يوم الثاني عشر من مارس عام2000 عقد الاجتماع الاول للمجلس القومي للمرأة برئاسة السيدة سوزان مبارك, وبتشريف خاص من السيد محمد حسني مبارك, كانت نساء مصر وقتها لا يملكن سوي الحلم, بينما الواقع يشهد محاولات اجتهادية بسيطة لتغييره.. تحت قبة البرلمان لم تكن هناك سوي11 سيدة فقط. بينما قانون الأحوال الشخصية يدفع بآلاف النساء للمحاكم المتعددة الاختصاصات بحثا عن حقوقهن الضائعة. عشر سنوات تغيرت فيها الصورة تماما.. تحولت المرأة إلي شريك في التقدم والتنمية بعد أن كانت مجرد تابع.. طموحات لم يعد لها سقف, واصوات علت تطالب بالمزيد, بينما مازلنا جميعا نري صورة سيدات مصر من مختلف الطبقات عاملات وموظفات وسيدات مجتمع راق يقفن في تحد حقيقي يطالبن بحق41 سيدة في دخول مجلس الدولة, صورة لم تكن لتتحقق لولا تلك الروح التي بثها المجلس في النساء والإنجازات التي تحققت بعد ان كانت حلما. طموح سيدة كانت تعرف منذ البداية ان المرأة المصرية قادرة علي ان تحقق ما تريد, وثقة زعيم كان يعرف أنه يعطي حقوقا اساسية لنساء يستحققن ان يأخذنها.. شجاعة رئيس وجهد وايمان السيدة سوزان مبارك. كيان حمل علي عاتقه قضايا واحلام وطموحات نصف المجتمع عددا كل المجتمع واقعا, انطلق في مارس2000 ليذكرنا بهذا الشهر شديد التميز في تاريخ المرأة المصرية مارس ايضا عام1919, عندما خرجت المرأة للثورة من اجل وطنها عندما لم تبخل بروحها في سبيله كما فعل الرجل تماما. تكليفات المجلس احد عشر تكليفا, جاءت ضمن قرار إنشاء المجلس القومي للمراة في فبراير2000 والذي اصدره الرئيس محمد حسني مبارك لتؤكد ان نساء مصر علي قمة اهتمام الرئيس, وان سنوات طويلة من التأرجح بين نيل الحقوق وضياعها قد جاء وقت انتهائها, جاء المجلس وعلي رئاسته السيدة سوزان مبارك ليعلن رسالة ثانية وهي ان سيدة من مصر تؤمن بالمرأة المصرية هي من ستقود تغييرا حقيقيا في سياسات الدولة تجاه كل النساء, بينما ضم المجلس بين اعضائه30 عضوا هم كوكبة الفكر والقانون والسياسة في مصر رجالا ونساء لتحسم تماما اي جدال عما يمكن ان ينجزه هؤلاء, احد عشر تكليفا هي في مجملها ملف حياة وطموح واحلام نساء مصر عبر اكثر من ثمانين عاما منذ ثورة1919 وعلي رأسها: * اقتراح السياسة العامة للمجتمع ومؤسساته الدستورية في مجال تنمية شئون المرأة وتمكينها من أداء دورها الاقتصادي, وإدماج جهودها في برامج التنمية الشاملة. * وضع مشروع خطة قومية للنهوض بالمرأة وحل المشكلات التي تواجهها. * متابعة وتقييم السياسة العامة في مجال المرأة والتقدم بما يكون لديه من مقترحات وملاحظات للجهات المختصة في هذا الشأن. * إبداء الرأي في مشروعات القوانين والقرارات المتعلقة بالمرأة قبل عرضها علي السلطة المختصة, واقتراح مشروعات القوانين والقرارات التي تلزم للنهوض بأوضاع المرأة وإبداء الرأي في جميع الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة. * إنشاء مركز توثيق لجمع المعلومات والبيانات والدراسات والبحوث المتعلقة بالمرأة وإجراء الدراسات في هذا المجال. بينما كانت التكليفات الرئاسية هي بمثابة دستور العمل, جاءت مؤتمرات