ما حدث ويحدث فى مصر خلال الأسبوع المنقضى فى ميدان التحرير وشارع محمد محمود وفى ميادين أخرى عديدة، وحول مديريات الأمن وأقسام الشرطة فى الإسكندرية والسويس والإسماعيلية ومحافظات أخرى كارثة.. أو هى حلقة فى مسلسل الكوارث والأزمات التى تنزل فوق رءوسنا جميعا فى الشهور والأسابيع الأخيرة، وهى كوارث تقف خلفها أزمات.. أزمة فى عقولنا.. وأزمة فى ضمائر البعض منا.. حكاماً ومحكومين، ويمكن أن تضيف إلى ما سبق أزمات الجهل والريبة والطمع فى تحقيق مصالح سياسية أو حزبية ضيقة.. والغريب أن عميان السلطة هؤلاء يقودون الشعب المبصر. من أين نبدأ ؟! سُئلت فأجبت، من توصيف ما حدث والبحث عن أسباب حدوثه، وليس من القفز على المسببات إلى البحث عن خروج آمن من هذا الكابوس الذى تعيشه مصر منذ يوم السبت 19/11، والسؤال والجواب جاءا فى اللقاء الذى استضافتنى فيه إحدى الفضائيات وقاسمنى شطره علاء غراب عضو الهيئة العليا لحزب الوفد. (1) قبل أن يكتب الطبيب روشتة العلاج لابد أولا أن يشخّص حالة المريض، والحالة المصرية الآن ليس لها وصف إلا أنها «فتنة».. لماذا؟ لأن الحق اختلط بالباطل، والصدق بالكذب، فصارت فتنة مثل قطع الليل المظلم.. هل هذا وصف أصولى؟.. لنتجاوزه سريعا إلى الواقع الذى نعيشه.. والشرارة التى اندلعت عندها الأحداث مع طرح الحكومة ممثلة فى وزيرها للتنمية السياسية والتحول الديمقراطى الوثيقة الحاكمة للدستور، تلك الوثيقة التى رفضتها كل الأطياف السياسية اللاعبة على المسرح، لأن كل طرف رأى فى بنود الوثيقة وجه خصومه.. من هذه الأطراف أو القوى من رفضها بسبب ما ورد فيها من نصوص أو بنود رتبت حقوقاً لمؤسسات فى الدولة مثل الجيش أو القضاء تعلو بها على الدولة ذاتها وسيادتها، ومنهم من رأى فيها خصما من حريات مثل حرية الصحافة.. كانت هذه هى الأسباب المعلنة للرفض، والحقيقة أن الجناحين الرئيسيين اللذين تدور بينهما المماحكة وأقصد بهما الإسلاميين والليبراليين الجدد رفضا الوثيقة لأنها لا تلبى طموح كل منهما المتعلق بتوجه الدولة المصرية فى المرحلة القادمة، أو تلبى – من وجهة نظر كل طرف - طموح الطرف الآخر على حسابه، هذا مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك تفاوتا بين قوة وحضور كل من التيارين بشكل حقيقى فى الشارع المصرى، الإسلاميون لديهم حضور وسيطرة أكبر على الشارع، والليبراليون اكتفوا بالرطن فى وسائل إعلامهم الخاصة التى أنشأوها لمثل هذا اليوم، وفى الأسابيع الأخيرة تحديدا ومن موقع يأس صاروا يمارسون الشحن والدفع وقد يئسوا من الحصول على السلطة أو النجاح فى القفز عليها والأخذ بزمام التغيير، ناهيك عن الأغلبية فى الانتخابات القادمة، يقابل هذا الصراع على السلطة تباطؤ من المجلس العسكرى والحكومة فى الاستجابة لمطالب ثورة 25 يناير.. الثوار الرومانسيون الحقيقيون الذين أنجزوا الثورة وتقدموا الصفوف وسقط منهم الشهداء والجرحى، وعادوا إلى أعمالهم وبيوتهم بعد أن أسقطوا رأس النظام وأركانه الرئيسية، ينتظرون ثمار ثورتهم ويستعجلونها، ولديهم بعض الحق لأنهم أرادوها ثورة شاملة.. وبينما الحكومة تعمل يوما بيوم لترقيع ثوب الدولة المهترئ الممزق جراء 30 عاما من حكم الفاسدين لا يعرف أحد من الشعب ماذا تطبخ الحكومة؟ أو ماذا أنجزت؟ وبالتزامن لا يريد المجلس العسكرى أن يغامر بقرارات ثورية قد تكلف البلاد ثمناً من استقرارها أو سلامها سواء على مستوى الداخل أو الخارج، وهو يريد أن تلقى كل قراراته وخطواته رضاء بالإجماع من كل القوى السياسية، هذا ما تعرفه مؤسسة الجيش التى لا تلعب سياسة ولا تعرف إلا اللونين الأسود والأبيض، الصح والخطأ وإطاعة الأوامر وتنفيذها.. لا تعرف اللون الرمادى، أما السياسيون فلديهم أساليب أخرى للصراع والسيطرة على عقول الأتباع ومغازلة الخصوم والضرب تحت الحزام وإذا كان الجيش يقف أمام أحلامهم وطموحاتهم فى السلطة فلابد أن يخرج من المعادلة ويترك الميدان للإخوة الأعداء.. ميدان التحرير وكل ميادين مصر، لا يهم.. فالمتنافسون على السلطة وكرسى البرلمان لا يهمهم أن تكون فوضى أو تسيل دماء، هم يجلسون فى مقارهم المحروسة والمؤمّنة ويتحركون بحراس أمن و«بودى جارد» ومنهم من يخرج علينا فيعزينا مقدما عن الفوضى المحتمل وقوعها بأن يذّكرنا بالثورة الفرنسية التى استمرت أعواما واستهلكت مليون ضحية وطيرت رقاب عشرات الألوف من الشعب الفرنسى تحت المقصلة أو أزهقت أرواحهم رميا بالرصاص أو طعنا بالسكين، فهذه هى الحرية الحمراء وهذا ثمنها هم يعبئون الشباب بهذا السحر ويقودونه إلى الموت فداء لأطماعهم، وعندما يسقط بين صفوف الشباب فى ميدان التحرير أو الميادين الأخرى الجريح الأول والشهيد الأول تطير عقول الشباب.. فهم يريدون الثأر لصديقهم وشهيدهم وأخيهم فلا يجدون أمامهم إلا الشرطة التى تغذوا على كراهيتها من كليبات «اليوتيوب» و«بوستات الفيس بوك» والصفحات مجهولة العنوان على مواقع التواصل التى تفبرك أخبارا وأفلاما، فإذا ما أضفنا كل ما سبق إلى غباء بعض قادة الداخلية أو القائمين على الحكم فى التعامل مع الأحداث، مثلما حدث يوم السبت 19/11 لفض اعتصام ما قيل إنهم أهالى شهداء ومصابون أو حتى بلطجية ليس لهم حقوق فى هذه التعويضات إذا وضعنا كل ما سبق أمام عقولنا لفهمنا، كيف يتم استدراج الشرطة والقائمين على السلطة لإدخالهم فى صدام مع الشعب وإسقاطهم فى عيون الشعب وفى عقله حتى لا تكون هناك سلطة حاكمة فى هذا البلد. (2) ومن قبل ومن بعد 25 يناير غابت الدولة ومؤسساتها وتركت أبناءها من الشباب للإعلام البديل وفضاء الكراهية التخيلى وإعلام القوى السياسية اليائسة، هذه القوى التى دفعت وخططت للمواجهات الأخيرة أمام مديرية أمن الجيزة وفى مأساة ماسبيرو.. وأصبح سؤال: من يريد إسقاط سلطة الدولة بكلياتها.. ولماذا؟! سؤال سخيف من كثرة ترديده، يحتاج إلى إجابة عاجلة وقاطعة وباترة من الجالسين على مقاعد الحكم حتى لا يتهمهم الشعب بأنهم وراء تلك الأحداث ليطول أمد جلوسهم على كراسى الحكم. (3) سئلت: هناك من يحمّل التيار الإسلامى سواء كانوا الإخوان أو السلفيين وزر ما حدث.. فهل كانت هناك مبررات لنزولهم إلى ميدان التحرير يوم الجمعة قبل الأخيرة 18/11؟ فقلت: إن ما حدث من الإسلاميين خطأ لا يغتفر .. خطأ استراتيجى تم استدراجهم إليه وليس له أى مبرر خاصة بعدما تمت التعديلات التى يريدونها على الوثيقة قبل يوم الجمعة 18/11، ثم إن الوثيقة غير ملزمة فى الأساس وكان يجب على هذا التيار أن يتوقف فورا عن استعراض القوة والحضور. سئلت وشريكى الذى يقاسمنى الحوار: بماذا تفسران العداء الدائم بعد ثورة 25 يناير ما بين الداخلية والمواطن المصرى؟ قال شريكى كلاما كثيرا ملخصه أن ممارسات الشرطة واستخدامها للقوة المفرطة هى السبب.. وقبل أن أشرع فى الإجابة عن نفس السؤال السابق سألت شريكى فى الحوار: أنا أعرف أنك من عائلة كبيرة من عائلات الجيزة أليس لديكم فى العائلة ضباط شرطة، فأجابنى: بلى، لدينا سبعة ضباط موزعون على كل الرتب حتى رتبة اللواء، فقلت له هل هم ذئاب أم ملائكة أم بشر عاديون مثلى ومثلك؟ فقال مثلى ومثلك.. قلت إذن فأفراد الشرطة مواطنون مصريون أقرباء لنا جميعا، أما جهاز الشرطة - كمؤسسة من مؤسسات الدولة - فممارساته فى السنوات التى خلت خاطئة بالتأكيد، وهناك 3 أسباب رئيسية وأساسية تقف وراء هذه الممارسات الخطأ، الأول هو توجيه هذا الجهاز لحماية النظام والأمن السياسى على حساب الأمن العام وأمن المواطن واعتباره أن المعارض للنظام أو الرافض له هو بالتبعية معاد للدولة وللأمن، والسبب الثانى هو الفهم الخاطئ لهيبة الداخلية ورجل الشرطة. والتصور أن هذه الهيبة لا تأتى إلا من الاستعلاء والتميز على المواطن بالسلطة التى يمتلكها، والسبب الثالث هو عدم امتلاك هذا الجهاز من الإمكانات الفنية والعلمية ما يضمن له الإنجاز فى العمل واعتماد رجال الشرطة على الطرق التقليدية والغبية فى انتزاع الاعترافات وحل لغز الجرائم.. والحل؟!.. قلت إعادة تأهيل وهيكلة الشرطة المصرية وأن يعى الشعب أن أخطاء الشرطة السابقة تم التضخيم منها جدا خاصة بين أوساط الشباب ومن خلال وسائل الإعلام البديل حتى يتم وضع الشرطة فى مرمى «التنشين» ويكون إسقاطها هو الهدف الأول الذى يمهد ويسهل إسقاط النظام الذى تقوم بحمايته. (4) سئلت: هل أنت مع تأجيل الانتخابات البرلمانية القادمة؟! فأجبت: إذا توافقت القوى الوطنية يمكن تأجيل الانتخابات أياما أو أسابيع قليلة حتى تهدأ الأمور، وهناك حل آخر سمعته من مواطن قناوى بسيط تحدث به للإذاعة ويتلخص فى أنه إذا كان لابد من إجراء الانتخابات فإنها تتم فى كل محافظة على حدة وحتى لا تتشتت جهود الأمن والجيش بين أكثر من موقع يحتمل أن تشتعل الأحداث فيها أو فى بعضها، ويمكن أن تجرى فى أيام متتالية حتى لا تبتعد المسافات الزمنية.