فى ساعة متأخرة من مساء يوم الأربعاء تلقيت اتصالاً هاتفياً من على بُعد ثلاثة آلاف ميل من أستاذى وصديقى الكاتب الخليجى الكبير ناصر العثمان عميد الصحافة القطرية والأمين العام لاتحاد الصحافة الخليجية قال لى باللهجة المصرية: اسمح لى “أفضفض معاك”.. لأننى مش عارف إيه اللى بيحصل فى مصر فما يحدث فوق طاقة أى عقل!! ودون أن ينتظر منى أى رد قال بانفعال ظاهر: إنه مخطط مرسوم لإسقاط مصر والثورة المصرية.. لأن ما يريدونه لمصر هو ألا تقوم لها قائمة وألا يقوم الجيش بدوره فى حماية الثورة، ويدفعونه دفعاً إلى الانقلاب.. وهو ما تريده قوى خارجية.. كلنا نعلمها..!! و تسأل الرجل بقلق ظاهر: أين حكماء وعقلاء مصر الذين نضرب بهم المثل؟ لماذا لا يقفون جميعاً على قلب رجل واحد لإنقاذ مصر..؟! أين فلان.. وفلان.. وفلان؟ وأخذ يعدد لى قائمة بأسماء مجموعة من الوطنيين الشرفاء، بعضهم، بالمناسبة، مرشحون محتملون لرئاسة الجمهورية. واختتم الرجل مكالمته مردداً الدعاء لمصر: ربنا يحفظ مصر وشعب مصر.. ربنا يحفظ مصر وشعب مصر.. انتهت مكالمة الرجل التى تعكس جانباً من القلق الذى لا ينتاب المصريين وحدهم، ولكن كل من يحب مصر ولا يتمنى لها إلا الخير والقيام بدورها الرائد فى محيطيها العربى والدولى.. والحقيقة أننى كمواطن مصرى كانت تتنازعنى مجموعة من المشاعر المتناقضة وأنا أتابع ما يحدث آناء الليل وأطراف النهار.. فما بين رغبة فى محاكمة المتسبب عما حدث ويحدث من فوضى فى الشارع الآن، وما بين محاولة لاستقراء ما يحدث للخروج من المأزق الراهن والعبور بمصر إلى بر الأمان.. وقد سجلت فى مفكرتى الخاصة أسماء أكثر من 10 أشخاص لابد أن يقدموا للمحاكمة فوراً، من الحكومة ومرشحى الرئاسة وبعض المهيّجين الذين يهيّجون البلد لوجه الشيطان وأعداء الوطن.. وبعضهم أسماء كبيرة ملء السمع والبصر.. وكنت أنتوى أن أنشر صورهم جميعاً على غلاف هذه المجلة، مع ذكر دور كل منهم التحريضى على قتل الشهداء الذين سالت دماؤهم الذكية على أرض ميدان التحرير.. وألقيت جثامينهم الطاهرة أمام أعيننا.. فى الزبالة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..! لقد كنت أنتوى أن أواجه كل طرف بما اقترفت يداه فى حق هذا الوطن وأبنائه الأطهار.. لكننى وجدت أنه من الأهم فى هذه اللحظات العصيبة من تاريخنا أن نلملم الجراح والأحزان وأن نقف جميعاً على قلب رجل واحد لإنقاذ هذا الوطن العظيم الذى يضيع أمام أعيننا بسبب التصرفات الصبيانية لبعض قيادات الطوائف والفصائل والحركات ومرشحى الرئاسة الذين يلعبون بالنار.. ويعيثون فى الوطن فساداً سعياً وراء بعض المكاسب الحرام والقفز على مقاعد السلطة.. وبصراحة وبدون أية مواربة.. لا يمكن لعاقل ولا منصف أن يعتبر الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة جزءاً