قبل انتقاله إلى سان فرانسيسكو لتولى منصب رئاسة مؤسسة (Asia foundation) والتى تعمل فى مجال تحسين نظم الإدارة العامة والقانون والمجتمع المدنى والإصلاح الاقتصادى بقارة آسيا.. التقت «أكتوبر» السيد ديفيد أرنولد رئيس الجامعة الأمريكيةبالقاهرة والتى ستنتهى فترة رئاسته للجامعة بنهاية العام الحالى. أشار أرنولد - خلال حواره - إلى المنظومة التعليمية فى الجامعة الأمريكية ودورها فى نشر العلم والمعرفة وعمل جسر للتواصل بين الحضارات نافياً أن تكون الجامعة لديها أجندة سياسية تعمل من خلالها. وعبّر عن حبه وتقديره للشعب المصرى مشيداً بالعلاقة الدافئة بين المسلمين والأقباط باعتبارهما نسيج المجتمع، ورفض المحاولات المفتعلة التى تسعى لتشويه تلك العلاقة الطيبة وتعكر صفو الحياة داخل المجتمع المصرى.. وتطرق لموضوعات وقضايا كثيرة خلال الحوار التالى.. * ما هى حقيقة ما يثار عن أن الجامعة الأمريكيةبالقاهرة هى مجرد مؤسسة تابعة للولايات المتحدةالأمريكية تقوم بأداء دور سياسى بمنطقة الشرق الأوسط؟ ** لقد سمعت كثيراً عن تلك العبارات التى يرددها البعض من أعداء النجاح أو بعض أصحاب الأفكار الهدامة وأنا أضحك عندما أسمع مثل هذه العبارات حيث إن الجامعة هى مؤسسة تعليمية وليست مؤسسة سياسية وليس لنا أى أجندة سياسية فالجامعة الأمريكية ثانى أقدم جامعة فى مصر وهى جزء من الثقافة المصرية وهى جامعة من أهم الجامعات ذات طبيعة خاصة فالجامعة تنقل أفضل طرق التعليم والثقافة من أمريكا والعالم إلى مصر من أجل نشر العلم والمعرفة وعمل جسر من التواصل بين الحضارات، لذا فإنه لا يوجد لدينا أى أجندة سياسية أو أى علاقة بالسياسة الأمريكية سوى أننا جزء من الولاياتالمتحدة يصعب الفصل بينه وبين الثقافة الأمريكية. * وأنت فى الطريق من واشنطن إلى القاهرة خلال رحلة استغرقت ما يقرب من 22 ساعة لتولى منصب رئاسة الجامعة الأمريكيةبالقاهرة بماذا كانت تحدثك نفسك وما هى الأفكار التى كانت تجيش بداخلك؟ ** إن هذا السؤال يرجع بى إلى عام 2003 أى بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر وتغيير الخريطة السياسية واضطراب العلاقات بين الشرق والغرب مما جعلنى أشعر بشىء من الخوف من الاصطدام بحضارة وشعب لا أعرف عنهم الكثير ولكن كان عندى إيمان بأننى فى مهمة رسمية ومحددة كمبعوث دبلوماسى مهمته تقريب وجهات النظر والقيام بعمل جسر لربط عدد من الحضارات والثقافات والشعوب بعضها ببعض وكان لدى شعور بأن الجامعة الأمريكية والتى تحتوى على طلاب من أكثر من مائة دولة مختلفين فى العقائد والعرق، هى المكان المناسب لإيصال رسالتى إلى كافة شعوب العالم وأعتقد أننى نجحت إلى حد كبير فى تلك المهمة والتى لا أنكر أنها كلفتنى الكثير من الوقت والجهد ولكننى فى النهاية سعيد بأننى نجحت فى أن أتحاور مع الآخر بشكل علمى وثقافى متحضر. أنشطة اجتماعية * كنت تعمل قبل تولى رئاسة الجامعة فى مجال المجتمع المدنى فى العديد من دول العالم.. هل استمر هذا العمل بجانب رئاسة الجامعة؟ ** بكل تأكيد أنا أجد نفسى فى مجال خدمة المجتمع وأشعر بأننى أؤدى رسالة لذا لم ينقطع عملى فى هذا المجال سواء قبل أو بعد رئاستى للجامعة، بل بالعكس كانت الجامعة بالنسبة لى مركزاً ومنارة لهذا النشاط حيث إن الجامعة تتميز بأنها على اتصال دائم بالمجتمع من خلال العديد من الأنشطة الاجتماعية والمراكز مثل مركز تنمية الصحراء ومراكز ونشاطات أخرى وأننى كنت فى غاية السعادة لمشاركة طلاب الجامعة معى فى مجال خدمة المجتمع واتساع دائرة الخدمات المقدمة منها فى مجال الصحة وفى مجال تمكين المرأة وكذلك مساعدة المهمشين وغيرهم وبالتالى لم ينقطع عملى فى مجال خدمة المجتمع. * فترة رئاستكم كانت من أهم الفترات التى شهدت الكثير من الأنشطة والأعمال المهمة فى تاريخ الجامعة والتى كانت على رأسها نقل مقر الجامعة من منطقة التحرير إلى المبنى الجديد بالتجمع الخامس فما هى أهم الإنجازات التى كانت فى تلك الفترة؟ ** بكل تأكيد كانت الفترة الزمنية منذ عام 2003 حتى عام 2010 هى فترة حراك ونشاط داخل الجامعة ولكن لا أستطيع أن أنسب هذا الفضل لنفسى لقد كان معى فريق عمل متكامل كلهم أدوا واجبهم على أكمل وجه لا أستثنى منهم أحداً حتى العامل البسيط ولولا روح الفريق الواحد لما تحققت هذه الإنجازات والتى كان من أهمها إتمام حملة جمع الأموال لإنشاء الحرم الجديد برصيد تجاوز الهدف الأصلى وهو مائة مليون دولار وكذلك إطلاق برنامج إعداد وتنمية القادة فى الجامعة وكذلك إطلاق برنامج الدكتوراه بالجامعة وتوسيع مفهوم خدمة المجتمع وإدماجها ضمن خبرة الطالب التعليمية وإطلاق العديد من المبادرات الداخلة لتعزيز الكفاءة التشغيلية بالجامعة وغيرها من الأعمال التى استطاع فريق العمل إنجازها خلال السنوات الأخيرة. جودة التعليم * كيف ترى العملية التعليمية فى مصر؟ ** شهدت العملية التعليمية فى مصر خلال الثلاثين عاماً المنقضية نهوضاً كبيراً وتحسناً ملحوظاً وذلك حسب تقرير الأممالمتحدة وإن كان هناك بعض المشكلات البسيطة التى تواجه المسئولين فى مصر والتى من الممكن التغلب عليها ويأتى على رأسها بل أهمها الجودة التعليمية ثم نوعية التعليم المقدم ومدى ارتباطه بسوق العمل بجانب بعض التحديات التى توجد فى جميع دول العالم الثالث ليس مصر بالتحديد وإن كانت مصر من أولى الدول التى استطاعت بالشكل الكبير أن تمنح مواطنيها فرصة التعليم بنسبة كبيرة حيث إن هناك ما يقرب من 70% من الطلاب فى المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية بجانب برامج محو أمية الكبار والمتسربين من التعليم وأنا أعتقد أن مصر تؤدى بشكل جيد وتسير بخطوات ثابتة نحو إصلاح العملية التعليمية. * تعتبر الجامعة الأمريكية نموذجاً ناجحاً فى النهوض بالعملية التعليمية.. فلماذا لم تأخذ الدولة بنظام التعليم الجامعى بالجامعة الأمريكية وتقوم بتطبيقه على مستوى الجامعات الحكومية؟ ** الجامعة الأمريكية تعتبر نموذجاً فريداً ذات طبيعة تعليمية خاصة لها مناهج تعليمية وبرامج تم تصميمها فى الولاياتالمتحدةالأمريكية لتتناسب وطبيعة المجتمع المصرى لذلك من الصعب تطبيق نظام العمل بالجامعة الأمريكية على أى جامعة أخرى وهناك نقطة فاصلة لابد أن تؤخذ فى الاعتبار فعدد طلاب الجامعة الأمريكية حوالى خمسة آلاف طالب فى حين تحتوى جامعة القاهرة فقط على ما يقرب من 250 ألف طالب، لذا صعب جداً الربط بينهما وإن كنا نحاول التواصل مع الجامعات المصرية من خلال الأبحاث العلمية عن طريق إدارة مشتركة تربط بين الجامعة وعدد من الجامعات المصرية من أجل النهوض بمجال البحث العلمى فى مصر. * يرتبط اسم الجامعة الأمريكية بسيادة مبدأ الحرية المطلقة والتى قد تتنافى مع طبيعة المجتمعات الشرقية.. فما تعليقك؟ ** الجامعة تحترم الحرية المطلقة ما دامت لا تؤذى الآخرين أو تسبب أى ضرر مادى أو معنوى، وليس هناك أى تحرر على الرغم من تعدد الجنسيات حيث إن القيم الأصيلة والنبيلة دائماً ما تفرض نفسها على الساحة وتزيل كافة الشوائب والدليل على ذلك أن طلاب الجامعة هم من أعلى نسبة ثقافة وتعليم على مستوى الجامعات المصرية ومازلت أكرر أن الجامعة مؤسسة تعليمية هدفها رفع ثقافة الطلاب الدارسين بها فقط، أما عن الحرية والديمقراطية فالجامعة تحترم ذلك بل تقوم بالتشجيع عليه مادام ذلك من خلال القنوات الشرعية حيث نترك للطلاب حرية التعبير عن آرائهم واتجاهاتهم السياسية بمنتهى الحرية، بل نفسح لهم المجال بانتقاد كل ما يرونه من وجهة نظرهم أنه خطأ وتقوم الجامعة بدعم قيمة احترام الآخر لدى أبنائهم وذلك من خلال إفساح المجال للمناقشات المفتوحة والمناظرات والتى تقوى لديهم وتنمى مفهوم الديمقراطية والحرية بشكل صحيح، وأنا لست ضد التظاهر أو الاعتصام مادام بشكل لا يلحق الضرر بالآخرين حيث إننى أذكر أننى شاركت فى بعض الإضرابات والمظاهرات أثناء دراستى بالمرحلة الجامعية. * هل كان هناك أى تأثير للأحداث السياسية التى يشهدها العالم على الجامعة بشكل مباشر؟ ** بكل تأكيد فالجامعة بها العديد من الجنسيات المختلفة، لذا فإنها تتأثر بشكل كبير بتلك الأحداث السياسية وخاصة أن الجامعة هى جزء من منظومة أكبر فالجامعة تكثر بها الاعتصامات والمظاهرات الطلابية التى تصاحب تلك الأحداث وخاصة أحداث غزة فنحن نترك المجال للطلاب للتعبير عن آرائهم فهم قادة المستقبل. بلد الأمن والأمان * كيف ترى العلاقة بين المسلمين والأقباط فى مصر؟ ** الشعب المصرى شعب ودود دافئ المشاعر وأنا أرى أن العلاقة بين المسلمين والأقباط هى علاقة جيدة للغاية فكليهما يمثل نسيجاً واحداً للمجتمع ولكن هناك من يحاول أن يشوه تلك العلاقة الطيبة وتعكير صفو الحياة وأنا أعتقد أنهم لن ينجحوا فى ذلك لأن مصر تعتبر بلد الأمن والأمان. * هل من الممكن أن تصف مصر فى كلمتين تعبر بهما عن إحساسك الذى تكون خلال فترة إقامتك بها؟ ** مصر أكبر من أن يتم وصفها بكلمتين فقد كتب فيها قصائد ومعلقات شعرية ولكن مصر تمثل بالنسبة لى مهد الحضارة، وشعبها طيب مضياف لديه القدرة على الامتزاج مع كافة الحضارات حيث يأخذ منها ما ينفعه وما يتناسب مع قيمه وبالنسبة لى فقد تأكد لى ذلك من خلال التجارب العملية حيث تجمعنى أنا وزوجتى علاقات صداقة بالعديد من الأسر المصرية بشكل طيب ومتواصل ونحن دائماً حريصون على زيارتهم والتواصل معهم. * ما هى أهم الأماكن التى قمت بزيارتها فى مصر؟ ** قمت بزيارة العديد من الأماكن الأثرية والسياحية فى مصر وأكثر ما أعجبنى منطقة الحسين والجامع الأزهر، وسوف أداوم على زيارة مصر بشكل مستمر وستظل ذكرياتى معها ومع شعبها عالقة فى ذهنى مادمت حياً.