يخشى على مصر الثورة أن تركض خلف مكتسبات سياسية وعدالة اجتماعية مشروعة وأن تضيع وسط حالة السيولة التى يعيشها المجتمع بعد الثورة قضايا وحقوق المرأة التى طالما سعت للحصول عليها وسط مجتمع يوهم ب «الذكورية» وأهم تلك القضايا هى «الاتجار فى المرأة» والتعامل معها فى بعض الأحيان كسلعة تباع وتشترى وأن يكون الزواج السياحى بوابة خلفية لامتهان كرامة المرأة وتقديمها لقمة سائغة لمن يدفع أكثر. أكتوبر التقت عايدة نور الدين رئيس جمعية المرأة والتنمية والحاصلة على القلادة الذهبية فى قضايا المرأة والتى أكدت أن المرأة فى مصر مازالت بعيدة عن حقوقها، وأنه تم اكتشاف 11 دعوى صحة توقيع فى الإسكندرية تتعلق ببيع الأطفال. وقالت نور الدين إن الزواج السياحى أحد أنواع تجارة الرقيق أو الاتجار فى البشر يتولاها سماسرة ومحامون و«دلالات» يعرضون الفتيات والنساء للزواج المؤقت أو زواج المتعة. وتعرضت خلال حوارها لقانون الأسرة وقوانين الأحوال الشخصية الذى يؤصل للتمييز ضد المرأة فى سياق الحوار التالى: *يعتقد البعض أن المرأة حصلت على جميع حقوقها فى النظام السابق وتولت جميع المناصب.. فما تعليقك؟ **لا أدافع عن المرأة التى تعرف حقوقها وحصلت على قدر معين من العلم والمعرفة ووصلت إلى مناصب قيادية فى العديد من المجالات، ولكن أقصد المرأة التى يتم استغلالها جنسيا، والتى يتم الاتجار بها وبيعها كسلعة وخير دليل على ذلك هو انتشار ظاهرة «الزواج السياحى» فى السنوات الأخيرة، وبالمصادفة تم اكتشاف 11 دعوى صحة توقيع تتعلق ببيع الأطفال فى الإسكندرية من خلال الإبلاغ عن طريق الخط الساخن وبعد محاولات عديدة تم إجهاض تلك الدعاوى.. وبالتالى فإن المرأة بالفعل لاتزال مظلومة وتعانى التمييز فى مجتمع «ذكورى». *كيف مرت هذه الدعاوى مرور الكرام على الهيئات القضائية؟ **المشكلة فى دعاوى صحة التوقيع أن القاضى ليست له علاقة بمحتوى السند المقدم فى الدعوى وإنما هى دعوى إجراء تحفظى لإثبات صحة التوقيع على المستند فقط، وهذا حسب المادة 65 من قانون المرافعات، وقد تم حل هذه المشكلة فى الإسكندرية عن طريق وقف دعوات صحة التوقيع حوالى شهرين، ثم صدرت تعليمات لرئيس القلم المدنى الذى يقوم بتحديد الجلسة لرؤية العقد، مع إرفاق صورة الرقم القومى لرافع الدعوى (حتى لا تكون دعوى وهمية) وصورة توكيل المحامى، وهى كلها إجراءات الهدف منها عدم تكرار ما حدث، وأدعو أن يتم تعميم ذلك على مستوى مصر كلها وليس فى الإسكندرية فقط. وهم يلجأون لهذه التوقيعات كنوع من تجارة الرقيق أو الاتجار بالبشر، أو الزواج السياحى، أيا كان اسمها، فهى فى النهاية تؤدى لنفس المعنى، والمضمون. سماسرة الزواج السياحى/U/ *ولكن كيف يتم هذا الشكل من الزواج أو تلك التجارة؟ **يبدأ الزواج السياحى أو الموسمى مع بداية شهر يونيه بنزول السائح الخليجى لقضاء فترة إجازته فيجد العديد من سائقى التاكسى أو سماسرة هذا النوع من الزواج، الذين يعرضون خدماتهم عليه بما فيها توفير عروس جميلة تسليه فترة الإقامة، ويشمل هذا الزواج الفتيات الصغيرات دون سن 18 سنة أو النساء والفتيات بعد هذه السن، وهذا الزواج يتم فى حالة الفتيات القاصرات عن طريقين: الأول: عقد زواج عرفى تضيع فيه كل حقوق المرأة، والثانى تسنين الطفلة وإحضار شهادة فحص طبى وعقد زواج رسمى ويسمى «زواج صفقة» لأنه يوجد له سماسرة ومحامون ودلالات يعرضون الفتيات والنساء للزواج المؤقت أو زواج المتعة نظير مبالغ يقبضها السماسرة وولى أمر الفتاة والتى بعد أن يرحل الزوج أو يطلقها تعرض مرات ومرات أخرى لزواج الصفقة، مما يعد ذلك جريمة اتجار بالبشر يعاقب عليها القانون 64 لسنة 2010، كما يترتب على هذا الزواج ضياع حقوق الطفلة أو المرأة الناتجة عن الزواج، اختلاط الأنساب نتيجة لهروب الزوج وترك المولود، وصعوبة الحصول على الطلاق، وإساءة سمعة الفتيات اللاتى سبق لهن هذا الزواج كتجارة مما يؤدى إلى إحجام الشباب من نفس القرية إلى الزواج منهن، ويؤدى ذلك إلى انحراف هؤلاء النساء فى أعمال الدعارة. *وهل هذه الأسباب تدعوك للدعوة لعمل قانون أسرة جديد؟ **بالطبع، ومن أجل إعمال وتفعيل مواد الدستور والتى تنص على «تكفل الدولة بحماية الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم» التى تنص على أن: «المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو العقيدة»، على أن تكون مرجعية هذا القانون مبادئ الشريعة الإسلامية، والمواثيق الدولية المصدق عليها ويوافق معها القانون. وفى قانون العقوبات: هناك نصوص يتساوى فيها الرجل والمرأة سواء فى الإجراءات أو العقوبات وهناك نصوص تضفى حماية خاصة على المرأة مثل مواد هتك العرض والاغتصاب ولكن أيضا توجد مواد بها تمييز واضح وصارخ ضد المرأة سواء فى التشريع أو التطبيق مثل المواد الخاصة بالزنا والمواد الخاصة بالدعارة. فرغم تساوى المراكز القانونية فى تلك الجرائم فإن العقوبات بها تمييز واضح وصارخ ضد المرأة لصالح الرجل ونسى المشرع أن القاعدة القانونية عامة ومجردة، مخالفا بذلك الدستور بل أيضا مبادئ الشريعة الإسلامية. ورغم تعديل التمييز ضد المرأة بإصدار قانون الجنسية رقم 154 لسنة 2004 حيث كان لا يمنح أولاد المرأة المصرية المتزوجة من أجنبى الجنسية المصرية ويمنح أبناء الرجل المصرى وزوجته الأجنبية نفس الجنسية فإن هناك العديد من الإشكاليات مازالت موجودة فى تطبيق ذلك التعديل. كل هذا يجعلنى أطالب بقانون جديد للأسرة. قوانين بالية/U/ *ولكن لماذا تلقين بالمشكلة كلها على قوانين الأحوال الشخصية ولماذا ترفضينها؟ **هل تتخيل أن قوانين الأحوال الشخصية مطبقة فى مصر منذ عام 1920، وبملاحظة هذه القوانين نجد أن التعديلات التى تمت عليها كانت جزئية ولا تتواكب مع احتياجات المجتمع الذى تغير عن المجتمع الذى صدرت فيه هذه القوانين وتلك التعديلات، ولأن قوانين الأحوال الشخصية هى تأويل واجتهاد إنسانى لما جاء فى القرآن والسنة، فيجب تعديلها وإصلاحها لكى تتلاءم مع احتياج الناس، وأن القاعدة القانونية تعتبر مقياساً لحاجة المجتمع الفعلية وتنظيماً لسلوك أفراده وحيث إن قوانين الأحوال الشخصية تنظم العلاقات الأسرية بين أطراف الأسرة لذلك كان ضرورياً لتلك القوانين أن تتطور مع تطور المجتمع لتلبى احتياجاته وإلا أصبحت عديمة الفائدة، وهو ما لم يحدث حتى الآن، بل لا أبالغ عندما أقول إن هناك تغييرا حدث فى أدوار كل من الرجل والمرأة داخل الأسرة وهذا