المستقبل الذى أعنيه هو الشهور القليلة القادمة التى من المفترض أن يتم خلالها استكمال انتخابات مجلس الشعب، وإجراء انتخابات الشورى، واختيار اللجنة التأسيسية التى ستضع الدستور، وإجراء الانتخابات الرئاسية ليتم بعد ذلك تسليم السلطة للرئيس المنتخب.. أما الحسابات فهى شديدة الصعوبة والتعقيد.. ذلك أننا أمام واقع اختلطت فيه الأوراق بشكل واسع وتداخلت فيه المصالح بشكل كبير.. أضف إلى ذلك كله الوضع الاقتصادى المتردى الذى يمكن أن يقلب أى حسابات رأسا على عقب!.. ولم يعد خافيا أن كل الأطراف التى تتصدر المشهد السياسى فى مصر الآن.. أو التى تحاول أن تتصدره.. يدور جهدها الرئيسى حول الانتخابات.. تحاول أن تحصل على نصيب الأسد أو أقل أو أكثر!.. بينما الذين يدركون أنهم لن يحصلوا على أى نصيب يعملون بنظرية “شمشون” الذى هدم المعبد فوق رأس الجميع!.. وهكذا فإن أى كلام عن حسابات المستقبل هو فى حقيقته كلام عن حسابات الانتخابات.. نتائجها وتداعياتها وما يمكن أن تقودنا إليه!.. فأذا بدأنا بانتخابات مجلس الشعب أو ما تبقى منها فنحن أمام مرحلة ثالثة لابد أنها ستكون الأكثر شراسة على عكس الكثير من التوقعات.. الانطباع العام أن التيار الإسلامى وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين.. حصلوا على نصيب الأسد من المرحلتين الأولى والثانية.. الأرقام تقول إن حزب الحرية والعدالة.. جماعة الإخوان.. حصل على 149 مقعدا من 322 مقعدا.. وأن حزب النور أو السلفيين حصلوا على 80 مقعدا.. بينما لم يحصل حزب الوفد على أكثر من 25 مقعدا والكتلة على 23 مقعدا.. طبقا لهذه الأرقام فإن التيار الإسلامى حصل بمفرده على 229 مقعدا من 322 مقعدا.. وهى نسبة تزيد على 70% من عدد المقاعد.. بعض الأصوات طالبت التيار الإسلامى وتحديدا جماعة الإخوان بالتنازل عن كل مقاعد المرحلة الثالثة إثباتا لحُسن النوايا ولطمأنة باقى القوى السياسية خاصة أن الإخوان أعلنوا من قبل أنهم لن يتنافسوا على أكثر من ربع مقاعد البرلمان.. آخر ما يفكر فيه التيار الإسلامى وتحديدا جماعة الإخوان هو الاستجابة لمثل هذا المطلب «الرومانسى».. التيار الإسلامى حصل على نصيب الأسد من المرحلتين الأولى والثانية لكن جماعة الإخوان لم يحصلوا على أكثر من 50% من مقاعد المرحلتين.. ومن ثم فإنه حتى لو كانوا حزب الأغلبية.. فإنهم لم يحصلوا على الأغلبية المريحة من وجهة نظرهم.. وهى الأغلبية التى تضمن لهم السيطرة على البرلمان أو على القرارات الصادرة من البرلمان!.. فى نفس الوقت فإن حصول التيار الإسلامى على نسبة تزيد على 70% فى المرحلتين لا يعنى فوز الإخوان.. لأن السلفيين يشاركونهم هذه النسبة. ومن ثم فإن السلفيين مرشحون للعب دور المعارضة فى البرلمان القادم - يؤهلهم لذلك حصولهم على 80 مقعدا فى المرحلتين.. وهو ما فشلت أحزاب الوفد والكتلة والمستقلين فى الحصول عليه مجتمعين!.. الحقيقة أيضاً أن هناك اختلافات واسعة بين الإخوان والسلفيين رغم أن الاثنين محسوبان على التيار الإسلامى.. أضف إلى ذلك كله أن المقاعد التى فاز بها الإخوان لا تمثل الرقم الحقيقى الذى حصل عليه الإخوان.. فهناك نسبة كبيرة من المقاعد التى فازوا بها.. حصلوا عليها عن طريق القوائم.. والقوائم تضم أسماء وشخصيات تحالفوا مع الإخوان.. لكنهم ليسوا من الإخوان!.. ثم إن هناك إعادة لستة وعشرين مقعدا من المرحلتين الأولى والثانية.. كل ذلك سيؤدى إلى انتخابات شرسة خلال المرحلة الثالثة والأخيرة.. وليس من قبيل المبالغة القول بأنها ستكون أكثر المراحل شراسة.. فهى الفرصة الأخيرة لحصول الإخوان على الأغلبية المريحة.. وهى الفرصة الأخيرة كذلك بالنسبة للسلفيين لكى يسيطروا على نسبة معقولة