المجلس السنوية لتكون خطة العمل الدائمة للمجلس, والتي بدأتها السيدة سوزان مبارك بالمؤتمر الاول الذي حمل شعار المرأة والمواطنة والتنمية ليؤكد ان المرأة هي قبل كل تصنيف نوعي مواطنة لها كل الحقوق وعليها كل الواجبات, وان هذه المواطنة عندما تتعامل هكذا تصبح شريكا كاملا وحقيقيا في التنمية التي هي حلم المجتمع كله وليست حلم نوع واحد.. وصلت رسالة المجلس واضحة منذ البداية انه ليس مجلسا لنوع بل مجلس لمجتمع. دليل إسترشادي وكما تقول دكتورة فرخندة حسن الامين العام للمجلس' فكرة وجود مجلس قومي للمرأة كانت امرا حيويا للغاية, فملفات قضايا المرأة علي جميع المستويات تراكمت لسنوات بلا حسم حقيقي, وتفرقت بين المهتمين, بينما ظلت المرأة عاجزة عن ان تتحرك بهدف حقيقي لسنوات, وجاء المجلس ليملأ فراغا تفاعليا ورسميا كنا نحتاجه, فهو من له الحق قانونا في حمل اوراق تلك القضايا والتعامل مع الهيئات التشريعية والتنفيذية لكل ملف, ليس هذا فقط بل ولنا الحق في حمل شكاوي النساء ومساءلة المسئولين عن حقوقهن الضائعة, وهذا شيء شديد الاهمية ان يكون لدي المرأة ملجأ حقيقي تذهب اليه عندما تعجز عن ان تفعل شيئا, وبالمناسبة فإن تلك الشكاوي كانت لحد كبير دليلا استرشاديا لنا لنعرف ماذا تريد النساء في ابسط الدرجات الاجتماعية حتي لا نظل مجرد مجلس للتوصيات واقتراح التشريعات, بل ساعدنا ان نتحول لمجلس للنساء وتفاصيل حياتهن اليومية, وتلك ميزة اعطت للمجلس ارضية واسعة وسط المجتمع وهو ما ادركته السيدة الاولي سوزان مبارك منذ البداية عندما طالبتنا بأن تكون لدينا برامج تفاعلية مع المرأة علي جميع المستويات, وهو ما نجحنا فيه عبر عشرات البرامج التدريبية والتفاعلية في جميع المحافظات عبر مكاتب المجلس في كل محافظات مصر' إدماج المرأة في التنمية في عام2001 وفي المؤتمر الثاني للمجلس وضعت اول خطة قومية لإدماج المرأة في خطط التنمية كأحد اهم عوامل النهوض بالمرأة وتمكينها اقتصاديا سواء في مؤسسات الدولة الرسمية او القطاع الخاص او النهوض بالنساء المعيلات والفقيرات عبر منح وقروض صغيرة, ومنها علي سبيل المثال المنحة التي قدمها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والتي درب من خلالها المجلس عددا كبيرا من الجمعيات الاهلية في20 محافظة بعدد41 قرية تم فيها تقديم الدعم الفني والمادي ل5844 سيدة لتنفيذ مشروعات صغيرة تدر دخلا معقولا لمواجهة الفقر وكانت هذه المنح موجهة بالتحديد للنساء الريفيات ممن أضرن عقب ظهور مرض انفلونزا الطيور. بينما حرص المجلس علي دعم النساء العاملات في المؤسسات الرسمية عبر وحدات تكافؤ الفرص التي يعتبرها الكثيرون مكاتب متفاعلة لحماية حقوق المرأة العاملة الإدارية والوظيقية والتي توجد الان في حوالي32 وزارة وهيئة حكومية لتسجل أي تجاوز تجاه النساء. ' اعتبر في رأيي الشخصي ان قانون محاكم الاسرة هو احد اهم انجازات المجلس وأحد اهم الاهداف التي كانت السيدة سوزان مبارك تسعي لتحقيقها بعدما لمست بنفسها حجم المعاناة التي تلقاها المرأة عندما تضطر للجوء للقضاء' وتكمل دكتورة فرخندة' كانت محاكم الاحوال