واقع معاش لا هروب منه حيث زادت نسبة المرأة المعيلة لأسرة بمفردها أو عمل المرأة جنبا الى جنب مع الزوج لإعالة الأسرة، كما نالت المرأة قسطا كافيا من التعليم كما اعتلت بعضاً من المناصب القيادية فى المجتمع. ورغم كل ذلك، فإن المجتمع مازال ينظر للمرأة كتابع للرجل، والمشكلة الأكبر أن نسبة الطلاق فى مصر زادت ووصل عدد المطلقات فى مصر مليونا و 495 ألف مطلقة فى السنة فى 2010 مما نتج عنه تفكك أسرى وفقر خاصة بين النساء فنتج عن ذلك ظاهرة التسرب من التعليم وخاصة بين الفتيات وزواج الصغيرات للأثرياء العرب وعمالة الأطفال وأطفال الشوارع والاتجار بالبشر سواء كانوا ذكورا أو إناثا ورغم كل ذلك، فإن القوانين التى تنظم أهم علاقة بين الأفراد (العلاقات الأسرية) لم يحدث بها تغيير شامل يواكب المتغيرات بل كان ما يتم بها مجرد تعديلات جزئية ترتبط أكثرها بالحقبة السياسية وبالثقافة المجتمعية «الذكورية» السائدة فى هذه الفترات. *ولكن قوانين الأحوال الشخصية مستمدة من الشريعة الإسلامية فكيف نغيرها؟ **هناك فرق بين الشريعة الإسلامية (كتاب الله والسنة الصحيحة المتفق عليها) والفقه الإسلامى، فالأولى ملزمة والثاني يجتهد فيه، بل وجب التفرقة فى النوع الأول بين الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة والأحكام قطعية الدلالة أو الثبوت ولكن ظنية الدلالة أو الثبوت، فالأولى ملزمة قولاً واحدا والباقى قابل للاجتهاد. والمشكلة أن كل قوانين الأسرة وقوانين الأحوال الشخصية فى مصر والدول العربية مأخوذة من هذه الاجتهادات الفقهية أو المذاهب الفقهية التى يطلق عليها الأغلبية خطأ اسم «الشريعة الإسلامية» ففى الشريعة الإسلامية تكفل للمرأة حرية اختيار الزوج وتعتبر الزواج القائم على غير الرضا باطلا شرعا، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح الثيب حتى تستأذن» أما فى ولاية عقد الزواج بنفسها فيقول الإمام النووى ( شرح صحيح مسلم5760574:3) فى الحديث الذى جاء فيه: «الأيم أحق بنفسها من وليها» قال القاضى: اختلف الفقهاء فى المراد بالأيم واتفق أهل اللغة على أنها تطلق على كل امرأة لا زوج لها صغيرة أو كبيرة بكرا أو ثيبا. قالوا فكل امرأة بلغت أحق بنفسها من وليها وعقدها لنفسها نكاح صحيح، ولكن إذا اعتبرنا قول رسول الله «لا نكاح إلا بولى» حديث شريف صحيح وحديث «الأيم أحق بنفسها أيضا» حديث شريف صحيح فإن لفظ أحق قد جاء للمشاركة بمعنى أن لها فى نفسها حق عقد الزواج بنفسها ولوليها أيضا حق وحقها أوكد من حقه فإنه لو أراد تزويجها لكفء وامتنعت لم تجبر على الزواج ولو أرادت أن تتزوج كفئا فامتنع الولى أجبر فإن أصر زوجها القاضى وهذا تأكيد حقها ورجحانه. كما أن الملاحظ لقوانين الأحوال الشخصية يجد الكثير من مظاهر التمييز ضد المرأة التى تنتهك مبدأ المساواة الذى يقره الدستور المصرى وينتهك صكوك حقوق الإنسان. وتتجلى مظاهر التمييز وعدم المساواة واضحة خاصة فى إنهاء العلاقة الزوجية سواء بالطلاق أو التطليق بالقضاء أو بالخلع أو حتى بعد الوفاة مما يشكل أضراراً بالغة على الأسرة والأبناء سواء كانوا مع الأم أو مع الأب أو مع غيرهما مما يتسبب فى الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تدفع المرأة والطفل تكلفتها نظرا لتحيز القوانين والمنفذين لتلك القوانين ولسيادة الثقافة الذكورية فى المجتمع. فالطلاق للضرر يستلزم أن تثبت المرأة الضرر سواء المادى أو المعنوى فالمادى المتمثل فى الضرب والسب والقذف يجب أن يكون هناك محضر شرطة ثابت فيه ذلك وغالبا ما ينظر للنساء في أقسام الشرطة حين يذهبن لإثبات ذلك بنظرة تحيز ضدهن، وكما أن هناك صعوبة فى تحرير المحاضر يوجد صعوبة أيضا فى الحصول على التقارير الطبية اللازمة لإثبات العنف البدنى حيث تتعاطف الأجهزة الحكومية مع الثقافة الذكورية السائدة مع الزوج باعتبار ذلك الضرب أو الاعتداء عليها من حقه متصورة تلك الأجهزة بأنها تقوم بدور عظيم فى حماية الأسرة من التفكك الأسرى. كما أن المادة 6 من القانون 25 لسنة 1925 والمعدل بالقانون 100 لسنة 1985 التى استوجبت أن يكون الضرر يستحيل معه العيش بين أمثالها بمعنى أن التطليق للضرر يختلف تحديد هذا الضرر المسبب له من امرأة إلى أخرى باختلاف الحالة الاجتماعية والمالية والتعليمية فما يعتبر ضرراً وإهانة للمرأة الوزيرة أو السفيرة أو الطبيبة لا يعتبر ضررا للسيدة الأمية أو التى لا تعمل أو الفقيرة أو التى تقطن الأحياء الشعبية، وبذلك تكون قد تم تمييز بين المرأة والمرأة. أما التطليق للحبس فتختلف مدة الحبس للزوج الموجبة للتطليق من المرأة المسلمة (3 سنوات)، أما عن المرأة المسيحية (7سنوات) ولا ندرى لماذا هذا التمييز أليست هذه امرأة مصرية والأخرى أيضا امرأة مصرية؟ ورغم أن القانون حدد أسباباً لإنهاء العلاقة الزوجية للأخوة المسيحيين وصلت إلى 8 أسباب فإن الكنيسة تعارض الطلاق، وقد صدرت لائحة عام 1938 والتى تنص على أسباب التطليق وهى أربعة: أولاً: زنا أحد الزوجين أو اعتناق أحد الزوجين دينا غير المسيحية، ثانياً: الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة، ثالثاً: السجن لمدة تزيد على سبع سنوات، رابعا: غيبة أحد الزوجين سبع سنوات متتالية لا يعلم مقره. هذا وقد أيدت محكمة النقض هذه اللائحة والإبرام بأحكامها وحصرت مجموعة أحكام التطليق: الطلاق لعلة الزنا، الخروج عن الدين المسيحى لأحد الزوجين، غياب أحد الزوجين سبع سنوات متتالية، الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن لمدة تزيد على سبع سنوات، إصابة أحد الزوجين بجنون مطبق، إصابة الزوج بالعنة، الاعتداء من أحدهما على الآخر إيذاءً جسديا. ووفقا للقرار البابوى لعام 1971 عادت المحكمة وقصرت التطليق على: الزنا، وقضت بعدم زواج المطلقين. وبالرغم من سعى الكنيسة إلى إجراء تعديلات وتجديدات فى اللوائح البابوية لمواجهة الظروف التى تهدد حياة الأسرة المسيحية فى ضوء المتغيرات الاجتماعية الجديدة ومحاولتها فى معالجة الحالات الاستثنائية التى تستوجب التطليق بين الزوجين، فإن الكنيسة عادت واستقرت على أن الزنا هو السبب الوحيد للتطليق، ونتيجة لعدم تفهم الكنيسة وتغيير موقفها من حالات الطلاق أصبح هناك 170 ألف حالة حاصلة على أحكام بالتطليق من القضاء ولا تعترف بها الكنيسة مما يجعل الكثير يلجأ الى الإسلام أو إلى السفر لقبرص لتغيير الطائفة ثم طلب الطلاق. فهل هذا هو الحل؟!!