أول شئ أفعله عندما أفتح عينى على ضوء الصباح أردد كلمة الحمد لله.. الحمد لله على نعمة الحياة.. الحمد لله أننى مازلت على قيد الحياة، ثم أبدأ يومى.. على الرغم أننى لست أسعد السعداء ولا أغنى الأغنياء ولا من المشاهير ولا المغاوير.. أحيا حياة بسيطة كل شئ أفعله بيدى وأخدم نفسى بنفسى وإذا أردت وحلمت بكوب شاى وأنا أجلس مطرحى لابد أن أفعله بنفسى.. والحياة ليست أمامى بمبى بمبى.. إنما يمكن أن أرى كل ألوان الطيف فى اليوم الواحد.. وأحيانا أصبح كالمضطر الذى يركب الصعب وأتجاوز عن كثير من حقوقى وأقول ربما يعوضنى الله فيما بعد، والصحة مش فى أحسن حال والفلوس على القد، لكن الحياة نعمة أحيانا تسعدنى ضحكة أو قفشة تقال أمامى من ممثل كوميدى على التليفزيون وأقهقه وأنسى كل آلامى ومتاعبى وأقول والله الدنيا حلوة.. أو أتناول لقمة جبنة بيضاء وحتة بطيخ مثلجة وأشعر بها أننى أسعد الناس وأشعر أن الحياة حلوة.. وحياتى لم تكن يوما سهلة أو بسيطة أو ولدت وفى يدى حفنة ذهب.. على العكس لم أحصل على أى شىء فى حياتى إلا بكل صعوبة ومعاناة سواء شهاداتى المدرسية والجامعية حتى الدكتوراة لم يكن طريقى مفروشاً بالورود وإنما كانت الأشواك دائما من نصيبى سرت فى كل الطرق التى أراد الله أن أسير فيها سواء فى التحاقى بعملى لم يكن لى واسطة أو محسوبية إنما ما ألحقنى بوظيفتى كان ذكائى وعلمى وثقافتى فى سن ربما كان أقرانى أقل حظا منى.. وتعرضت فى حياتى لحقد ومكائد وبلاوى سوداء من الأقرباء و الأحدقاء وكل من قابلنى وأحس أنه أمامى لا يساوى نكلة.. سود عيشتى بدون سبب.. وأنا أعانى دائما من نفسى وبنفسى لأنى من أصحاب النفوس اللوامة التى أقسم بها سبحانه رب العزة فى كتابه الكريم:(ک ک ک گ).. فأحاسب نفسى أولا بأول لأى خطأ حتى غير مقصود ويمكن أسهر ليلة كاملة أعنف نفسى وأجلدها لأننى قلت كلمة غير مناسبة لأحد.. على الرغم أن الناس كلها أصبحت فى الطناش ونازلين دهس فى بعض بلا رحمة واللى يتفلق يتفلق.. ولم أحصل فى حياتى على شىء بالفهلوة ولابالحداقة إنما كل حياتى اتسمت بالجدية والتعب وكل شىء تميزت به كان بجهدى وعرقى وبعذاب وسهر وبشرف وكرامة ولا بذل ولا رياء وبدراعى وليس عن طريق وساطة أو محسوبية أو معارف أو أصحاب بل كثير أخذوا حقوقاً كانت لى ولم يستحوا من الله وإذا لم تستح فافعل ما شئت وإذا الإيمان ضاع فلا أمانة ولا دنيا لمن لم يحيى دينه.. وكان لى زميل يرحمه الله دائما يقول لى ترفقى بنفسك حبيها شوية.. انظرى فى مرآتك أنت بنت جميلة.. لا تنشغلى بمن حولك.. حياتك أنت أهم، ولكنى مازلت أنسى نفسى بين الآخرين، والإنسان يأتى إلى هذه الدنيا بمفرده ويغادرها بمفرده.. ولا يأخذ حتى فتلة مما يملك ولا شيئا مما أحب، لايأخذ معه إلا ما فعل من محاسن أو مساوئ.. والله رحمته واسعة هو الذى يرى الخير والشر ويقدره وهو الذى يتجاوز عن كل أفعالنا الخاطئة.. والله يستر عباده والبشر يفضحون بعضهم البعض.. والحكمة تقول لا تفرح فى مصيبة أخيك عسى الله ينصره ويبتليك، والناس غرقانة فى الجهل بحقيقة ما فى أيديهم وينظرون لما فى أيدى الآخرين.. وعلى الرغم أننى حرمت الولد لكن كل من حولى من الصبيان والبنات كأنهم بناتى وولادى أفرح لنجاحهم وأزهو بتفوقهم.. وعلى الرغم مما تعرضت له من غبن وظلم رؤسائى وتأخرى المهنى وحروب مهنية ضارية وتهميش وإبعاد وإهمال إلا أننى مازلت أرى أن الحياة يجب أن تعاش وأنها نعمة من الله ولولا اللحظات الصعبة لما عرفنا قيمة حلوها وضحكتها التى قد تكون شحيحة وعزيزة وفرحتها قليلة.. لو عددت كم مرة فرحت لكان العدد لا يتجاوز الأصابع الخمس.. فرحت فرحة طاغية يوم نجحت فى السنة التمهيدية للماجستير لأنى عرفت أنها أول الطريق للدكتوراة وهذا حلم حياتى.. وفرحت مرة أخرى يوم أصدر أنيس منصور قرار تعيينى فى مجلة أكتوبر، وفرحت مرة أخرى يوم حصولى على الماجستير وكذلك درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى.. وفرحت يوم تزوج أخى ويوم أنجب مريم ولوجى.. وفرح قلبى بهما. وكنت أسعد الناس وأشقاهم بالحب لأنى اخترت الصعب ..ولم يكن اختيارى لرجل مصرى بسيط يمكن أن تجده مثلا يعود لبيته بحزمة جرجير وبطيخة وقت الظهيرة.. وعذبنى الحب وتعذبت به ويا قلبه اللى عمره ما ذاق يوم حلاوة الحب وهناوته.. وذقت الحب وهناوته كما لم تعرفه امرأة على وجه البسيطة.. والحب مثل زهرة تحتاج دائما أن نرويها ونطعمها وإلا ذبلت وماتت مثلما يموت البشر ويموت كل حى.. والحياة قد تراها طويلة ولكنها قصيرة مهما طالت. وكانت أمى تقول يا ابنتى الدنيا غرورة وهى مثل المرأة اللعوب تظهر زينتها لكل فرد وتخايله وتغازله.. وعندما يجرى عليها تجرى هى وتهرب.. وعندما تتركينها تأتى هى لك وتترمى تحت رجليك.. واللى متلفح بها عريان.. والناس كلها تجرى وراء الدنيا للحصول على كل مغانمها ومش فاهمين الحكاية. ومع كل فالحياة نعمة أعطاها الله لنا يجب الحفاظ عليها والحفاظ على أنفسنا وعلى حواسنا وعلى أبداننا سليمة معافية لأن الله سيحاسبنا عليها.. قال تعالى:( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) حلوة مرة عيشها فهى حياة ,وعلى ظهر الأرض أعتقد أنها أفضل بكثير من الحياة تحت الأرض.