الشخصية مهانة حقيقية للمرأة عندما تضطر للتعامل مع أكثر من محكمة للحصول علي حق واحد من حقوقها كأم او زوجة, هذا بخلاف طول فترات التقاضي وتعدد درجاتها, وعندما يأتي القانون ليحول كل تلك القضايا لمحكمة واحدة فهذا بداية حقيقية لان تشعر المرأة بانها كائن متساو مع الرجل وتستطيع ان تبدأ حياة حقيقية بلا مهانة الانتظار, كما ان رفع سن الحضانة هو الاخر كان انتصارا حقيقيا للام وللطفل' دكتورة زينب رضوان وكيل مجلس الشعب واستاذ الشريعة الاسلامية تري ان وجود المجلس كان بمثابة الدعم السياسي والرسمي الحقيقي للمرأة وحقوقها التي ضيعتها الآراء الجاهلة بالشريعة والدين اللذين اعطيا للمرأة حقوقا لم تطبق طوال1400 سنة, وتقول' المجلس جاء ليعيد حقوقا شرعية اضاعتها التقاليد والتعنت غير المبرر وأهمها حق الخلع الذي جاء به نص واضح في القرآن وحق الطلاق, واعترف به حتي في حالة الزواج العرفي هذه الحقوق ليست مكتسبات نسائية فقط بل ايضا مكتسبات مجتمع كامل تخلص من مناطق خلل ما كان له ان يستقيم في وجودها, فالتعنت في الطلاق او النفقة او حضانة الطفل ليست من الشرع في شيء, المجلس احدث بالتأكيد تغييرا في منظومة قيم غير حقيقية وغير سليمة, فاجأنا وادهشنا بشجاعة القائمين عليه وقدرتهم علي المواجهة وعلي رأسهم سيدة مصر الاولي التي هي امرأة مصرية في الاساس تعرف تماما معاناة كل سيدة وتملك الشجاعة لتواجه وترد الحقوق لاصحابها, ويكفي ان نذكر محاكم الاسرة وما حققته من إنجاز حقيقي لحفظ كرامة المرأة والاسرة عند الطلاق او النفقة, ويأتي الانجاز الاكبر في نظري في القضاء فقد كان حرمان المرأة المصرية من العمل في القضاء وصمة عار في جبيننا جميعا, فكيف نرفض الاعتراف بأهلية المرأة المتعلمة ان تكون قاضيا بينما هي من يعلم هؤلاء القضاة في كليات الحقوق. المرأة في القضاء دخول المرأة للقضاء نقلة نوعية وإنجاز ما كان ليتحقق لولا شجاعة صانع القرار ودأب وصمود النساء ودعم ومناصرة السيدة سوزان مبارك, كما ان المساندة لم تكن فقط لطبقة المتعلمات من النساء فالمجلس فعل امرا شديد الذكاء عندما افتتح مكاتب شكاوي المرأة علي مستوي كل فروعه فهذه المكاتب كانت ومازالت بمثابة الترمومتر الذي يقيس نبض النساء في ابسط مستوياته ان نعرف ماذا تريد ومما يعاني نصف المجتمع المسئول عن30% منه وهم الابناء فهذا معناه ببساطة ان نعرف ماذا يريد المجتمع كله المرأة عندما تتقدم يتقدم المجتمع وعندما تقف لا يمكن ان يتحرك المجتمع من مكانه وهذا ما أدركته السيدة الفاضلة سوزان مبارك منذ البداية واليها اهدي تحياتي' في المؤتمر الثاني للمجلس القومي للمرأة كان موضوع المرأة المصرية والتحديث هو قضية العام, وكان التعليم ومحو امية النساء هو الهدف وبه بدأت مشروعات متعددة وضخمة لمحو الامية كخطوة اولي من2001 حتي2005 وبدأت بتجارب محدودة المساحة في محافظات بعينها وكانت تجربة محافظة الفيوم الاكثر تميزا كنموذج تم تطبيقه فيما بعد للحد من تسرب الفتيات كأول مانع للامية, وكان هذا بدعم دولي وعربي كبير, وتكتمل المنظومة بالتعامل مع الكبار ممن تسربن بالفعل عبر سلسلة برامج ناجحة