كان لزيارة رئيس الوزراء الهندى مانموهان سينج لأفغانستان- وهى الأولى من نوعها منذ عام 2005- بعد أيام من مقتل أسامة بن لادن فى باكستان أثره فى إكسابها أهمية بالغة، إضافة إلى أن ما أسفرت عنه الزيارة من الارتقاء بمستوى العلاقات الأفغانية الهندية إلى حد الشراكة الاستراتيجية من شأنه أن يزيد من ارتياب باكستان بشأن ازدياد نفوذ عدوها اللدود فيما تعتبره الفناء الخلفى لها. ويرى العديد من المحللين أن زيارة سينج لأفغانستان التى استمرت يومين جاءت فى إطار صراع النفوذ الذى تخوضه الهند وباكستان فى أفغانستان والذى اكتسب أهمية أكبر بعد الإعلان عن الانسحاب التدريجى للقوات الأمريكية. وقد عملت الهند على استثمار مقتل بن لادن فى باكستان لصالحها حيث قال وزير داخليتها فى بيان إن مقتله فى أبوت آباد داخل العمق الباكستانى يؤكد مخاوف نيودلهى من أن الإرهابيين من مختلف التنظيمات يجدون ملاذا آمنا فى باكستان. ومن المعروف أن العلاقات الأفغانية الباكستانية تشهد توترا بسبب اتهام الرئيس الأفغانى حامد كرزاى لباكستان عدة مرات بدعم طالبان أفغانستان. وكانت نيودلهى وكابول قد اتهمتا عناصر داخل حكومة باكستان برعاية الهجومين اللذين استهدفا السفارة الهندية فى العاصمة الأفغانية فى عامى 2008 و2009. وخلال زيارته لكابول شدد سينج فى مؤتمر صحفى عقده مع كرزاى على أن الهند وأفغانستان تواجهان تهديدا مشتركا ينبعث من الإرهابيين وتنويان تعزيز تعاونهما فى مواجهة هذا الخطر. وفى كلمة القاها أمام البرلمان الأفغانى عرض سينج تقديم المساعدة الأمنية لأفغانستان قائلا: «بينما تمضى أفغانستان قدما لتسلم مسئوليتها الأمنية الكاملة، فإننا مستعدون لتوسيع تعاوننا فى هذا المجال»، لكنه لم يدل بتفاصيل عن طبيعة المساعدة التى يمكن للهند أن تقدمها لأفغانستان. وعلى الرغم من الموقف الحذر الذى سبق أن اتخذته نيودلهى حيال محاولات الحوار التى يطلقها الرئيس الأفغانى مع مقاتلى حركة طالبان، فإن سينج أكد على دعم بلاده للمصالحة بين الحكومة الأفغانية وطالبان. كما أعلنت كابول ونيودلهى الإعداد لشراكة استراتيجية ثنائية فى مختلف الميادين. هذه الشراكة الجديدة من شأنها أن تزيد من ارتياب باكستان من تقارب العلاقات بين خصمها الإقليمى الذى يحدها شرقا وبين أفغانستان التى تحدها غربا. وكانت نيودلهى قد استغلت سقوط نظام طالبان فى أفغانستان عام 2001 على يد القوات الدولية بقيادة الولاياتالمتحدة لتوسيع نفوذها هناك. ومنذ ذلك الحين قدمت الهند 1.5 مليار دولار فى برامج المساعدة وإعادة الإعمار المختلفة لأفغانستان لتصبح أولى الدول المانحة لها فى المنطقة وسادسها على مستوى العالم. وذكر تقرير أعده معهد ستراتفور الأمريكى للدراسات الاستخباراتية أن الهند أقامت لها عيونا استخباراتية بالأراضى الأفغانية منذ ذلك الوقت أولا لمراقبة الأنشطة الباكستانية وثانيا لدعم وتعزيز العلاقات مع الأقلية الطاجيكية المناوئة لحركة طالبان ومع المجموعات المناوئة لباكستان. من جهة أخرى، تابع التقرير أن إسلام آباد لم تقف مكتوفة الأيدى أمام التمدد الهندى فى أفغانستان، وطلبت من الولاياتالمتحدة وقف هذا التمدد مقابل استمرارها فى دعم جهود واشنطن فى الحرب على ما يسمى الإرهاب. وأشار التقرير إلى أن تزامن زيارة سينج مع توتر العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد على خلفية مقتل بن لادن بعث برسالة غير مباشرة إلى القيادة الباكستانية تفيد بحجم الضرر الذى قد تتعرض له فى حال عدم تجاوبها مع المطالب الأمريكية، وهو ما قد يفسر إعلان باكستان خلال زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى السناتور جون كيري لإسلام آباد الأسبوع الماضى أنها ستعمل مع الولاياتالمتحدة في المستقبل «لضرب الأهداف المهمة» بأراضيها في إطار «الحرب على الإرهاب».