يجري المستشار عبد المجيد محمود النائب العام تحقيقات في العديد من قضايا وملفات الفساد والتي تتمحور حول اتهامات لأعضاء بالحزب "الوطني"، ومن بينها قضية العبارة "السلام 98" المتهم فيها رجل الأعمال ممدح إسماعيل في الكارثة التي لقي فيها 1330 شخصا حتفهم ابتلعتهم مياه البحر الأحمر في فبراير 2006، قبل أن يتم تهريبه بعد شهور ومعه ابنه إلى بريطانيا. وسارع أهالي ضحايا العبارة إلى تنظيم مظاهرة كبري أمام النائب العام لإعادة فتح القضية مرة أخري بعد أن تكاتف قيادات الحزب إلى إنقاذ مالك العبارة - والذي كان عضوا معينا بمجلس الشورى- من الجريمة، وقد أثار تأخر إجراءات رفع الحصانة النيابية عنه ثم مغادرته البلاد قبل المحاكمة – بزعم السفر للعلاج- انتقادات شديدة من المعارضة وأهالي الضحايا، وأثار ذلك اتهامات إلى الحكومة بتسهيل هروبه، قبيل إصدار النائب العام مذكرة للقبض عليه على ذمة القضية. وكانت المفاجأة عندما قضت محكمة جنح سفاجا في يوليو 2008 حكما ببراءة ممدوح إسماعيل من التهم المنسوية إليه مما أثار ردود فعل غاضبة من أهالي الضحايا وناشطي المعارضة والمنظمات الحقوقية، وإزاء ذلك قام النائب العام وقتها باستئناف الحكم وصدر حكم من محكمة جنح مستأنف في مارس 2009 بحبس إسماعيل سبع سنوات، لكن الحكم لم ينفذ بسبب هروبه إلى الخارج. وجاءت مظاهرات أهالي الضحايا بعد رحيل النظام السابق الذي ساند ممدوح إسماعيل، الممول للحملة الانتخابية للرئيس السابق حسني مبارك عام 2005م والذي كان يتولى أيضا موقع أمين الحزب "الوطني" بدائرة مصر الجديدة، وكان يشغل أيضا منصب نائب الأمين العام للشئون المالية والإدارية بالأمانة العامة للحزب، التي كان يرأسها الدكتور زكريا عزمي، والذي لم يخف صداقته لممدوح إسماعيل تحت القبة. ملف مالك العبارة المنكوبة يحمل العديد من المفاجآت الخطيرة، التي لا تقل عن جرائم أحمد المغربي وزير الإسكان السابق وزهير جرانة وزير السياحة السابق ورشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة السابق وأحمد عز أمين التنظيم بالحزب "الوطني" سابقا، طبقا لما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي ترأسها حمدي الطحان رئيس لجنة النقل والمواصلات، الذي ضم تقريره 592 ورقة تحمل العديد من الجرائم الخطيرة التي ارتكبت في حق الشعب المصري. وأولى الجرائم، هي التربح والتهرب من الضرائب المستحقة عليه لخزانة الدولة، حيث كشف تقرير اللجنة حصول إسماعيل رئيس مجلس إدارة الشركة المشغلة للعبارة "السلام 98" الغارقة، بصفته عضوا في مجلس إدارة هيئة موانئ البحر الأحمر على منفعة، عبارة عن ترخيص بمساحة 9 آلاف متر مربع في ميناء سفاجا التابع للهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر بإيجار سنوي قدرة عشرة قروش للمتر الواحد، أقام عليها محطة خدمة وإيواء لركاب السفن التي يقوم بتشغيلها بين موانئ البحر الأحمر، مما يثير بحقه شبهة جريمة التربح المنصوص عليها في المواد 115 و119 و119 مكرر من قانون العقوبات. وأوضح التقرير، أنه بتاريخ 7 / 4 / 1992م تأسست شركة السلام للنقل البحري بنظام الاستثمار الداخلي وكيانها القانوني شركة مساهمة خاضعة لأحكام قانون الاستثمار 230 لسنة 1989م ومقرها 24 شارع أحمد تيسير عمارات المروة-مصر الجديدة ونشاطها امتلاك وإدارة وتشغيل عبارة بحرية طاقتها 2000 راكب و300 سيارة 700 طن، على أن تعمل على الخط الملاحي بين موانئ البحر الأحمر، وذلك برأس مال 12.8 