من مقاعد المعارضة!.. ولا يختلف منطق حسابات الشورى عن منطق حسابات مجلس الشعب!.. *** طالب البعض بإلغاء انتخابات مجلس الشورى على اعتبار أنه مجلس (لا يقدم ولا يؤخر) واعتبره هؤلاء البعض مجرد تعطيل لنقل السلطة إلى رئيس منتخب.. وأكد هؤلاء البعض أن الدستور الجديد سيلغى هذا المجلس الذى لا طائل منه ولا فائدة!.. وليس لكل هذه الحجج والمطالب أى اعتبار فى حسابات القوى السياسية المختلفة ومنها بالطبع التيارات الإسلامية.. طبقا للإعلان الدستورى فإنه من حق أى حزب حصل على مقعد واحد فى البرلمان.. الشعب أو الشورى.. أن يطرح مرشحا للرئاسة.. ومعنى ذلك أن الأحزاب التى خسرت فى انتخابات الشعب ستحاول قدر إمكانها أن تعوض خسارتها فى الشورى.. على الأقل للاحتفاظ بحقها فى الترشح للانتخابات الرئاسية.. ولا يحتاج ذلك إلى أكثر من مقعد واحد فى الشورى.. فهل توافق هذه الأحزاب على إلغاء انتخابات الشورى؟!.. فى نفس الوقت فإن التيارات الإسلامية ستسعى للفوز بأكبر نسبة من مقاعد الشورى.. تماما كما فعلت بالنسبة لمقاعد الشعب لسبب بسيط أن أحدا لا يعرف ما هو الدور الذى سيلعبه مجلس الشورى إذا نص الدستور على ضرورة وجود مجلس للشورى.. وقد يشمل هذا الدور التشريع.. وقد يحصل الشورى فى الدستور الجديد على ما هو أكثر من التشريع.. فى كل الأحوال لن تغامر التيارات الإسلامية بتجاهل انتخابات الشورى وستسعى للفوز بأكبر عدد من مقاعدها.. كما حدث فى انتخابات الشعب.. وإذا كانت حسابات الانتخابات البرلمانية تبدو معقدة فإن حسابات الانتخابات الرئاسية تبدو أكثر تعقيدا.. خاصة أن هناك من يبنى حساباته على نظرية شمشون.. هدم المعبد فوق رؤوس الجميع!.. *** طالبت أصوات تنتمى لميدان التحرير بتسليم السلطة فورا لمجلس رئاسى مدنى.. ودخل على الخط أصوات أخرى منها المرشحون المحتملون لانتخابات الرئاسة للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.. أغلب الظن أن هذه الأصوات ذهبت أدراج الرياح.. من ناحية لأن المجلس الاستشارى لم يوافق على تعديل خطة الطريق التى وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة من قبل وحدد من خلالها موعد الانتخابات الرئاسية وتسليم السلطة.. ومن ناحية أخرى لأن التيار الإسلامى الذى يمكن اعتباره من الآن المتحدث الرسمى باسم الشعب المصرى (نتيجة فوزه فى الانتخابات البرلمانية) رفض كل هذه المطالبات وتمسك بعدم تسليم السلطة لمجلس رئاسى مدنى وإقامة الانتخابات الرئاسية فى موعدها المحدد من قبل.. التيار الإسلامى قادر بالطبع على فرض كلمته.. بعد النتائج التى حصل عليها فى الانتخابات البرلمانية.. وهو يدرك تماما أن الذين يحاولون تعطيل المراكب السائرة.. سواء بمطالبة المجلس العسكرى بالرحيل فورا وتسليم السلطة للمدنيين.. أو بالمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.. يدرك أنهم الذين خسروا الانتخابات ولم يعد أمامهم إلا نظرية «شمشون»!.. فى مقدمة هؤلاء الخاسرين شباب الثورة الذى اكتشف أنه «خرج من المولد بلا حمص».. مع أنه صانع الثورة ومفجرها وصاحب أكبر فاتورة للخسائر والتضحيات.. الإخوان يدركون هذه الحقيقة ويدركون أيضاً أن ميدان التحرير سيظل مصدر القلق لهم فى المستقبل.. نتيجة خروج شباب الثورة من المشهد السياسى!.. الإخوان أصحاب الخبرة السياسية الطويلة لا يفوتهم ذلك كله ولذلك بدأوا فى السعى من الآن لاحتواء ميدان التحرير عن طريق احتواء هؤلاء الشباب وجعلهم جزءاً من المشهد السياسى.. حتى لو كان ذلك عن طريق المطالبة بتعيينهم فى البرلمان!.. *** هكذا هى حسابات الانتخابات.. وهكذا ستكون حسابات المستقبل القريب.. إلا إذا كانت المؤامرات أكبر من الجيش والشعب (!!!)..