إن ما حدث فى مصر فى 25 يناير هو أقصر ثورة شعبية حدثت فى تاريخ البشرية كلها فمن دعوة شبابية إلى تحرك كل فئات المجتمع ثم إطاحه بشخص وهذا الشخص يمثل نظاما كاملا.. فمن سمات الدولة المصرية القديمة شخصنة السلطة أو الفرعونية السياسية.. وبالرغم من عفوية تلك الثورة.. حيث لم تتبع خطا أيدولوجيا معينا وهذا هو ما ساعدها على تلاحم الكتل البشرية والطبقات المختلفة لتشكل ضغطاً على السلطة الحاكمة لتغيير نفسها ثم لتترك السلطة مجبرة.. ومن أهم ما يميز تلك الثورة أنها بدأت من الواقع الافتراضى وتشكلت بفعل المجتمع المدنى الافتراضى وهى ظاهرة فريدة فى تاريخ البشرية جمعاء.. وهذا يدل عبقرية الشعب المصرى.. والرئيس الإيطالى قال تعليقاً على نجاح الثورة يوم 11 فبراير «هذا ليس غريباً على مصر.. فالتاريخ كله يبدأ منها» ولتفسير ما حدث وما سيحدث يجب أن نفهم مصطلح «حركة التاريخ» وعلاقته بروح العصر.. فالتاريخ كما يقول له الفيلسوف الألمانى هيجل يتحرك على خط مطرد بفعل الصدام بين الأفكار.. فبمجرد ظهور فكرة يصاحبها عمل وخطة تصبح أيديولوجية ثم يقابلها فكرة أخرى تعارضها.. وبدخول الفكرتين إلى الصراع يظهر الهجين من بينها وهذه هى كيفية حركة التاريخ.. فثورة نوفمير 1917 فى روسيا القيصرية كانت نتيجة مخاض فكرى طويل.. انتهى عام 1921 بسيطرة أصحاب رأى وفكرة على فصيل آخر.. وهذا هو القادم فى مصرنا الحبيبة لذلك يجب أن يتعامل الجميع بوعى مع هذا الوضع المحتمل.. وهناك علاقة بين فكرة المواطنة وعلاقتها بحركة التاريخ فالمواطنة علاقة صراعية منذ بدء الخليقة بين السيد والخادم والسلطة الزمنية والسلطة الروحية وصراع بين الأغنياء والفقراء .. وعلى مدار التاريخ حسم الصراع لصالح الفئة الأكثر عدداً على مر التاريخ وهذا هو مايعرف بحركة التاريخ لصالح إرساء قواعد المواطنة.. والموطنة هى المساواة بين الفئات المختلفة للمجتمع الواحد.. ولذلك يجب التعامل بناء على عقد اجتماعى يفرض فيه الشعب سلطة الزمنية لتحكمه وهذا هو جوهر الديموقراطية التمثيلية وروح النظام الجمهورى.. وإذا وضعنا العوامل الداخلية فى مصر من مركزية الحكم تاريخياً وأرثوذكسية الشعب شرقيته وتمسكه بالعادات والتقاليد إلا أن الوضع يتشابه مع كثير من دول العالم.. فما تمر به مصر الآن هو مرحلة الديمقراطية الانتقالية التى قد تستغرق بعض من الوقت من «15 إلى 25 عاماً».. حتى تكون الخبرة المجتمعية للشعب والنخبة على السواء للمحافظة على على مدنية الدولة واحترام الآراء وحتى يحدث هذا الاستقرار الثقافى وهو ما يقول عنه آدم سميث اقتصادياً قوى العرض والطلب السياسى.. وعندما يحدث التوازن الاجتماعى.. وهذا يخضع لسلطة القدر وهذا ما أطلق عليه آدم سميث «اليد الخفية» التى تصحح الأوضاع لخلق وضع توافقى يرضى المجتمع.. وهناك أمثلة للتحول الديموقراطى فى التاريخ الحديث فألمانيا الغربية من 1945 حتى 1949 بحثت عن النموذج الذى يناسبها وفى اسبانيا بعد موت الجنرال فرانكو عمل الملك خوان كارلوس على إنشاء نظام برلمانى يقدس التنوع والتعددية.. وفى البرتغال عام 1974 عمد الجيش على نقل السلطة للحكومة المدنية وإرساء حياة حزبية سليمة فى أقل من سنتين.. وفى تركيا إثر انقلاب 1981 عمل الجيش كما فى ماليزيا على وضع أسس ديموقراطية وإرساء ثقافة جديدة للشعب ليستوعب التنوع والتعدد بعد سنين من التسلط. وعلى هذا نحن علينا أن نتقى الله فى وطننا بحكم المسئولية التاريخية.. وأن نعرف حركة التاريخ ونعرف أهمية الحوار لتحقيق انتقال سلمى للسلطة بعيداً عن الدخول فى صراعات حزبية أو فكرية أو حتى دموية.. حتى لانكون كالعراق ولبنان.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.