منذ زمن بعيد لم يخرج المصريون بتلك الصورة التلقائية لاستقبال مسئول أو حاكم أو رئيس، مثلما خرجوا لاستقبال رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، الذى سبقته حملة واسعة بين الشباب على الفيس بوك تدعو لاستقباله فى مطار القاهرة! صحيح أن الإخوان المسلمين حاولوا أن يلصقوا أنفسهم به، وأن يعطوا إيحاء أن زيت تركيا العدالة و التنمية فى دقيق مصر الإخوان المسلمين، لكن الشعارات الهزلية التى نادوا بها من دولة وخلافة إسلامية تتزعمها تركيا لم يوفقوا بها على الإطلاق ، فهى تعيدنا قرنا من الزمان وتمحو كفاح زعماء وشعب مصر حتى نال استقلاله عن دولة الخلافة العثمانية وعاصمتها اسطنبول! لكن ما لبث الرجل أن قدم الصورة الحضارية لتركيا، والتى لا يستطيع الإخوان ولا غيرهم ممن يتطلعون إلى دولة دينية أن يتقبلوها ، وهى علمانية ومدنية الدولة التركية – وحينها ظهر لنا الوجه الآخر والحقيقى لجماعة الإخوان، التى حاولت طوال الشهور السابقة أن تقنعنا بليبراليتها وسعة صدرها! قال الرجل فى هذا الصدد:«العلمانية هى وقوف الدولة على مسافة متساوية مع كل الأديان، فأنا مسلم أعيش فى دولة علمانية، وهذا مسيحى يعيش فى دولة علمانية، فى تركيا 99% من السكان مسلمون، ولكن هناك مسيحيين ويهود وأقليات، لكن الدولة تقف فى تعاملها معهم عند نفس النقطة»! أردوغان لا فض فوه قدم المفهوم الأقرب للعلمانية، التى أبدع الإخوان والسلفيون على حد سواء فى صبغها بصبغة الإلحاد مرة والكفر مرة أخرى، وكل معنى يمكن أن ينفر المجتمع منها! لكن ها هو الفارس الذى ظلوا ينتظرون قدومه، حتى يضع أمامنا تجربة حزب إسلامى يحكم دولة إسلامية، ويقولون مصر ليست أقل من تركيا متجاهلين أن للتجربة التركية جناحًا آخر هو العلمانية، وحاولوا الإمساك بذيل أردوغان وبالتجربة التركية، حتى انهم من فرط سذاجتهم دفعوا شبابهم للمناداة بعودتنا قرنا إلى الوراء وبخلافة إسلامية تتزعمها تركيا.. فهل هذا من الوطنية؟! أما الأمر الأكثر غرابة هو تصريحات الإخوان التى أطلقها علينا متحدثهم الرسمى د.محمود غزلان، ولا أدرى من وكله للتحدث باسم الشعب المصرى قائلا أشهر عبارة فى التاريخ العربى:«مصر ليست» تركيا لأن الوضع مختلف، فدستور تركيا ينص على العلمانية، بينما مصر ضد التيارات العلمانية لأن المصريين يتوقون دوما إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو ما ينص عليه الدستور المصرى! هل علمتم الآن لماذا لا يريدون الدستور أولا؟!!