لا بأس أن يتكلم الجميع فى السياسة الآن فنحن فى ظروف خاصة يجب أن يشارك فيها كل صاحب رأى أو مشورة.. فكلنا مواطنون وهذه مصرنا جميعا ولكن هل يمكن أن تصل البلاد إلى بر الأمان فى ظل هذا الغليان الإدارى والفئوى؟ وإذا كان هؤلاء المحتجون قد صبروا كل تلك السنوات الطوال ألا يستطيعون أن يصبروا حتى تنتهى الشهور القليلة المقبلة والتى لن تتجاوز 6 أشهر، كما أعلن ذلك وتعهد به المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذى يتولى إدارة دفة البلاد فى تلك الفترة العصيبة؟ لقد كان قادة القوات المسلحة - أعضاء المجلس العسكرى- عند حسن الظن بهم دائما، وأعلنوا منذ اليوم الأول لتسلمهم السلطة مؤقتا أنهم سيعملون على تحقيق الأمن واستقرار البلاد تمهيدا لتسليمها للسلطات المنتخبة من الشعب فى ظل دولة ديمقراطية مدنية. بمعنى أننا الآن فى فترة انتقالية تدير دولاب العمل اليومى فيها حكومة «تسيير أعمال» بالتزامن مع فتح جميع ملفات الفساد واسترداد أموال الشعب المنهوبة فى الداخل والخارج مع الإسراع بالانتهاء من التعديلات الدستورية العاجلة وما تتطلبه من تعديلات فى بعض القوانين المرتبطة بذلك تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة لمجلسى الشعب والشورى وحتى يتمكن الرئيس الجديد المنتخب من الشعب من حلف اليمين الدستورية أمامهم وبدء مرحلة جديدة فى تاريخ البلاد تسودها العدالة والمشاركة الكاملة فى السراء والضراء، والمساواة فى جنى ثمار ما يتحقق من تنمية ونمو اقتصادى وانفتاح سياسى، وأعتقد أن ما اتخذ من خطوات وما أذيع من بيانات، يؤكد أننا نسير الآن على الطريق الصحيح نحو الهدف المنشود خاصة فى ظل الحرص على أن يكون كل ما يتم من إجراءات خاضعا للشرعية وبطريقة سلمية هادئة ولكن يعد دراسة عميقة. وقد لا يفهم البعض مغزى حل مجلسى الشعب والشورى مع تعطيل العمل بالدستور الحالى. فالمجلسان مطعون على شرعيتهما لما شاب انتخاباتهما من بطلان أكدته أحكام القضاء الإدارى كما أن الدستور لم يلغ ولكن عطل العمل به واستبدل فى العمل به مؤقتا «بإعلان دستورى» إلى أن تنتهى اللجنة المشكلة الجديدة من عملها فى تعديل المواد الخمس المطلوبة والتى توافق عليها الجميع وبعدها سوف تعرض تلك التعديلات للاستفتاء العام من الشعب، وإذا تمت الموافقة عليها سيصدر إعلان دستور جديد لإعادة العمل بالدستور القائم «دستور 71» بعد تعديل المواد الخمس وإلغاء المادة 179 حتى تكون كافة الإجراءات اللاحقة دستورية بما فيها انتخابات مجلسى الشعب والشورى وكذلك انتخاب الرئيس الجديد للبلاد. *** وقد يندهش البعض من هذا الحرص على الشرعية الدستورية والقانونية، ولكن هذا الاندهاش يزول على الفور متى يعلم أنه ميراث مصرى قديم خاصة فى التاريخ الحديث ومنذ حكم أسرة محمد على وقد كان أجنبيا وكانت مصر ولاية عثمانية حيث صدر فرمان من الباب العالى فى فبراير 1841 إلى محمد على باشا بتوليته مصر له ولورثته من بعده، وفى فبراير 1882 صدرت بأمر عال لائحة مجلس شورى النواب، ثم صدر القانون النظامى المصرى عام 1883، إلى أن تم إصدار دستور جديد للمملكة المصرية فى فبراير 1923، ثم دستور 1930، حتى قامت ثورة يوليو واسقطت الدستور السابق وأعلنت شرعية جديدة بمقتضى الإعلان الدستورى الصادر فى ديسمبر 1952، ثم الدستور المؤقت عام 1956، والذى تغير بقيام الجمهورية العربية المتحدة فى مارس 1958 حتى صدور الإعلان الدستورى الثانى- بعد الانفصال عن سوريا فى سبتمبر 1962، وبعدها صدر دستور جديد فى مارس 1964، ثم ما سمى وقتها بالدستور الدائم لجمهورية مصر العربية فى سبتمبر 1971 والذى نحن بصدده الآن والذى يجرى