كان لنا حظ الاستماع إلى آخر ما قاله أديبنا الكبير الراحل خيرى شلبى عندما استطلعنا رأيه مع آخرين لنستنير بآرائهم فى قضية طرحناها للمناقشة وهى هل سيتغير مضمون الإبداع وأحوال الأدباء بعد الثورة المصرية الرائعة؟ وكانت هذه إجابته وإجابتهم.. قال الأديب الكبير الراحل خيرى شلبى: إن مضمون الإبداع قد يتغير بعد ثورة 25 يناير لأن الأدب يتأثر بما يحدث بالمجتمع وليس من الضرورى أن يتغير عن طريق ثورة، فالإبداع صدى لحركة المجتمع. أما بالنسبة للأدب الروائى فإن تغيير مضمونه سوف يستغرق وقتا طويلا حتى تستقر الأمور على عكس الإصدارات السريعة ضعيفة العمق وقد نجدها بسهولة فى بعض الكتب وسينما المقاولات (التجارية) وهى فى رأيى أعمال بلا قيمة. وأضاف شلبى: أن القارئ يقوم على استخلاص الحكمة من الأعمال الأدبية. لذلك ينبغى أن يكون التغيير بطيئا، فحتى الآن لا يوجد عمل أدبى عن حرب أكتوبر ولا حتى عن نكسبة 67 وكل ما صدر يعتبر سيرا لبعض أبطال الحرب. إنما الحرب نفسها لم يصدر عنها أعمال أدبية حقيقية على الرغم من مرور عقود على انتهائها. وقال شلبى: إن الأدباء المصريين والعرب من أتعس الأدباء فى العالم كله، لأنهم لا يتكسبون من أعمالهم الأدبية حتى كبار الكتاب منهم فلا نزال ننفق على الأدب من قوت أولادنا، فأكثر مبلغ من الممكن الحصول عليه من دور النشر الحكومية مثل الهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة وغيرها 500 جنيه فقط، أما دور النشر الخاصة فإنها لا تعطى مقابلا. بل تأخذ من الأديب أموالا طائلة، هذه المسألة تحكمها حالة اقتصاد مصر المتردية وبالتالى تنعكس على الأدباء. وأشار إلى أن أصعب ما يواجه الثورة هو تغيير المفاهيم لأنها تتطلب تغيير فكر المجتمع بأكمله وفى كل المجالات السياسية والفكرية وأهمها التعليمية. تفاؤل حذر ويقول الأديب الكبير يوسف الشارونى رئيس نادى القصة: سيحدث تغير فى المضمون الإبداعى، لكن سيكون بعد فترة كبيرة جدا، فالإبداع نوعان عبادة ونقد، فالعبادة مثل شعر حسان بن ثابت فى الرسول صلى الله عليه وسلم، ورسومات مايكل انجلو بالفاتيكان، أما النقد فهو محاولة للقيام بما هو أحس، لكن غير متفائل بصورة كبيرة، فأنا عمرى 87 عاما شاهدت ثورة 1952 بعد نجاحها، كنا متفائلين جدا بسبب البداية الجيدة التى سرعان ما تراجعت، هذا الموقف تكرر مع بداية كل مرحلة جديدة أو بتولى رئيس جديد للبلاد يبدأ بحماسة زائدة وإيجابية ثم ينتهى سلبيا، لذلك فإننى أخشى أن تنتهى نشوة الفرحة بنجاح ثورة 25 يناير سريعا. وقد احتفلت اليابان منذ سنتين بمحو أمية آخر يابانى فى الكمبيوتر، ويدلل الشارونى على أهمية التعليم والثقافة فيؤكد على أن الشباب الذين قاموا بالثورة خاصة بميدان التحرير كانوا كلهم متعلمين وأحب أن أطلق عليهم «كريمة المجتمع». ويضيف الشارونى: القضاء على الأمية بالعالم العربى ستزيد نسبة القراءة ومن ثم توزيع الكتب والصحف، فوضع الأديب أو الكاتب العربى حاليا مأساوى جدا لأنه لا يقتات من كتاباته إلاما ندر. هذه المشكلة قد تتغير بتغير أسلوب وسائل الاتصال فى تناولها لقضايا الأدب والأدباء، والتغيير قادم لا محالة بعد أن حدث فى 4 مرات من قبل، فبعد أن كان يعتمد على الأذن فى سماع السير الشعبية والشعر تطور إلى الاعتماد على العين