استطاعت ثورة 25 يناير التى قام بها الشعب المصرى أن تفجر طاقات هذا الشعب وتلهم الشباب طليعة هذه الثورة بالأحلام والأمنيات لقيام دولة مدنية معاصرة تواكب العالم.. وتنقل مصر من حكم استبدادى تسلطى إلى حكم ديمقراطى يتم الآن تدشين آلياته بخطوات واسعة.. ولأن الثورة تعنى التغيير فى بنية السلطة الحاكمة فى المجتمع بفعل تحرك شعبى فى لحظة معينة.. وفى الثورات كما يقول لنا التاريخ.. الثوار هم الذين يحصلون على السلطة لتسيير الأمور لتحقيق البرامج والأفكار التى قامت من أجلها الثورة.. ولكن الخاصية الجديدة فى الثورة المصرية.. هى غياب الخط الأيديولوجى لأنها جمعت كل فئات المجتمع على هدف واحد وهو «إسقاط النظام».. وسبب غياب الخط الأيديولوجى للثوار هو فكرة ثورة الاتصالات.. مع التطور التكنولوجى وثورة الفيس بوك أصبح هناك العديد من مصادر المعلومات وهذا أدى إلى تشتت أطياف المجتمع فى توجهات سياسية واجتماعية مختلفة.. ولذلك كانت القدرة على إقامة الشبكات الاجتماعية تنحصر لتحقيق هدف معين ولكن ليس لدعم خط أو تيار سياسى معين.. لذلك فلا يستطيع أصحاب تيار اليسار أو الليبراليين أو الإسلاميين الادعاء بأنهم من قادوا الثورة.. فالكل شارك ولكن لم يقد الثورة.. وتاريخياً فى أية ثورة فى العالم بعد أن ينهار رأس النظام تبدأ الشبكات الاقتصادية والاجتماعية فى مقاومة هذا الانهيار لاختلاف مصالحهم مع الثوار الجدد.. وهذا ما يفسر مقاومة رجال الأعمال وفلول الحزب الحاكم للثورة الجديدة.. وهنا يبرز اصطلاح الثورة المضادة وتعريفها أنها أسلوب تقوم به الهياكل الاقتصادية والاجتماعية للمحافظة على قدر من مصالحها وتقاسم السلطة مع النظام الذى سينشأ.. وحسب تعريف عالم السياسة الأمريكى ديفيد إيستون عام 1953.. إن السياسة هى التوزيع السلطوى للقيم «المعنوية» والموارد «المادية».. ولكن أخطر ما تواجهه ثورة 25 يناير الآن والذى يحدث فى كل التحولات الديمقراطية هو آليات الثورة المضادة وهى خمس آليات أولها «فكرة التضليل الإعلامى» عن طريق تشويه صورة الثوار مثل العمالة للخارج أو الحصول على أموال من خارج البلاد أو العمل لأجندات خارجية وقد برز ذلك فى الادعاء بأن الثوار يأكلون من «كنتاكى» لتشويه الصورة.. ثانى الآليات هو «استخدام العنف» وخير مثال على ذلك «معركة الجمل» وفتح السجون التى كان هدفها ضرب عمق الثورة.. والآلية الثالثة «استخدام فائض المعلومات» وذلك عن طريق فضح المجتمع ورموزه لشل حركته فى اتخاذ القرار والتشكيك فى المجتمع وهذا هو أسلوب تسريب «وثائق أمن الدولة» التى كانت بفعل فاعل.. لترويع المجتمع ونشر الشائعات لتعطيل الثورة.. ورابع الآليات هو أخطرها وهو «الانقسام الطائفى» عن طريق نشر الفتنة الطائفية مثلما حدث فى قرية صول وفى المقطم لهز لحمة المجتمع التى كانت متماسكة بشكل غير عادى أثناء الثورة.. وخامس الآليات التى تستخدمها الثورة المضادة وهى «الاغتيالات» وهى لم تحدث حتى الآن ونتمنى ألا تحدث وذلك لأن الهدف منها هو نشر الفوضى فى المجتمع فى حالة اغتيال أية شخصية سياسية من أى تيار أو فصيل أو رمز سياسى أو مرشح لمنصب والهدف هو انقسام المجتمع وانتشار التخوين حتى بين الثوار.. ولأننا نعيش الآن مرحلة الرومانسية الثورية بعد تحقيق كثير من الأهداف بعد شهرين فقط من الثورة.. يبدو أن قدرة الثوار على استيعاب ما حدث ليست بالمستوى المطلوب.. وهذا شىء طبيعى لأن التحولات الهيكلية فى أى مجتمع تحتاج إلى التروى لاستيعابها.. فلنأخذ استراحة لفهم الثورة الكلية.. وهنا نقول إن ما يحدث فى المجتمع شىء طبيعى ولكن السؤال المهم كم من الوقت سيستغرق المجتمع لفهم التحولات الإيجابية التى حدثت من داخله.. وأساليب وآليات مواجهة الثورة المضادة والتى تعتمد على اليقظة والاحتواء والتصالح والتسامح والتروى والوحدة الوطنية واستغلال عنصر الوقت ودوران عجلة الحياة والإنتاج.. والسير فى خطين متوازيين الانتقال الديمقراطى والعمل لتنمية المجتمع وتفجير طاقاته بأسرع ما يمكن.. والأهم هو الهدوء.. وهذا يلخصه الإمام محمد متولى الشعراوى فى كلمات بسيطة عن الثائر الحق وهى «آفة الثائر أنه يظل ثائراً.. عايز كل شوية يعمل دوشه.. ولكن الثائر الحق الذى يهدم الفساد.. ثم يهدأ ليبنى الأمجاد».. وهذا هو القول الفصل!!