صرخة استغاثة يطلقها شارع المعز لدين الله الفاطمى بعد أن تحول على أيدى الباعة الجائلين وأصحاب المقاهى والمحلات إلى سوق تجارى يضج بالفوضى، بعد أن كان متحفاً مفتوحاً يأتى اليه السائحون والزوار من كل مكان ليشاهدوا التنسق المعمارى المتميز ومجموعة الآثار التى يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام.. وهكذا.. بين عشية وضحاها.. فى شارع المعز الذى يضم العمائر الاسلامية الحربية والدينية والاجتماعية والتعليمية ومجموعات السلطان قلاوون والسلطان الغورى وقصر الأمير طاز وقصر الأمير بشتاك وجامع ابن طولون وجامع المؤيد شيخ وباب النصر وباب الفتوح وسور القاهرة والمدرسة الكاملية.. كل هذا الآثار وغيرها الكثير أصبحت مهددة بالضياع والدمار فى ظل الغياب الأمنى ولا مبالاة المسئولين عن هذه المنطقة الآثرية المهمة والتى تكلف تطويرها 1,86 مليار جنيه. وحين قامت بالتعاون مع هيئة اليونسكو بحملة قومية لصيانة وترميم وتطوير آثار شارع المعز لإعادته إلى رونقه القديم بعد الانتهاء من تطوير البنية التحتية للتأكيد على طابعها التاريخى الفريد تم بدء تطوير الشارع من بوابة الفتوح وحتى تقاطع شارع الأزهر بطول 1400 متر وتم ترميم 33 أثرا وتم الانتهاء من ترميمه وافتتاحه فى فبراير 2008 بتكلفة بلغت المليار و860 مليون جنيه ليصبح أول شارع مخصص للمشاة وحدهم. وشملت عملية التطوير جميع واجهات المنازل والمحلات المطلة على جانبى الشارع، وكذلك رصف أرضياتها بالجرانيت الأسود الأسوانى لمساحة سبعة آلاف وخمسمائة متر مربع، كما تم عمل الأرصفة بترابيع الجرانيت كما يطلق عليها الجندولا لمساحة بلغت أربعة آلاف وتسعمائة متر مربع، وكذلك عمل ما يسمى بالبردورة من الجرانيت الجندولا لمساحة ألفى وتسعمائة متر طولى. وتمت إنارة الشارع بالفوانيس والكوابيل المصنعة خصيصاً على الطراز القديم الكلاسيكى الذى يتماشى مع عصر الآثار الموجودة به، وبهذا تم تحويل الشارع إلى متحف مفتوح للآثار الإسلامية فى سابقة تعتبر الأولى من نوعها فى مصر، وللحفاظ على شكل الطراز الإسلامى، أغلق الشارع أمام السيارات وتم فتحه للمشاة فقط كمزار سياحى وذلك بطول كيلو متر من شارع الأزهر حتى باب الفتوح وربطه بالشوارع الجانبية والأزقة من خلال السلالم والمنحدرات الطبيعية للمكان. لكن لم تمر ثلاث سنوات فقط حتى تحول الشارع الأثرى والسياحى المميز بمصر إلى سوق تجارى تم القضاء على ملامحه الأثرية والحضارية من قبل الباعه الجائلين، ولم يعد ممكناً للزائرالاستمتاع بالسير فى هذا الشارع كما تعود من قبل، وربما لا نستطيع رؤية جمال المعالم والآثار الإسلامية، لأن هناك من يعمل على تشويهها بسرعة مذهلة ليجعلنا نترحم على بريق مكان ليس له مثيل فى العالم. وقد أصبح شارع المعزالآن مهددا بالاغتيال يوميا جراء أعمال الفوضى والتخريب التى سادت المكان فى ظل غياب أمنى مما سهل مهمة البلطجية وبعض أصحاب المحال والمقاهى والباعة المتجولين فى الاستيلاء على الشارع بشكل سافر، حتى بدا يعود الوضع كما كان عليه قبل الترميم، عندما كان الشارع مهملا وتكاد تنعدم فيه الخدمات. وفى جولة بشارع المعز لاحظنا تحول الشارع من منطقة مشاة إلى ممر لسيارات النقل والعربات والدرجات البخارية ، كما اختفت إجراءات التأمين والاستقبال عند بوابة الفتوح، حيث كان الزائر للمنطقة يتمكن من الاطلاع على تاريخ الشارع وآثاره،عن طريق إدارة تتكون من أثريين كانوا يتواجدون للإدلاء بأية معلومات عن الآثار وكانت هناك إداراتان للنظافة والأمن بشكل دائم، بعد الاتفاق مع شركة أمن متخصصة تقوم بتوفير 100 عامل لشارع المعز يعملون من خلال 3 دوريات على مدار الساعة، وتوفير سيارتين لتنظيفه 5 مرات طوال اليوم حفاظا على جمال الشارع وطابعه الأثرى الفريد. ولكن كل هذه الميزات التى كانت سمة المكان الأثرى اختفت تماما، كما توقفت السيارات الكهربائية التى كانت تنقل السياح، ليتبدل الحال بانتشار الباعة الجائلين على أرصفة الشارع بأكمله وكذلك عربات الكارو التى تحمل الخضار. ولعل الصور المنشورة بالصفحة تكون صرخة استغاثة لإنقاذ أحد أهم المعالم الآثرية فى مصر.