بعد ظهور الطباعة عن طريق القراءة، لذلك ظهرت القصة والرواية فكلاهما لا يلتزم بالقافية التى كانت ضرورة شعرية وتطورت الوسيلة خلال العصر الثالث من خلال الاعتماد على الأذن والعين مع ظهور التليفزيون، أما العصر الرابع فهو الانترنت وهو ما لم تفهم خصائصه بعد وألا يمتد إلى العمل الأدبى لأنه مرآة الشعب، حيث توجد تحديات عديدة تواجه تغير شكل ومضمون الإبداع أهمها نسبة الأمية الكبيرة بمصر وبكل الدول العربية والتى تصل إلى 40% من إجمالى عدد السكان وأغلبية المتعلمين لا يقرأون. هذه مسألة مهمة لأن الديمقراطية لا تتحقق إلا فى مجتمع متعلم وليس أمياً، وهذا تجلى عند بداية تولى رؤساء مصر السابقين السلطة، حيث وعد كل منهم بالبقاء فى المنصب لفترة رئاسية واحدة وهو ما لم يتحقق، لذلك أرى أن الحاكم ضحية لمن حوله، لأنهم غير متعلمين أو مثقفين، فأنا أنادى بمحو الأمية أولا مثل ما فعل كاسترو فى كوبا، حيث أعطى إجازة لمدة سنة لطلاب المدارس والجامعات على أن يتكفل كل منهم بتعليم 20 مواطناً بتلك السنة حتى أصبحت كوبا بدون أمية، فالأمية نوعان أبجدية وثقافية. تغير سريع وقال الروائى الكبير محمد جبريل إن المضمون الشعرى قد يتغير بسرعة، لكن الرواية والقصة القصيرة والأعمال المسرحية ستأخذ وقتا طويلا لأنها تعتمد على الاختيار والتأمل بينما يعتمد الشعر على الأنفعال، لكن إذا وجد ما يحض على الكتابة فيخرج أكثر من عمل. وأبدى جبريل تشاؤمه من إمكانية حدوث تحسن فى أحوال الأدب والأدباء بمصر. وقال لو تغيرت الأوضاع أو تم القضاء على مشكلاتنا سأضع على مقام السيدة زينب شمعة، فالشللية مثلا مرض متوطن بالمجتمع أكثر من مرض مبارك فهذا جزء أساسى من تكوين الشخصية المصرية التى تحتاج إلى وقت كبير حتى تتغير لأنها مثل الأمراض الخبيثة. وأستطيع أن أقول إنه إذا تم القضاء على الأمراض الخاصة بالنشر وتم القضاء على الشللية الموجودة بتوزيع الجوائز خاصة الكبرى منها ستكون معجزة بكل المقاييس وإنجازا جديدا يحسب لثورة 25 يناير. بينما قال المفكر الكبير الدكتور عبدالمنعم تليمة مما لا شك فيه أن المضمون الإبداعى سيتغير لأننا دخلنا فى مرحلة جديدة وهى مرحلة تاريخية للوطن، هذه الثورة لها أكثر من إنجاز: أولها تحرير الوطن وتحديث المجتمع وتعقيل الفكر وتوحيد الأمة، وهذه الغايات الأربع تعثرت خلال الديكتاتوريات السابقة خلال العقود الستة السابقة، أما قبل هذه المدة ب 150 سنة كنا قد قطعنا خطوات حقيقية فى سبيل نهضة بلدنا الأدبية والثقافية والسياسية أيضا حتى جاء عصر حكم الفرد المطلق، ولم يقض عليها لكن أوقف وعطل المسار، لذا أتمنى أن تقوم ثورة 25 يناير بإنجاز هذه المهام والغايات التى تعطلت. وهذا يؤكد أن المضمون الإبداعى لكافة الفنون سيتغير.. بل مضمون حياتنا أيضا لكن هناك عددا من ألوان الأدب والفن ستحتاج إلى بعض الوقت أو التمهل حتى يتغير مضمونها مثل الرواية والملاحم والسير الشعبية كلها تحتاج هدأه، كما أن هناك فنونا أخرى وهلية سيحدث بها تغير سريع مثل الشعر والموسيقى والغناء والفنون التشكيلية مثل التى ظهرت فى قلب ميدان التحرير أثناء بدايات الثورة وبدأت هذه الفنون بالفعل إلى الاستجابة مثل الشعر والقصة القصيرة. وأضاف تليمة لا يوجد خوف من هذا التغير الذى قد يكون سريعا، ففى