حاليا تعديل بعض مواده المتعلقة بكيفية انتخاب رئيس الجمهورية وكذلك مدة الرئاسة وإجراءات الإشراف القضائى على الانتخابات العامة والفصل فى صحة عضوية البرلمان. فكل ما تقدم من تاريخ دستورى يؤكد أن مصر الدولة والشعب تحترم الشرعية وأنها دولة مؤسسات وأنها رائدة الحياة البرلمانية والديمقراطية فى المنطقة وأن ما يحدث الآن ما هو إلا «عثرة» مؤقتة سوف تعود معها البلاد لسابق عهدها كما كانت من مئات السنين. والغريب أنه فى ظل هذا الحرص الشديد من قبل المجلس العسكرى على توفير الشرعية القانونية لكل ما يتم من إجراءات نجد بعض الفئات والتجمعات يحتجون فيما يشبه العصيان المدنى، لقد أراد البعض بشكل انتهازى مرفوض جنى ثمار ثورة الشباب الطاهر وما دفعه من تضحيات زادت على 350 شهيدا وأكثر من خمسة آلاف جريح. لقد ثار الشباب والمجتمع من أجل مستقبل أفضل للبلاد وليس من أجل أن يحصل البعض على بضعة جنيهات قليلة زيادة على مرتبه أو ترقية قد لا تسمن من جوع أو تروى من عطش. *** فيا أيها المحتجون تعالوا إلى كلمة سواء فلتأجلوا مطالبكم حتى تبرد دماء شهدائكم الزكية، كونوا مصريين كما كان شباب 25 يناير والذين مازال البعض منهم يجوب الشوارع والميادين لتنظيفها وتجميلها وتنظيم المرور فيها. ثم ما هذا الذى يحدث من اتهامات توزع كيفما شاء حتى طالت المتهم والبرىء والغريب أن بعض مقدمى هذه البلاغات ليسوا بعيدين عن الشبهات وثارت حولهم من قبل الكثير من علامات الاستفهام. والأغرب من ذلك خروج بعض «الفئران» المذعورة - فى ظل النظام السابق- من جحورها لتعتلى منصات الحديث وشاشات التليفزيون وصفحات الجرائد والمجلات. فأين النخوة وأين الرجولة فى ذلك؟ لماذا سكتوا دهرا ثم نطقوا كفرا؟ فالرجولة هى أن تقول كلمة الحق أمام سلطان جائر.. وهو ما لم يحدث.. فهل ترغبون فى سرقة ثورة الشباب وجنى ثمارها؟.. يا لا حمرة الخجل! *** لا نريد تصفية حسابات أو انتقامات شخصية وأن نخضع جميعا للقانون.. فمن البديهيات فى هذا المجال أن المتهم برىء إلى أن يصدر بحقه حكم نهائى بات بالإدانة خاصة أن لدينا نيابة عامة أمينة على المجتمع يرأسها نائب عام لا يألوا جهدا فى سبيل إعادة الحقوق لأصحابها وأيا كان موقع الجانى أو منصبه. ولكن لا يجب أن نشغله بتوافه الأمور أو ببلاغات كاذبة أو كيدية.. لأن هذا الوقت المستقطع سوف يكون على حساب القضايا المهمة والجادة والتى يمكن من خلالها استرداد ما تم الاستيلاء عليه من أراض أو ما نهب من أموال دفنت فى الداخل أو هربت إلى الخارج ويجب أن يعلم الجميع أن هذا الهدف «عودة الحقوق المنهوبة» لن يتم بين ليلة وضحاها وإنما هناك تحقيقات ثم محاكمات ثم درجات أخرى من الاستئناف والنقض، نعم قد تكون هناك محاكمات سريعة وعاجلة.. ولكن لابد أن تتوافر فى كل الأحوال محاكمة عادلة حتى لا يظلم برىء أو يهرب متهم من العقاب. وأرجوا ألا يبالغ البعض فى توقعاته.. حتى لا تخيب آماله فالأموال المستردة لن تكون «كنز على بابا» سوف يغرف منه الجميع «كاش» وإنما هى أموال عامة سوف تستخدمها الحكومة لتمويل مشروعات استثمارية أو توفير خدمات أساسية يحتاج إليها المجتمع والناس. واقترح إنشاء «صندوق خاص» تجمع فيه كافة الأموال المستردة لتعويض الذين أصابهم ضرر بالغ طوال السنوات الماضية سواء كان هذا الضرر فى صورة فقر مدقع أو مرض عضال بسبب قلة الحيلة أو عدم الحصول على نصيبهم العادل من ثروة المجتمع والتى كانت تذهب إلى قلة قليلة على رأس الهرم الاجتماعى. *** نحن الآن على أعتاب مرحلة جديدة نحتاج فيها إلى الهدوء والحوار إلى أن تصل سفينة البلاد إلى بر الأمان. حفظ الله مصر وحمى شعبها من كل سوء