إن موجة الفوضى التى أحدثتها الثورات العربية فى أيامها الأولى قد ولدت شعورا بالقلق فى كل من أمريكا والشرق الأوسط، خاصة أن معظمها من المستبعد أن ينتهى على خير... لكننى اعتقد أن ثورة مهمة قد حدثت فى مصر، ثورة سيكون لها تأثير طويل الأمد على المنطقة كلها. هذا ما قالته ترودى روبين، كاتبة العمود بصحيفة «فيلادلفيا انكوايرر» الأمريكية، فى مقال نشر مؤخرا. وتوضح الكاتبة أنها لا تتحدث عن تغير ثورى فى النظام السياسى المصرى، ولكن عن ثورة فى طريقة تفكير المصريين فيما يتعلق بعلاقتهم بالنظام الحاكم. وتنقل روبين عن الشاب المصرى حسام بهجت، المدير التنفيذى لمنظمة «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» قوله: «للمرة الأولى نشعر أنه يجب علينا أن نحل مشاكلنا بأنفسنا». وتشير إلى أن أى شخص أمضى سنوات فى مراقبة العالم العربى يدرك أن مثل هذا التعبير الذى يؤكد على مسئولية الشعب عن تحديد مستقبله هو بالفعل تفكير ثورى. فعبر منطقة الشرق الأوسط بأكملها، تميل الشعوب المعروفة بسلبيتها إلى إرجاع ضعفها أمام الحكام المستبدين إلى المؤامرات من قبل الغرب أو إسرائيل. وتذكر روبين أن عبارة «كنا مثل القطيع» هى عبارة سمعتها مرارا فى مقاهى القاهرة بين رجال ينتمون للطبقة العاملة يحاولون تفسير لماذا كانوا قبل 25 يناير يعتقدون أنه لا فائدة من الدفع نحو الإصلاحات، فعلى مدار عقود كانت القيادة فى العالم العربى متروكة للملوك أو الأمراء أو الرؤساء العسكريين أو الحكام المستبدين، فى حين أن الشعب لم يكن لديه ثقة فى قدرته على إحداث التغيير. وتضيف أن ثورة يناير جاءت لتغير نمط التفكير هذا لدى مئات الآلاف من الشباب المصرى، ولتوقظ الأكبر منهم سنا، حيث إن عبارة أخرى سمعتها مرارا من المصريين كانت «الشباب علمنا» أن الأمور من الممكن أن تتغير. علاوة على ذلك، ترى الكاتبة أن السرعة النسبية التى انتهت بها الثورة المصرية- على عكس الفوضى المستمرة فى ليبيا والدول الأخرى- أتاحت للشعب الوقت الكافى لاستيعاب مغزاها، فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يدير البلاد حاليا يدرك أن المصريين الآن يتوقعون أن يكون لهم رأى فى طريقة حكم البلاد. وتستدل على ذلك بأنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، قدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة مجموعة من التنازلات المذهلة، كان آخرها استجواب واعتقال نجلى الرئيس السابق حسنى مبارك وعدد من مساعديه. كما تشير روبين إلى تخوف الكثيرين داخل مصر وفى الغرب من إمكانية أن تحقق جماعة الإخوان المسلمين نتائج جيدة فى الانتخابات البرلمانية القادمة لأنها الأفضل تنظيما، وترد على ذلك بذكر ما قاله بهجت عن أن الإخوان لا يخيفونه لأن النجاح الذى حققوه فى الانتخابات الماضية- حصولهم على 20% من الأصوات فى انتخابات عام 2005-كان ناتجا عن عامل أنهم كانوا الجماعة المعارضة الوحيدة التى لم يسحقها النظام، إضافة إلى أن الإخوان كان ينظر إليهم على أنهم القوة الوحيدة التى تحارب الفساد، لكنهم الآن لا يستطيعون إدعاء أنهم الشرفاء الوحيدون فى الدولة. وتضيف الكاتبة أنه فى مصر بعد الثورة سيواجه الإخوان المسلمين منافسة شديدة فى الانتخابات حيث يأمل الناشطون الشباب فى حشد تأييد نسبة ال80% من الشعب الذين لم يكونوا يدلون بأصواتهم فى الماضى لأنهم كانوا يعتقدون أن مشاركتهم غير مؤثرة. وتنقل روبين عن بهجت قوله إنه يأمل أن تكون الأحزاب الكثيرة الجديدة التى انبثقت عن الثورة قد توحدت بحلول شهر يوليو فى ائتلاف واسع يقوده أبطال ميدان التحرير حيث يرى أنه «إذا وجدت قائمة تتضمن مرشحى الثورة، فإن الشعب سوف يعطيهم صوته». وتقول الكاتبة إنها تعتقد ذلك أيضا وتنهى مقالها بالتأكيد على أن الثورة المصرية- التى يمكن أن تصبح نموذجا يحتذى به فى المنطقة- سيكتب لها النجاح عندما يؤمن الشعب بقدرته على تحديد مسار حياته بعد عقود من الخوف والسلبية.