كل وقت يوجد دخلاء على الأدب أو فقير الموهبة، لكن يوجد أيضا الأصلاء والموهوبون وهذا متروك للزمن أن يفرزه، وللدراسات أن توضحه، والأهم من هذا وذاك هو أن الذائقة العامة أو الشعبية هى التى تفرز المضمون الفنى الجيد من الفقير. وكنا قد لاحظنا التفاعل الشعبى مع عدد من الأغانى الوطنية والقصائد الشعرية بعد ثورة 25 ورفض أيضا عدد كبير من الفنانين الكبار إذا فالذوق الشعبى هو المعيار الحقيقى لتقييم الأعمال الفنية والأدبية. موقف الشاعر بينما يختلف معهم الشاعر سمير عبدالباقى، حيث قال إن تغيير المضمون الإبداعى للشعر سيحتاج بعض الوقت باستثناء الشعراء «الفوريجية» الذين «يركبون» الموجة، وهذا النوع من الشعر استهلاكى فقط ولا يمت للشعر الجيد بصلة لأن الشعر تكوين ومع ذلك فمن الممكن أن تتغير نوعية المحتوى لدى الشعراء الذين كان لديهم مواقف ضد النظام أو كانوا مناضلين، بالإضافة إلى مواقفه من الطبقات الشعبية. وليس هؤلاء الكتاب الذين يبيعون ذممهم للحكام العرب الأغنياء ولا يستندون إلى أى مبدأ، لذلك سمعنا أغانى ركيكة جدا، جاءت بعد الثورة مباشرة نتيجة الاستهلاك المحلى ولمواكبة الأحداث. استجابة النثر ومن جانبه يقول الشاعر سمير درويش إن النقلات الفنية الكبرى فى أى نوع أدبى تحكمه عوامل كثيرة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، لذلك فإن ثورة 25 يناير تكاد وتكون الثورة الوحيدة فى التاريخ العربى قديمه وحديثه، لابد أن تترك آثارها على شكل بناء قصيدة الشعر سواء على مستوى تركيب القصيدة أو على مستوى مضمونها، لكن ذلك سيحتاج إلى بعض الوقت ليتبلور. وأنا أعتقد أن قصيدة النثر التى ولدت فى رحم الرفض الشعبى للديكتاتوريات العربية مرشحة لأن تكون الشكل الأكثر استجابة لروح التغيير الذى أحدثته الثورة، وأرى أن ذلك بدأ يظهر بالفعل فى التجارب القليلة التى صدرت منذ يناير وحتى الآن وهى مرشحة للتصاعد بحيث تحتل المشهد الشعرى فى الفترة المقبلة. واتفق معهم الأديب فؤاد قنديل قائلا: إن تغير المضمون الإبداعى قد بدأ بالفعل فى مجال النثر والقصائد الشعرية، لكنه سيحتاج إلى وقت طويل فى الأعمال الكبيرة ذات النفس الطويل مثل الرواية والمسرح وبعض ألوان القصة، وسوف تصدر أعمال إبداعية للأدباء بعد أن تتضح التجربة أكثر ويستطيع الكتاب أن يمتلكوا القدرة على الإضافة للحدث بكامله فى كافة تجلياته وأصدائه. عندئذ ستوجد أعمال مهمة سوف تصدر من خلال الاقتباس. وأضاف قنديل أن بعض أزمات النشر من المتوقع أن تنتهى بعد ثورة 25 يناير، لأن توزيع الكتب يعانى من مشكلة أساسية وهى أن الكتاب لا يصل إلى القاعدة العريضة من القراء ويمكن أن نتغلب على هذه المشكلة من خلال إلقاء الضوء على الكتب والكتاب سواء بالصحف أو بالتليفزيون، لأن الذى يغير المجتمعات الأدب، وهو أيضا الذى يمهد للقيام بالثورات، لذلك فمن الطبيعى أن ترد الثورة الدين للأدب وتقضى على ما يعانيه من أزمات فى النشر وتوزيع الكتب وإصدار المجلات وأن تستفيد السينما والتليفزيون من الأدب، فالأعمال الحالية بها هزيلة جدا وضعيفة القيمة لأنها لا تعتمد على الرواية والقصة القصيرة، بينما فى باقى دول العالم تعتمد على هذين النوعين من الأدب، حيث يتميزان بوجود هدف ورؤية وعدة دلالات بها أعماق نفسية وإنسانية.