من بين فصول قصة صعود حسنى مبارك إلى سدة الحكم.. كان عام 1981 وما شهده من أحداث منذ بدايته وحتى اغتيال الرئيس السادات فى منصة العرض العسكرى.. هو الفصل الفارق والأهم فى تلك القصة، إذ تحالف حُسن الحظ مع مواءمات السادات السياسية التى أرجأت قراره بإقالة مبارك وتعيين نائب آخر، وكان منصور حسن و من اعتزم السادات اختياره لهذا المنصب، وهو اختيار وشت به بعض الشواهد وتواترت أنباؤه فى كواليس السياسة المصرية وتسرّبت إلى الدوائر الإعلامية خارج مصر. أول وأخطر تلك التسريبات السياسية والإعلامية كان تقريراً صحفياً لمراسل مجلة الحوادث اللبنانية فى القاهرة.. نشرته المجلة التى تصدّر غلافها صورة منصور حسن تحت عنوان: «الرجل القادم فى مصر».. فى إشارة واضحة إلى اقتراب موعد إقالة مبارك وتعيين منصور حسن نائبا للرئيس ومن ثم إفساح الطريق أمامه إلى رئاسة مصر لاحقا فى مرحلة ما بعد السادات، وبسبب هذا التقرير الذى كان سبقا صحفيا ل «الحوادث» تمت مصادرة عدد المجلة ولم يتم توزيعها فى مصر. والحقيقة أن منصور حسن ومنذ وصوله معترك السياسة وطوال توليه منصب وزير الثقافة والإعلام حظى باحترام وتقدير النخبة السياسية والفكرية، فقد كان ذا رؤية سياسية عميقة وثقافة واسعة وله توجهات ليبرالية ديمقراطية تبدّت فى ممارساته وآرائه سواء داخل الحزب الوطنى فى بداية تأسيسه برئاسة السادات أو داخل الحكومة. ومما يذكر للرجل ويُحسب له أنه عند إعداد قانون تنظيم الصحافة بعد نقل ملكية الصحف من الاتحاد الاشتراكى - بعد حله وإعادة الحياة الحزبية - إلى مجلس الشورى، فقد كان من رأيه أن يتم اختيار رؤساء مجالس إدارات الصحف ورؤساء التحرير بالانتخاب، ومن المفارقات أن الراحل موسى صبرى وهو صحفى ورئيس مجلس إدارة أخبار اليوم أقنع السادات برفض هذا التوجه بدعوى أن الشيوعيين والناصريين سوف يسيطرون على الصحافة القومية، رغم أن صاحب الاقتراح معروف بميوله اليمينية!! *** فى تلك الأثناء كان حسنى مبارك قد استشعر نية السادات لإقالته واعتزامه تعيين منصور حسن نائبا لرئيس الجمهورية، وجاء تقرير مجلة الحوادث ليؤكد هواجسه، فادعى إصابته بكسر فى ساقه ووضعها فى الجبس، ولزم بيته كنوع من الاعتكاف السياسى بهدف التعبير عن غضبه وفى نفس الوقت إثارة البلبلة السياسية خاصة داخل القوات المسلحة باعتبار أن إقالته أو تعيين نائب مدنى إلى جانبه من شأنه أن يثير حفيظة القادة العسكريين. غير أن السادات بدهائه السياسى المعهود أسرع باحتواء الموقف خاصة وأنه لم يبق سوى عام واحد على اكتمال الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، وقام بزيارة مبارك فى بيته للاطمئنان على صحته، وكانت هذه الزيارة التى نشرت خبرها وسائل الإعلام بمثابة رسالة من السادات إلى نائبه وإلى القوات المسلحة وأيضاً إلى الرأى العام المصرى لنفى تلك التسريبات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن علاقة مبارك ومنصور حسن كانت بالغة التوتر من قبل تفكير السادات فى تعيينه نائبا بدلا من مبارك، وذلك بسبب غيرة مبارك كنائب للرئيس من ديناميكية منصور حسن عندما كان وزير شئون الرئاسة واتساع اختصاصاته بينما كان مبارك لا يفعل شيئاً! *** من بين أهم وأخطر أحداث عام 1981أيضاً، كان مصرع المشير أحمد بدوى وزير الدفاع ومعه ثلاثة عشر قائدا عسكريا فى حادث سقوط طائرة، وهو الحادث الذى أحاطت به الشبهات وقتها، خاصة أن التقاليد العسكرية الصارمة تقضى بألا يتجمع هذا العدد من القادة فى طائرة واحدة. لم يشأ السادات أن يدع مجالا لأية شبهة، وسارع إلى نفى أى احتمال بتدبير الحادث من خلال هذه المجلة «أكتوبر» وحيث تصدر غلافها عنوان كبير صاغه الأستاذ أنيس منصور رئيس التحرير بحرفيته العالية وكان