مليون جنيه وتكلفة استثمارية قدرها 32 مليون جنية. وحصلت الشركة على إعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات خلال الفترة من 1992م إلى 1997م، وقبل انتهاء فترة الإعفاء الضريبي المشار إليه أي قبل 1997م وبتاريخ 21 / 8 / 1996م صدر قرار رئيس الهيئة العامة للاستثمار رقم 415 لسنة 1996م بالترخيص لمشروع شركة السلام لاستثمار البحري بمزاولة النشاط بنظام المناطق الحرة الخاصة برأس مال قدرة 4.8 مليون دولار بذات مقر الشركة الأولي، وذلك بهدف الاستمرار في التمتع الضريبي. وبتاريخ 14 / 4 / 1999م صدر قرار رئيس الهيئة العامة للاستثمار رقم 922 لسنة 1999م بالموافقة علي اندماج شركة السلام للنقل البحري مع شركة السلام للاستثمار البحري بنظام المناطق الحرة الخاصة، وتم تغيير المقر الإداري للشركة إلى 22 شارع يعقوب أرتين مصر الجديدة، وذلك بهدف التهرب من أداء الضرائب العامة المستحقة علي الشركة. يمتلك ممدوح إسماعيل بشركة السلام للاستثمار البحري 13 عبارة ترفع علم بنما وعبارتين ترفعان علم الأردن وعبارة ترفع علم البهاما بالإضافة إلى العبارتين الغارقتين السلام 95 والسلام 98 اللتين كانتا ترفعان علم بنما. وأشارت وقائع الفساد إلي أن ممدوح إسماعيل تم تعينه من قبل وزير النقل بقرار رقم 71 / 1997م بتاريخ 4 / 10 / 1997م عضوا بمجلس إدارة هيئة موانئ البحر الأحمر لمدة سنتين ثم صدر قرار آخر برقم 263 / 2002م بتاريخ 2 / 5 / 2002م بتعينه مرة أخرى. ومنح أن مجلس إدارة الهيئة شركة السلام للاستثمار البحري التي يرأس مجلس إدارتها ممدوح إسماعيل ترخيصا بحق انتفاع بمساحة 2481 مترا مربعا داخل ميناء السويس لاستغلالها لتخزين سيارات النقل الكبيرة القادمة الخاصة بتلك الشركة نظير مقابل انتفاع قدره عشرون جنيها للمتر في السنة، وأن الشركة استخدمت تلك الأرض في غير الغرض الذي خصصت من أجله. والاتهام الآخر الذي وجهته اللجنة للحكومة هو التخبط والاضطراب وعدم الكفاءة التي لا تليق بأجهزة دولة عريقة، ووجهت اللجنة انتقادا لالحكومة على أنها انصرفت عن الحادث بعد وقوع بوقت قصير وأوكلت التصرف فيه إلي الأجهزة المحلية علي قلة حيلتها وقصور إمكانيتها إزاء عظم المصيبة وفداحة الكارثة. وكشفت اللجنة عن تهرب جهتين من المسئولية التي حدثت وقامت كل جهة بالدفاع عن نفسها وإلقاء اللوم أو الاتهام عن الأخرى، وتلك الجهتان هما الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية التابعة لوزارة الطيران المدني والتي تمتلك جهاز استقبال إشارت الاستغاثة التي تصدر من السفن التي تتعرض لحوادث وتطلب النجدة، والجهة الأخرى هي جهاز البحث والإنقاذ المصري المختص بنجدة هذه السفن في منطقة الحادث. وأشار التقرير إلى أن إشارة استغاثة العبارة وردت إلى الجهاز المختص بالشركة الوطنية للملاحة الجوية التابعة لوزارة الطيران في الثالثة وتسع دقائق من صباح الجمعة 3 / 2 / 2006م، وذكرت وزارة الطيران المدني في خطابها للجنة أن هذه الإشارات أرسلت آليا في حينها إلي الجهاز المختص بتلقيها في جهاز البحث والإنقاذ. جاء ذلك في الوقت الذي نفي فيه تحقيق المدعي العام العسكري ورود تلك الإشارات إلي جهاز البحث والإنقاذ في المواعيد المذكورة والمحددة من الجهاز الآلي لتلقي الإشارات بالطيران المدني علي أساس أن الجهاز كان معطلا، وهو الأمر الذي ردت عليه وزارة الطيران المدني بأنه لم يكن بالجهاز الخاص بها عطل، وإذا كان هناك عطل فربما يكون من قبل الجهاز