فى السويس شهيد طرح نفسه مرشحا للانتخابات القادمة.. وهناك يافطة تحمل اسمه ورمزه.. ماهر أحمد يوسف رمز «البوتاجاز» عمال مستقل، وأعلى الاسم والرمز عبارة: «من شهداء السويس».. البوست وصلنى على صفحتى الخاصة على موقع ال «فيس بوك»، وتوالت عليه التعليقات الساخرة، شخص اسمه طارق عبدالفتاح علق:«ده حسب الحكمة الشهيرة لبوحة الصباح «تصدق سلخت قبل ما أدبح».. لكن يبدو أن هناك خطأ فى الموضوع حاول أن يصححه شخص آخر فيوضح أن هناك منطقة فى السويس اسمها «شهداء السويس» وهذا هو اسم الدائرة التى رشح فيها رمز البوتاجاز نفسه، لكن دخل على خط التعليقات آخر ونفى ذلك فكتب: «هذا غير حقيقي..السويس ليس فيها دائرة بهذا الاسم..ده شخص مدعى يتمسح فى الشهداء»، ولأننى لست من السويس وليس لدى فائض من الوقت لأشد الرحال إليها أو أعرف أحدا من أهالى السويس الذين يعيشون فى العاصمة منذ أيام التهجير بعد حرب 67 ويعرفون خارطة محافظتهم فلم أجد من يخبرنى بحقيقة حكاية الشهيد رمز البوتاجاز التى ضاعت بين الإثبات والنفى والجد والهزل، وكم من الحقائق فى مصرنا المسكينة الآن تضيع ويٌضيع معها سلامنا وأمننا الداخلى والخارجى واطمئناننا إلى اليوم والغد القريب والبعيد. وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور القادم الذى مازال فى رحم الغيب أو المبادئ فوق الدستورية هى حكاية أشبه بحكاية الشهيد رمز البوتاجاز، فقد ضاعت فيها الحقيقة بسبب الاستغراق فى مناقشة التفاصيل والاختلاف عليها. والذى حدث أن د.على السلمى راح يبحث عن عمل أو وظيفة لمسماه الوزارى الذى يحمله: «التنمية السياسية والتحول الديمقراطى»، ويبدو أنه توصل إلى قناعة بأن التغيير لابد أن يأتى من فوق.. من أعلى وليس من أسفل، فهو وعلى الرغم من أنه ليبرالى فمن الواضح أنه لا يملك صبر إخوانه من الليبراليين الجدد الذين يسكنون أمريكا وأوروبا ويعتمدون فى تغيير الشعوب المتخلفة سياسيا من أمثالنا على نظريات التغيير من أسفل، من الجذور، ويطلقون على نظريتهم «الجراس روتس»، وربما لإدراك د.السلمى أنه ينتمى إلى حكومة تسيير أعمال وهى حكومة على كف عفريت.. والعفريت هو الشعب الذى ثار وطلع القمر بثورته عندما أسقط النظام، لكنه لم يصعد إلى أكثر من السماء الدنيا ولم يصل إلى السماء السابعة بصوت زئيره ودعائه، الشعب غيّر النظام الديكتاتورى ولم يتغير هو، أسقط حسنى مبارك ولم يستطع أن يسقط عسكرى مرور مرتشٍ، لأنه مستفيد من رشوته.. أراد فواجه مبارك وأركان حكمه ولم يرد أن يواجه نفسه وأنانيته وأطماعه الصغيرة.. وعلى هذا الأساس فهو فى قرارة نفسه يرفض الديمقراطية وسلوكها لأنها تهدد عرشه الكاذب ومصالحه الضيقة، من يغير سلوك هذا المواطن الذى هو أنا وأنت وكثير من المصريين؟! وما هى وسائل التغيير وآلياته التى لابد أن نخضع لسلطانها جميعا؟! هذه خطة تحتاج إلى عمل كثير.. سنوات وصبر.. وتربية وتعليم فى المدرسة والجامع والكنيسة والتليفزيون والصحف والراديو وأهم من هذا كله القدوة، والوقت.. لكن د. على السلمى ليس لديه كثير مما سبق، وأهم ما يفتقده أو مالا يملكه هو الصبر والوقت، هو يريدها الآن وحالا دولة ليس للدين دور فيها، سمها مدنية أو علمانية أو ديمقراطية، المهم ألا تكون إسلامية لأنه يعتقد مثل إخوانه من الليبراليين الجدد أن الدولة الإسلامية هى دولة دينية.. والثورات الأوروبية سبقته وفعلت ذلك، حبست الحلال والحرام بين أربعة جدران وطردت الكنيسة من الحياة اليومية وطاردت رجال الدين وطردتهم بدعوى تطهير السياسة والدين من الخرافات والطغيان، والذين سجلوا أحداث الثورة الفرنسية المؤرخ الإنجليزى سير والتر سكوت والكاتب أ.