كنا نقول إنهم شباب مائع وضائع ولا يستطيع تحمل المسئولية.. بل إننا كدنا نفقد الأمل فى مستقبل مصر بسبب الأوضاع التى آل إليها حال الشباب قبل 25 يناير 2011، بل تساءل الكثيرون: هل يستطيع شباب بهذه المواصفات وعلى هذا الوضع تحمل مسئولية قيادة البلاد وحماية أمنها واستقرارها ومكتسباتها. الأكثر من هذا شكك الكثيرون فى هذا الشباب وفى قدرته على خوض حرب أو أية معركة محتملة فى منطقة حافلة بالمخاطر والتحديات والتهديدات.. وقال البعض: هل يتمكن هؤلاء من الصمود فى أية مواجهة قادمة؟ الكثير من التساؤلات والمخاوف والشكوك ثارت حول الأجيال الجديدة التى ظن أغلبنا أنها قد ضاعت بالفعل.. وليست فى طريق الضياع فقط. ولكن المفاجأة المذهلة التى هزت العالم بأسره انطلقت شرارة ثورتها يوم 25 يناير الماضى.. لقد فاجأ هؤلاء الشباب الأشراف أنفسهم قبل العالم ونحن على يقين أنهم لم يتوقعوا مسار الأحداث بهذه السرعة والقوة والزخم، وبهذه النتائج الرائعة المبشرة بفجر جديد على مصر.. وعلى البشرية كلها. وعندما يقول الرئيس الأمريكى أوباما إن الشعب المصرى بما يحظى به من شغف للحرية والكرامة شكل مصدر إلهام للعالم وللولايات المتحدة ذاتها.. فإنه يعكس جانباً من الحقيقة.. بلا مبالغة ولا تهويل.. فقد تحول ميدان التحرير إلى أكاديمية عالمية للحرية.. طلابها من الأحرار صغارا وكبارا.. شيوخا ونساء وأطفالاً، الكل انصهروا فى بوتقة حب مصر وهدفهم الارتقاء بها إلى المكانة الجديدة اللائقة التى تستحقها. نعم لقد أبهرنا الشباب بهذه الثورة الأكبر فى تاريخ مصر.. القديم والحديث.. فهى ثورة شبابية سلمية خالصة... ثورة استخدم فيها أحدث أساليب التكنولوجيا وانتقل بها من العالم الافتراضى (Virteal World) إلى أرض الواقع. كنا نقول إنهم محبوسون فى أبراج الإنترنت وغرف الشات وصناديق البريد الالكترونى، ولكنهم أخرجوا منها أعظم كنوز العصر ثورة 25 يناير، لم يجدوا فيها ذهبا ولا ألماسا ولا ياقوتا، ولكنهم اكتشفوا الحرية والكرامة والنبل والتحدى والإرادة العظيمة.. فى أعظم صورها. لقد عشت وأبنائى وأقاربى وجيرانى مع هؤلاء الشباب فى أعظم أيامهم.. وأصيب الكثيرون منهم.. ومنهم ابنى، ورغم حزنى عليه فإننى كنت فخوراً به فى قرارة نفسى، بل إنهم شجعونى على النزول إلى الشارع مع المتظاهرين، فأعادوا اكتشافى كما أعادوا اكتشاف مصر كلها. لقد كانت صورة مصر سلبية إلى أسوأ الحدود أمام العرب والعجم.. جهل وتخلف ورشوة وفساد.. إلى آخر الصورة النمطية التى شاعت عنا.. فجاءت هذه الثورة الشعبية الشبابية لتصحح كل هذا، بل وتضع الأسس لمصر الجديدة بصورة مشرقة بديعة رسمتها ريشة الأبناء بدمائهم الزكية.. دماء أغلى من الذهب.. وأرواح طاهرة تعانق الملائكة. *** هنا نتساءل: لماذا نجح هؤلاء الشباب؟ لماذا نجحت تلك الثورة؟ وكيف بلغوا ذروة المجد؟ ولماذا سيخلدهم التاريخ فى أعظم سجلاته؟ بداية إنه توفيق الله هذه حقيقة واقعية وليست مسألة طوباوية أو مثالية غير واقعية، فكل من عرف هؤلاء الشباب عن قرب يدرك أنهم مؤمنون بالله.. ملتزمون مهذبون.. على أعلى درجات الأدب والاحترام، وهذه قاعدة كلما اقتربت من الله زاد الله قدرك ويسر رزقك.. وارتقى بك إلى مصاف الصالحين المصلحين.. نقول هذا حتى بالحسابات المادية البشرية الدقيقة.. فعندما تشاهد إنساناً ملتزما يعرف ربه ويخدم وطنه وأهله فثق تماما أنه رابح فى علم السياسة وتاريخ الثورات، إنه نموذج جديد سوف تدرسه الشعوب الساعية إلى التحرر، المتطلعة إلى نيل حقوقها وروح «الهواية الثورية» حملت فى كل مراحلها مفاجآت عديدة ساهمت فى نجاحها وفاجأت خصومها. الإرادة الصلبة هى العامل الرابع الذى ساهم فى نجاح الثورة فهؤلاء الشباب لم يهنوا ولم يتراجعوا ولم يرتعدوا.. حتى أمام القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحى.. وكل وسائل البطش والقمع والتخويف.. واجهوها بصدور عارية، ولكنها عامرة بالإيمان والصدق واليقين والثقة فى بلوغ الهدف المنشود الذى أصروا عليه واستمروا فيه دون رهبة أو وجل. اتساع قاعدة المشاركة والتأييد الشعبى.. كان الرافد الخامس الذى غذى ثورة فلذات الأكباد، نعم إنها بدات صغيرة، ولكنها تطورت وأصبحت ثورة عظيمة.. التحق بها أغلب جموع الشعب مما زادها قوة وزخما وتصاعدا ونجاحا،ومن المؤكد أن مفجرى هذه الثورة لم يكونوا يتوقوعون هذا الالتفاف وهذا التلاحم الرائع بين أبناء الأمة الواحدة. الوعى والذكاء وسعة الصدر.. من أسباب نجاح الثورة، فقد شاهدت التجربة على الطبيعة.. شاهدت فلذات الأكباد وهم يديرون أمورهم على أرض الواقع بمنتهى الحكمة والحنكة التى تفوق ما لدى الشيوخ والحكماء!! ولا أبالغ عندما أقول إنهم يحظون بسعة صدر فاقت الكبار، بل إنهم تحملوا بعض نرفزة الكبار وكانوا يحتوونهم ويربتون على أكتافهم!! *** هنا يجب أن نعرض تجربة اللجان الشعبية التى أنشأها أبناؤنا الشباب فى مختلف أنحاء مصر لحمايتها من عبث العابثين.. وهنا لا نتناول فقط تأمين المنشآت هذه المعجزة.. بفضل الله أولاً، ثم بفضل تكاتف كافة جموع الشباب وإذا كنا نقول إن المرأة تمثل نصف المجتمع.. فإنها فى ثورة 25 يناير مثلت أكثر من نصف المجتمع، وقادت الملايين من الرجال والشيوخ وهذا يدفعنا لأن تمثل المرأة مكانتها اللائقة فى حياتنا العامة وفى كافة مواقع القيادة. النصر الثالث لنجاح ثورة 25 يناير هو أداؤها بروح الهواية.. وليس بلغة الاحتراف!! فالمحترفون عادة ما يحسبون كل شىء بالورقة والقلم.. سواء كان هؤلاء من الساسة المخضرمين.. أو حتى البلطجية المأجورين، المحترفون يقولون: ماذا سنكسب وماذا سنخسر فى كل عملية أو كل خطوة؟ ومن سيقف معنا؟ وما هى القوى التى تعارضنا؟ أما هؤلاء الثوار الهواة.. فلم يحسبوها بالطريقة التقليدية.. كما يفعل المخضرمون.. لقد انطلقوا بروح ثورية جديدة.. ووضعوا قواعد جديدة وللممتلكات والبشر، ولكننا نتحدث عن أسلوب «الإدارة الذاتية» لشئون الأحياء.. لقد برع هؤلاء الشباب فى التفكير والتخطيط والتنفيذ.. رغم حدوث هفوات بسيطة أثناء الممارسة الواقعية، ولكنهم بشكل عام أكدوا قدرتهم على تحمل الإدارة والتقدم فيها. واستخراج الموارد البسيطة المتاحة بصورة مثلى وبشكل عام.. فإن مصر والمنطقة والعالم - دون مبالغة - يشهدون عصرا جديدا.. بدأ من ميدان التحرير.. وسوف يشمل كافة الميادين لتحرير البشرية كلها.