الموجود بمركز البحث والإنقاذ وليس الجهاز الموجود بالشركة الوطنية للملاحة الجوية. وإزاء عدم قدرة اللجنة البرلمانية التحقق من صدق رواية كل طرف فقد انتهت إلى أن الجهتين تابعتان للحكومة وهي التي تستطيع الوقوف علي حقيقة الأمر بينهما، وتحديد المسئولية عن العطل أو التقصير الذي وقع. وأكدت اللجنة في نهاية الأمر أن الحكومة التي تتبعها هاتان الجهتان مسئولة بصفتها المكلفة قانونا بالبحث والإنقاذ، وأن هذا لا يحول دون انعقاد أية مسئولية مشتركة مع المسئولين عن إدارة الشركة المالكة للعبارة المنكوبة. ووجهت اللجنة انتقادات عنيفة إلي حكومة الحزب "الوطني"، وقالت إنه كان يجب علي الحكومة أن تقيم معسكرا للعمل قريبا من مكان الحادث حتى تفرغ من النقاط الناجين وانتشال جثث الضحايا وتيسير تعرف ذويهم عليهم ونقلهم إلي أماكن دفنهم علي نحو تخفف من أحزان الأمهات والأرامل وتجبر خاطر اليتامى. ووصفت اللجنة في تقريرها ظروف الحادث الأليم وأسبابه بأنه صورة بشعة من صور الفساد في مرفق تتعلق به أرواح الناس، وطالبت بضرورة إعمال سيادة القانون ومحاسبة كافة المسئولين عن الحادث والضرب بيد من حديد علي كل من سولت له نفسه الأقدام علي التلاعب بالضوابط وبأحكام القانون واللوائح، بغية الحصول علي مكاسب دنيوية رخيصة ولو كان الثمن هو قتل الناس غرقا وتحطيم حياة العديد من الأسر المصرية وإشاعة النكبات والمآس في ربوع مصر علي رؤوس الفقراء والبسطاء الذين جدوا واجتهدوا واغتربوا للحصول علي الرزق الحلال، ولم يكتب لهم العودة إلي ذويهم بعد رحلة كفاح مريرة لكي يعيشوا معهم ويجنوا ثمرة كفاحهم، بل لاقوا مصيرهم المشئوم غرقي في أعماق مياه البحر الأحمر طعما للأسماك المتوحشة. أكدت اللجنة في عبارات قوية أنه لا رحمة بمن عبثوا بأرواح المصريين، وطالبت اللجنة التي تشكلت من 30 نائبا بأقصى العقوبات خاصة وأنه لا يزال صراخ وعويل التكالي واليتامى تأكدوا أنه تم السماح بتيسر تلك السفينة وهي لا تتوافر فيها شروط السلامة البحرية. وأكدت اللجنة أنه تلاحظ لها أن ممدوح إسماعيل صاحب الشركة بلغ نفوذه إلي الحد الذي أوصلة إلي أن يصبح عضوا في مجلسي إدارة هيئة الموانئ بالبحر الأحمر وما مكنه ذلك من تحقيق بعض المزايا لشركته بسبب تلك العضوية وهو الأمر الذي يقع تحت طائلة المادة 115 من قانون العقوبات. وبلغ نفوذه إلي عدم المبالاة بغرق السفينة بمن عليها من ركاب، حيث طلب منه ومن نائبه وهو ابنه البحث عن السفينة الغارقة في تمام الساعة التاسعة صباح يوم الحادث إلا أنه لم يفعل ذلك، وهو الأمر الذي يعد جريمة تشوبها رائحة العمد، خاصة وأنهما يملكان عبارتين بميناء الغردقة يمكن لأي منهما الوصول إلي موقع الحادث في ساعتين، وأنه تم إخراج العبارة إليانور في الساعة الثالثة عصرا أي بعد 6 ساعات من إبلاغهما. كشفت اللجنة في تقريرها من العديد من العيوب الموجودة في العبارة، منها علي سبيل المثال لا الحصر عدم صلاحية عدد من الرمانات "قوارب النجاة" التي انتهت صلاحيتها منذ أكثر من خمس سنوات، وعدم صلاحية اسطوانات مقاومة الحريق بالعبارة لفسادها، وأيضا انسداد بالوعات جراج العبارة، مما حال دون تصريف المياه التي استخدمت في إطفاء الحريق وتراكمها الأمر الذي كان سببا في ميل السفينة ثم غريقها. فيما جاءت عمليات تزوير شهادات بصلاحية الرمانات من خلال شركة متخصصة في أعمال الصيانة تابعة لشركة السلام ذاتها ويرأسها احد أقارب ممدوح إسماعيل رئيس مجلس إدارة الشركة.