من المشكلة الراهنة، بل فى تقديرى، وفى تقدير الكثيرين، أنهما جزء من الحل.. إن لم يكن الحل كله.. ولذلك أتعجب ويتعجب الكثيرون من كبار المفكرين الذين كنت أتشاور معهم خلال الأيام القليلة الماضية منذ بداية الأحداث، مما يروجه البعض، ويطالب به بعض رموز التيار الدينى المتطرف بضرورة أن يسلّم الجيش السلطة "فوراً"، وأضع تحت "فوراً" هذه أكثر من خط، والسؤال البديهىّ هو، لو سلمنا بهذا الكلام المغلوط، فلمن يسلم الجيش السلطة فوراً..؟! هل يسلمها للفوضى والفوضويين؟! أم يسلّمها للمتطلعين للقفز على كراسى الحكم بأى صورة ولو على جثث الشهداء..؟! إن أداء رموز التيار الدينى المتطرف هو الأردأ على الساحة الآن، ولا أبالغ إن قلت إن ما حدث منذ يوم الجمعة الماضى وحتى الآن كان بمثابة انتحار سياسى لبعض هؤلاء الرموز سيدفعون ثمنه غالياً خلال الأيام القليلة القادمة، سواء فى الانتخابات البرلمانية، أو فى الانتخابات الرئاسية. فبعض رموز التيار الدينى، من أجل تحقيق مكاسب انتخابية آنية ضيقة ارتكبوا، لا أقول أخطاء، بل خطايا فى حق الشعب، وفى حق الوطن، بمزايدتهم الفجة الرخيصة، دون أدنى اعتبار لعشرات الضحايا الذين يسقطون ما بين شهيد وجريح.. إننى أحمِّل هؤلاء البعض مسئولية الدماء التى أريقت والأرواح التى أزهقت، فقد هيّجوا المشاعر، ورفعوا سقف المطالب إلى حد لا يمكن تحقيق أى منها؛ فبعد أن كان الحديث فى مظاهرة الجمعة عن إسقاط وثيقة السلمى، تحول الحديث إلى إضراب شامل والتهديد بعصيان مدنى لإسقاط الدولة وإقصاء المجلس العسكرى وتخلى الجيش عن مسئوليته، وعودته لثكناته.. فوراً..! ورغم استجابة المشير حسين طنطاوى لمطالب الكثيرين بضرورة تحديد توقيتات محددة لتسليم السلطة، وتحديد نهاية شهر يونيو القادم موعداً لتسليم البلاد لسلطة مدنية، واستعداد المجلس العسكرى لعمل استفتاء شعبى لتحديد بقائه من عدمه فى السلطة حتى ذلك التاريخ أو قبله، فإن بعض المهيّجين تجاهلوا كل ذلك وأصروا على الاستمرار فى الاشتباك مع الشرطة، وإحداث الأزمة تلو الأزمة سعياً وراء أهداف لم يعد أحد يعلمها على وجه الدقة. إننى أهيب بالعقلاء فى ميدان التحرير بل أهيب بعقلاء الأمة كلها أن يتحدوا فى هذه اللحظات العصيبة من تاريخ مصر؛ لأن الموقف الآن لم يعد يحتمل أية مزايدات صبيانية أو مهاترات.. فمصر تترنح وأركان الدولة أو أعمدتها تتفكك، وفقاً للمخطط الأجنبى الشيطانى الذى رسموه بليل لإسقاط الدولة المصرية.. لذلك أتمنى من كل العقلاء أن يتحدوا للخروج من المأزق الراهن وأن يتخلى كل طرف عن أنانيته.. وأستحلف بعض رموز التيار الدينى الذين يشعلونها ناراً أن يتقوا الله فى مصر، وفى جند مصر، خير أجناد الأرض.. وأن ينحى كل منهم أطماعه الشخصية ومشروعه الخاص من أجل إنقاذ مصر.. أرجوكم يا عقلاء مصر.. اتحدوا..!!