لم تأت من فراغ كلمة المندوب الروسى لدى حلف شمال الأطلنطى «ناتو»، والتى أبدى فيها استعدادة لدفع مليون دولار لمن يثبت بالدليل القاطع أن الناتو لا يضع خططه العسكرية ويبنى استراتيجية فى مواجهة روسيا. فالمفهوم الاستراتيجى الجديد الذى يحدد سياسة الناتو فى العقد القادم وفقاً للقرارات الصادرة عن قمة لشبونة الأخيرة «19-20 نوفمبر الماضى» بالتأكيد يؤثر بالسلب على الأمن القومى الروسى. ذلك لأن هذا المفهوم الاستراتيجى أثبت خلال تلك القمة ومن خلال القرارات الصادرة عنها أن هذا التحالف السياسى العسكرى ينوى الاستمرار فى لعب دور خاص مسيطر ومهيمن فى الساحة الدولية وهذا الدور يقتضى ضمناً تأمين الحماية ومنع الأزمات والتحكم فى الصراعات بمختلف أنحاء الكرة الأرضية وذلك من خلال القيام بعمليات عسكرية بقيادة وتحت إشراف التحالف. والأكثر من ذلك أنه لوحظ خلال القمة الأخيرة تنامى قوة الناتو العسكرية القادرة والفاعلة فى أى موقف ولم يكن هناك أى ذكر لتخفيض قوة التحالف أى أن كل شىء بقى على ماهو عليه وربما العكس هو الصحيح. فهناك تكليف بإنشاء قوات عسكرية تكون قادرة على قيادة عمليات رئيسية مشتركة مثل التى يقودها الناتو فى أفغانستان والعراق، وفى نفس الوقت تكون قادرة على القيام بعدة عمليات أصغر يمكن أن تضمن الدفاع المشترك وإمكان التصدى للأزمات. دمج نووى وتقليدى/U/ وبالإضافة إلى إمتلاك الناتو للأسلحة التقليدية، فإنه يظل ممثلاً لقوة تحالف نووية، فهناك مقطعان فى المفهوم الاستراتيجى للتحالف يؤكدان على أهمية الحفاظ على السلاح النووى مادام موجود لدى دول أخرى فى العالم. ومن الواضح أن التحالف ينتهج خطاً استراتيجياً لمنع انتشار القوة يقوم على الدمج بين السلاح النووى والتقليدى. كما يؤكد أن أمن كل الدول الأعضاء فى الناتو تضمنه القوة النووية الاستراتيجية الموجودة لدى كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا. ولاذكر بالمرة لإزالة الأسلحة النووية الأمريكية من أوروبا حتى وإن كان هذا يمثل انتهاكاً لمعاهدة منع انتشار السلاح النووى. كل مافعلوه خلال قمتهم هو أنهم وعدوا بتوفير الظروف التى تسمح مستقبلاً بتخفيض السلاح النووى فى القارة الأوروبية ولم تصدر عن القمة أية وثيقة تشير إلى التخلى عن عقيدة الناتو الخاصة بالضربة النووية الأولى. وكشفت قمة الناتو أيضاً عن وجود خطط دفاعية ضد الصواريخ البالستية العابرة للقارات وذلك لحماية القوات المسلحة والسكان وأراضى الدول الأعضاء. وتقرر تجهيز خطة استجابة معينة لإنشاء نظام دفاعى صاروخى مشترك تمهيداً لاجتماع وزراء دفاع دول الناتو فى يونيو 2011. وفى قمة الناتو الأخيرة نجد أن الاختلاف السابق فى الموقف مع روسيا بخصوص الموضوعات المتعلقة بتوسع وامتداد الناتو، بقى على حاله دونما أى تغيير، فالمفهوم الاستراتيجى ظل يؤكد على القرارات السابقة التى تبقى أبواب التحالف مفتوحة على مصراعيها أمام كل الديمقراطيات الأوربية التى تتوافق مع معايير الناتو وتشاركه قيمه. وفى القمة أيضاً تمت المطالبة بتعزيز مشاركة كل من أوكرانيا وجورجيا للعمل من خلال التحالف. كما تمت مطالبة روسيا مرة أخرى بإلغاء قراراتها الخاصة بالاعتراف بسيادة واستقلال كل من أبخازيا وأوسستيا الجنوبية. تجاهل تام/U/ وفيما يتعلق بصياغة طموح الناتو للتعاون مع روسيا فى مجال الصواريخ الدفاعية والتصدى للإرهاب والقرصنة وترويج المخدرات وتعزيز الأمن الدولى بصورة أشمل، نجد أن قمة تحالف الناتو تجاهلت تماماً موضوع مسألة الحاجة إلى صياغة معاهدة أمن أوربى جديدة وهو ماتقدمت به روسيا. كل ماسبق ذكره يثير لدى الروس مشاعر متداخلة وتفاؤلاً حذراً فى العلاقة مع فرضية أن المفهوم الاستراتيجى للناتو لم يعد يشكل تهديداً لهم. فإذا لم يكن هذا كله ضد روسيا فضد من إذن هذه القوة العسكرية التى يتم توسيعها وتحديثها أولاً بأول خاصة أن الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو لم يعد لهما وجود؟