين.. ولم يخف فى الله لومة لائم من زبانية الحزب الوطنى المنحل فى الثأر لدماء الضحايا الذى ضاع هدرا رحمة الله عليهم جميعا. وأذكر أن الطحان كان يواصل الليل بالنهار فى مكتبه فى لجنة النقل والمواصلات بمجلس الشعب والعمل فى أيام الإجازات البرلمانية ويرافقه أمين اللجنة سرى متولى فى إعداد هذا التقرير الخطير وكنت شاهدا على ذلك.. وكثيرا ما قلت له إن دماء الضحايا فى رقبتك «يا كابتن» ويجب عليك الثأر لهم. وأدان الطحان فى كل سطر من سطور التقرير تقاعس الحكومة فى إنقاذ العبّارة من الغرق والتأخر الشديد مع استغاثات العبّارة لإنقاذها أو انتشال الغرقى من مياه البحر الأحمر! وأنه بعد غرق العبّارة وهرع أهالى الضحايا إلى هناك، وبمجرد عودة الرئيس المخلوع انصرفت الحكومة عن الأمر كله وتركت محافظ البحر الأحمر وحده بالإمكانات المحدودة التى لديه ليغرق هو الآخر فى المهام الكثيرة التى كان عليه القيام بها. وقال الطحان: إن الحكومة كان عليها وهى تملك كل السلطات أن تتصدى لمواجهة الأزمة وإدارتها وأداء مهمتها ولو استعانت فى ذلك بنصوص قانون الطوارئ ولو فعلت ذلك ما تفاقم الأمر إلى الحد الذى أثار انتقاد أهالى الضحايا. وأشارت لجنة تقصى الحقائق فى النهاية إلى أن ظروف الحادث الأليم وأسبابه تشير إلى صورة بشعة من صور الفساد فى مرفق تتعلق به أرواح الناس مما يوجب التحرك فورا لاتخاذ كل الإجراءات لتحقيق الانضباط فى هذا المرفق وتأمين حياة الركاب والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه الإقدام على التلاعب بالضوابط وبأحكام القانون واللوائح بغية الحصول على مكاسب دنيوية رخيصة، ولو كان الثمن هو قتل الناس غرقا وتحطيم حياة العديد من الأسر المصرية وإشاعة النكبات والمآسى فى ربوع مصر. *** إننى أعتقد أن حادث غرق العبّارة (السلام 98) كان مثالا صارخا على أبشع صور الفساد التى سادت فى النظام السابق.. وأنهم استطاعوا بكل الحيل القانونية إدخال أسر الضحايا وأقاربهم فى متاهات قانونية بسبب التعويض الذى يصرف لهم.. كما أن بعض ضعاف النفوس- للأسف الشديد- قد تربحوا من وراء هذا الحادث البشع.. أو من وراء جثث الضحايا بعد أن حصلوا على العمولات الإعلانية فى الجرائد والمجلات والتليفزيون المصرى والتى كانت تدافع عن صاحب العبّارة وتؤكد فيها أنه سوف يعود من لندن فور صدور الحكم له بالبراءة، ولكن للأسف الشديد فإنه مازال هاربا بعد أن حكم عليه القضاء بالسجن 7 سنوات! *** ويبقى السؤال المهم: من وراء هروب ممدوح إسماعيل من رجال النظام السابق الفاسد؟! وهل توقفت الحكومة المصرية عن ملاحقته دوليا للقبض عليه وتنفيذ الحكم الصادر ضده بحبسه 7 سنوات. هناك أسئلة عديدة يطرحها حادث العبارة رغم مرور سبع سنوات وأننا يجب علينا فتح ملفها من جديد، فهذه جريمة لا تسقط بالتقادم! .. وكانت هذه هى الخاطرة الأخيرة.. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة افتتاح برلمان الثورة