رامزى وغيرهما، وصفوا البشاعة التى تم فيها الدفع بالمجرمين الذين تم إطلاق سراحهم من سجن الباستيل والهمجيين الذين تم شراؤهم بالأموال وشحنهم بالدعايات الكاذبة إلى الشوارع لارتكاب أعمال الذبح والتقتيل والاغتصاب العلنى بين جماهير الشعب الفرنسى فى الوقت الذى قامت فيه حكومة باريس الثورية التى تسمى «الكومون» بتجميع الشخصيات السياسية ورجال الكنيسة رءوس الإلكليروس وسجنهم فى دير اليعاقبة بباريس تمهيدا للتخلص منهم بالقتل. *** أما د. على السلمى فقد رأى مصير سابقه د. يحيى الجمل ولم يرد أن يلقى مصيره، ولكنه فى نفس الوقت أمين لمبادئه الليبرالية ويريد أن ينجز ولو خطوة فى طريق التحول الرسمى نحو الليبرالية، يريد أن يضع الدستور القادم فى قفص حديدى ولا يتركه للإخوان والسلفيين القادمين للحكم والتشريع عبر البرلمان القادم.. أو هو يريد أن ينجح فيما فشل فيه الدكاترة البرادعى وعمرو حمزاوى وأسامة الغزالى حرب وحركة 6 إبريل، فقرر أن يصدر وثيقة يرضى فيها نفسه ويرضى فى نفس الوقت كل القوى السياسية المتصارعة الآن على السلطة، يرضى الإسلاميين بالإبقاء على المادة الثانية من الدستور الساقط المتعلقة بمبادئ الشريعة، ويرضى الجيش بأن يمنحه سلطات أعلى من سلطات الدولة، ويضمن به فى ذات الوقت حماية علمنة الدولة وليبراليتها استلهاما من التجربة التركية. أراد السلمى أن يرضى الجميع فنال سخط الجميع، واضطر هو وحكومته أن يتراجعا عن المواد المتعلقة بدور الجيش ويتراجعا عن النظام الذى تم وضعه لاختيار أعضاء المجلس التأسيسى الذى سوف يضع الدستور، ويجعلا الوثيقة استرشادية يعنى يمكن الأخذ بها أو بجزء منها أو رفضها كلية وتجاهلها حسبما يرى أعضاء الجمعية التأسيسية عندما يجتمعون ويقررون.. وإذا كان الأمر كذلك يا دكتور سلمى ففيم كانت العجلة والجلبة والصخب من البداية؟ وما بال د.شرف رئيس الوزراء وكل الدكاترة الذين عينوا من أنفسهم أطباء وجراحين لمصر المريضة الآن ولم يكتفوا بتشخيص أمراضها ولكنهم دفعوا بها إلى غرفة العلميات وراحوا يقطعون فى جسدها بمشارطهم وكل واحد يصرخ أنه سوف يهب لها الحياة.. وأخشى ما أخشاه مثل كثير من المصريين أن تصيبوا مصر بعاهات لا تبرأ منها فى المستقبل فنعيش نحن وأنتم معتلين. *** «أفضل الثوريين شاب مجرد من الأخلاق» وهذا مبدأ آخر ذاع واشتهر إبان الثورة الفرنسية التى يقال إن الماسونيين هم الذين خططوا لها وفجروها وهناك أكثر من دليل على ذلك لعل أكثرها ذيوعا هو أن الشعار الذى وضعته الثورة هو نفسه شعار الماسونية «الحرية الإخاء المساواة»، وهو شعار كما ترى إنسانى فضفاض لا يمكن أن ترفضه لكنه فى الواقع العملى يسقط بجدارة ويرسب الذين رفعوه عندما يتحولون إلى ديكتاتوريين أو فوضويين متجردين من الأخلاق ورافضين للآخر وقيمة الاختلاف.. وأهم من كل ما سبق صدورهم فى أفعالهم عن فهم خاطئ تماما للحرية كقيمة إنسانية سامية ونبيلة بينما يفهمها أكثرهم على أنها حرية التصرف فى الجسد أو التحرر من الملابس بمعنى التجرد منها.. فعلتها واحدة من نشطاء 6 إبريل على مدونتها الخاصة فكانت أول مدونة يحذر موقع «جوجل» من هم دون الثامنة عشرة من العمر من الاطلاع عليها لأنها تحتوى على مواد وصور غير مناسبة، وجوجل الموقع الغربى يرى أن عدم البلوغ الجنسى الكامل فقط هو الذى يمنع الاطلاع على عورات الثائرة، لا قيمة أخرى مثل الحياء أو العفة مثلا تمنع ذلك، وناشطة 6 إبريل العارية نسبت نفسها على مدونتها لأمها وليس لأبيها واليهود أيضا يرون أن النسب الحقيقى للأم وليس للأب لأن الأبناء قد يكونون أولاد حرام فهم متأكدون من أمهاتهم أما آباؤهم فلا.. وكانت قد سبقتها فى ذلك د.نوال السعدواى وابنتها وسوف تفعل ذلك أخريات وآخرون مثل هذه السخافات التى تحولت من فعل إزعاج إلى فعل هزلى تماما مثل يافطة المرشح الشهيد رمز «البوتاجاز» هؤلاء الذين سوف يمرون فى حياتنا وحياة الآخرين دون أن يتركوا أثرا حتى ولو رقصوا عراة أمام الجميع أو أشعلوا النار فى أنفسهم وماتوا محروقين بنيران «بوتاجازهم».