لمحو امية النساء حتي صار عام2007 هدفا لتحقيق محو امية اكثر من نصف النساء حتي انتهي الامر بقانون خاص تم اقتراحه بجهد من السيدة الاولي سوزان مبارك ولجنة عالية المستوي من وزراء التنمية المحلية والتعليم والتضامن الاجتماعي والبحث العلمي ليكون بداية حقيقية لنهاية عصر أمية المرأة. بينما كان عام2003 بداية اخري لنهاية عصر عدم تكافؤ الفرص عندما صدر اول قرار سيادي لتعيين امرأة قاضية في المحكمة الدستورية العليا, القرار جاء صدمة هزت ارضا رسخت لسنوات اعتبرت ان دخول المرأة للقضاء امر لا مجال ان تفكر فيه النساء حتي ولو في احلامهن, بكل شجاعتها المعتادة وقفت السيدة الاولي وراء حق النساء المصريات في اعتلاء منصة القضاء حتي جاء مارس2010 بعد عشر سنوات من عمر المجلس لتكون المرأة قد عرفت طريقها للقضاء الإداري والجنائي وقضايا الدولة واخيرا مجلس الدولة واثبتن قاضيات مصر انهن كن يستحقق هذا الموقف الشجاع من الرئيس والسيدة الاولي. دكتور محمود الشريف وزير التنمية المحلية الاسبق ورئيس لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة يفتح معنا ملفا آخر أنجزه المجلس, ربما علي حد قوله يغير خريطة الممارسة السياسية البرلمانية في مصر فيقول' المجلس الذي اراه تتويجا لكفاح المرأة في سبيل حقوقها كان يدرك منذ البداية وعلي رأسه السيدة الاولي سوزان مبارك ان الحقوق السياسية بكل جوانبها تمثل التفعيل الحقيقي لدور المرأة, فلم يكن من المنطقي ان تصبح السياسة وكأنها عمل رجالي بحت, بينما العالم حولنا تحكمه نساء ولا نشعر بأن شيئا فسد, وبالتالي فأي حديث عن ذكورية العمل السياسي حق يراد به باطل, وهو ما ادركه المجلس وقرر منذ البداية ألا يضع لنفسه سقفا او محظورا وهميا لمنع النساء من ممارسة حقوقهن, وهي ميزة كبيرة فكيان المجلس رفيع المستوي رفع معه مستوي مناقشة قضايا المرأة بجميع جوانبها وجاء التتويج الاخير بتحديد كوتة للنساء شجاعة حقيقية من صاحب القرار فلم يكن هناك خيار اخر لدفع النساء خطوة للامام بدلا من هذا التراجع الغريب يوما بعد يوم, فمن يتخيل ان يكون البرلمان المصري به سبع سيدات فقط بالانتخاب واربع بالتعيين, وهو دعم محترم من السيد الرئيس, بينما ظلت المرأة اكثر من ثلاثين عاما بلا حق في الترشح حتي سمح لها عام56 فقط, ولو كنا انتظرنا ربما كنا سننتظر مائة عام اخري لنكون مثل دولة كالسويد مثلا وبالتالي كان الخيار الحقيقي ان تدعم الدولة النساء وتدفعها خطوة لتمارس حقها الطبيعي في المشاركة السياسية, كما ان تلك المشاركة التي نتمني ان تكون فاعلة من شأنها ان تحرك امورا راكدة كثيرة في المجتمع, فالمرأة عندما ترقي تأخذ معها منظومة القيم وتعلو بها وهو ما نفتقده الآن, وهو ايضا ما ادركه المجلس مبكرا عندما بدأ بالتمكين الاقتصادي, وهو امر شديد الاهمية لتهيئة المرأة سياسيا فيما بعد, وايضا قضية الامية التي هي البداية لإحداث الوعي الاقتصادي والسياسي, المجلس ادرك هذا مبكرا ولذا نتوقع منه الكثير فيما بعد فهو يمتلك برئيسته ومجلسه وخبرائه وحتي نسائه البسيطات في مكاتبه في كل المحافظات الرغبة الحقيقية في التغيير.