إن التصريحات الأخيرة للسيد الرئيس ميلس زيناوى رئيس الوزراء الأثيوبى أثناء زيارته المهمة لمصر، والتى جاء فيها أنه لا يمكن أن تضار مصر بأى مشروع مائى فى أثيوبيا وأن سد الألفية التى تزمع أثيوبيا إنشاء سوف يخضع المشروع بالكامل إلى لجنة خبراء مشكلة من البلدين وبمشاركة الأطراف المعنية فى دول حوض النيل لدراسة المشروع من كافة جوانبه.. وإذا ما تبين أن هناك ضررا سوف يقع على حصة مصر أو السودان من مياه النيل.. فإنه أى الرئيس زيناوى والحكومة الأثيوبية سيقومون بدراسة إجراء التعديلات حتى لا يقع هذا الضرر.. واردف رئيس الوزراء الأثيوبى أن العلاقات المصرية الأثيوبية متصلة عبر التاريخ ولا يمكن انفصالها أبدًا.. وقد حيا الرئيس الأثيوبى الثورة المصرية والشعب المصرى والذى وصفه بالصديق الحميم لأثيوبيا.. ليس هذا فحسب - بل إنه أى الرئيس زيناوى - قرر تعليق التوقيع على الاتفاقية الإطارية لمياه حوض النيل - وهى الاتفاقية التى رفضتها مصر والسودان، وقد تم إرجاء البت فى التوقيع على هذه الاتفاقية إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى مصر.. الله على الشعب الاثيوبى الشقيق وحكومته الرشيدة.. الله عليك يا زيناوى - هكذا أثيوبيا التى نحبها هكذا حبشة الخير التى تأتى مع فيضان النيل العظيم.. إن إكسير الحياة الذى يأتى من الهضبة الأثيوبية محمولًا على ذرات الغرين والطمى الأسود ولا يمكن أن ينقطع أبدًا.. لأن مياه النيل تحمل مع تدفقها سيلا من الحب والمودة يربط كل دول الحوض العظيم.. إن المصريين عبر تاريخهم المجيد يقدسون كل ما يأتى مع النيل.. المياه الطمى بذور الخصب والنماء، فهو حابى الإله عند قدماء المصريين، صانع الحضارات عند المؤرخين، وقد قال المؤرخ الإغريقى القديم «هيرودوت» مصر هبة النيل على ضفافه قامت أعظم الحضارات فى التاريخ بداية من الحضارة الأثيوبية والتى قامت على أعظم الهضاب فى أفريقيا - هضبة الحبشة - مرورًا بحضارات دول حوض النيل جميعًا ليتوج النيل مسيرته العظيمة بالحضارة المصرية القديمة والتى هى أم حضارات الدنيا وأقدمها على الإطلاق. وقد توج ذلك بحب المصريين للحبشة فقد وصفوا النيل بأنه «نجاشى»، وهذه الكلمة كانت عبر التاريخ العربى فى مصر تطلق على إمبراطور الحبشة - أى أن النيل إمبراطور يأتى لزيارة مصر كل عام حاملًا معه الفيضان بالخير والنماء فوجب علينا احترامه والاحتفاء به وتقديسه.. بل إن المصريين كانوا ولايزالون حتى الآن يسمون أبناءهم بأسماء منسوبة إلى الحبشة، فنرى الكثير من أبناء مصر يحملون أسماء حبشى وحبشية..حدث هذا ولايزال يحدث وسوف يستمر إلى الأبد إن شاء الله.. وفى العصر الحديث كان اهتمام مصر بأثيوبيا له طابع خاص، فقد كان أول فرع للبنك الأهلى خارج مصر هو بنك الحبشة - بل إن أول عملة أثيوبية وطنيه تم سكها بمعرفة البنك الأهلى المصرى.. كما أن البعثات التعليمية المتبادلة بين مصر ودول حوض النيل وخاصة أثيوبيا كان له عميق الأثر فى عقلية المثقفين والأدباء والسياسيين وقد انعكس ذلك على توثيق عُرى المحبة والإخلاص والود المتبادل.. إن مصر لم تكن بعيدة عن مشاركة إخوانها فى أفريقيا من أجل الحصول على الاستقلال بل شاركت الجميع وقدمت العون المادى والسياسى، بل العسكرى أيضًا.. وأعود إلى الزيارة الكريمة للأخ ميلس زيناوى وأقول له إن عتاب الأحبة يعمق أواصر الإخلاص، كما أن الصراحة والمكاشفة والصدق فى عرض ومناقشه المشاكل هو طريقنا الوحيد فى بناء علاقات جديدة مع الشعب الأثيوبى العظيم وحكومته الرشيدة.