العنوان: «لا هم مماليك ولا نحن فى عصر محمد على». *** عودة إلى منصور حسن وقد حدث أن أقاله السادات من وزارة الثقافة والإعلام قبل افتتاح الدورة البرلمانية وطلب منه أن يكون وكيلا لمجلس الشعب، وهو المنصب الذى رفضه منصور حسن.. معتبراً أنه تقليل من مكانته السياسية. وفى حديث صحفى إلى جريدة مايو (جريدة الحزب الوطنى) أجراه الكاتب الصحفى إبراهيم سعدة رئيس تحريرها والذى كان يترأس أيضا تحرير جريدة أخبار اليوم.. علّق الرئيس السادات على موقف منصور حسن ورفضه للمنصب البرلمانى.. شارحا أسباب اختياره لهذا المنصب باعتبار أن البرلمان مطبخ السياسة.. مدللاً على أهميته بأن كان شخصيا وكيلا لمجلس الأمة (الشعب فيما بعد).. مستطرداً أن منصور حسن لم يدرك ولم يتفهم سبب اختياره للمنصب البرلمانى. مالم يقله السادات نظرا لحرصه على إخفاء نيته بشأن منصور حسن أنه كان يعدّه لتولى منصب نائب رئيس الجمهورية فى الوقت المناسب، وهو الوقت الذى تباينت الروايات حوله، ومنها أن قرار تعيين منصور حسن وإقالة مبارك كان سيصدر بعد الانسحاب الإسرائيلى النهائى من سيناء فى الخامس والعشرين من أبريل عام 1982، وهو الحدث الذى لم تشأ الأقدار أن يشهده السادات. وفى رواية أخرى فإن السادات كان قد قرر بالفعل إقالة مبارك وتعيين منصور حسن عقب انتهاء العرض العسكرى يوم السادس من أكتوبر على أن يعلن القرار فى اليوم التالى، وهو مالم يحدث، إذ أغتيل السادات فى منصة العرض العسكرى فى حادث هو الأول من نوعه فى التاريخ المصرى ولايزال لغزا غامضا ربما تتكشف أسراره فى فترة مقبلة. تؤكد هذه الرواية رواية أخرى ترددت كثيراً فى الكواليس السياسية وهى أن السيدة جيهان السادات حرم الرئيس الأسبق زارت منصور حسن فى بيته قبل أيام قلائل من حادث الاغتيال وزفت إليه بشرى تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية قريباً جداً. وثمة رواية رابعة وإن بدت غير متماسكة وهى أن السادات وقع بالفعل قرار إقالة مبارك وتعيين منصور حسن قبل ذهابه إلى العرض العسكرى ولكن اغتياله المفاجئ حال دون إذاعة القرار. ولأن تعدد الروايات حول صدور قرار الإقالة فى أكتوبر دون انتظار لشهر أبريل من العام التالى، يجعل ذلك الموعد هو الأقرب إلى الدقة، ولذا يبقى السؤال المهم: لماذا قرر السادات إقالة مبارك فى هذا التوقيت تحديدا؟.. أهمية السؤال هى أن مبارك كان فى زيارة رسمية كنائب للرئيس للولايات المتحدة وعاد إلى القاهرة فى الرابع من أكتوبر أى قبل العرض العسكرى بيومين اثنين فقط، وكان السادات قد علم أنه اجتمع مع بعض كبار المسئولين فى الإدارة الأمريكية دون حضور السفير المصرى. أهمية السؤال أيضاً أنه يحمل فى طياته أكثر من مجرد التساؤل، أما الإجابة عنه فإنها بالغة الصعوبة والحساسية وتكاد تكون بالغة الخطورة، ولذا فإنها ستبقى غائبة ومعلقة ريثما يتم الإفصاح عنها فى فترة زمنية مقبلة. *** بمقتل السادات المفاجئ غيلة وغدرا خلا الجو لحسنى فجأة أو بالأحرى خلاله منصب رئيس الجمهورية الذى أوصله إليه سوء حظ مصر فى ذلك العام. *** وقد كانت اللقطة الأخيرة التى جمعت بين مبارك ومنصور حسن ذروة الدراما فى علاقة الاثنين.. بالغة الدلالة فى نفس الوقت، وذلك حين توجه أعضاء مكتب مجلس الشعب إلى مبارك ومن بينهم منصور حسن لإبلاغه بقرار المجلس بترشيحه للرئاسة فى استفتاء شعبى وفقا للدستور فى ذلك الوقت، إذ كانت المصافحة الباردة الجافة بينهما وقد أدار كل منهما وجهه للآخر إشارة واضحة لم تخطئها أعين المراقبين الذين شاهدوا اللقاء على شاشة التليفزيون بأن هذه هى نهاية منصور حسن السياسية التى اختارها بنفسه لنفسه مع بداية رئاسة مبارك وصعوده إلى قمة السلطة التى أفسدها وأفسدته. وللحديث بقية فى العدد القادم.-