مصلحة الوطن أهم من أى مصالح واعتبارات.. وإذا كانت الأحزاب والمرشحون يتسابقون لإرضاء الناخبين من أجل الفوز بمقاعد مجلس الشعب فى الانتخابات القادمة - وهو حق مشروع- فإن ذلك لا ينفى ولا ينبغى أن ينفى أن مصلحة الوطن يجب أن تظل أهم من مصالح كل الأحزاب وكل المرشحين.. بلا استثناء!.. ونقترب من المعنى أكثر فنقول إن الأصل فى تنافس المتنافسين للفوز بمقاعد مجلس الشعب هو أنهم يتنافسون من أجل تحقيق مصلحة الوطن.. ولعل ذلك هو نفس المعنى الذى عبّر عنه الرئيس مبارك فى كلمته أمام اجتماع الهيئة العليا للحزب الوطنى حيث قال: إن نتائج انتخابات مجلس الشعب المقبلة سوف تحدد مسار العمل الوطنى خلال السنوات الخمس المقبلة.. من هذا المنطلق وفى هذا الإطار يجب أن تتم العملية الانتخابية.. المرشحون يتنافسون من أجل تحقيق مصلحة الوطن.. والناخبون يختارون من يمثلهم من أجل تحقيق مصلحة الوطن.. وليس هناك شك فى أن الضمان الحقيقى لتحقيق مصلحة الوطن هو أن تأتى الانتخابات نزيهة ومعبرة بصدق عن إرادة الناخبين.. وعدم التأثير عليهم لمصلحة أشخاص. فإذا اتفقنا على كل تلك المبادئ الأساسية فإننا نستطيع أن نناقش كل الأمور التى تتعلق بانتخابات مجلس الشعب.. بلا حرج!.. وفى مقدمة هذه الأمور عملية اختيار الحزب الوطنى لمرشحيه.. عملية الاختيار هذه المرة تمت بطريقة مختلفة عن كل المرات السابقة.. فقد لجأ الحزب لما يطلق عليه اسم المجمعات الانتخابية لاختيار العناصر الأفضل القادرة على خوض الانتخابات فى مواجهة التيارات السياسية والأحزاب الأخرى.. السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطنى يتحدث عن هذه التجربة الجديدة فيقول: تم اختيار مرشحى الحزب من خلال عمل تنظيمى مضن قامت به قيادات مركزية وأخرى محلية.. ويشرح السيد صفوت الشريف هذا العمل المضنى فيقول إن الحزب تقدم بعدة آلاف من أبنائه المتميزين والمتمسكين بمبادئه.. وفى انتخابات داخلية شارك فى صنعها آلاف القيادات المحلية وبمشاركة 5 ملايين عضو.. تم اختيار مرشحى الحزب.. الحزب الوطنى فى هذه الحالة قام بانتخابات سبقت الانتخابات وهدفه هو اختيار مرشحين قادرين على المواجهة والمنافسة.. ومن الطبيعى أن يستبعد الحزب من لم يقدر على الفوز فى هذه الانتخابات الداخلية.. فماذا فعل المستبعدون؟!.. معظمهم إن لم يكن كلهم أصابهم الغضب.. وهو أمر طبيعى ورد فعل متوقع لكن هل يصل الغضب إلى حد أن يقوم عدد غير قليل من المستبعدين بتكوين جبهة لتأييد مرشحى الإخوان والمعارضة فى دوائرهم الانتخابية؟!.. هل يصل الغضب إلى حد أن يعلن عدد غير قليل من المستبعدين أنهم سيقومون برفع دعاوى قضائية لاسترداد تبرعاتهم للحزب الوطنى؟!.. المسألة فى الحقيقة تحتاج إلى وقفة.. فهؤلاء المستبعدون الغاضبون انضموا للحزب الوطنى وقدموا له التبرعات لأنهم أولا مؤمنون بمبادئه ولأنهم ثانيا يرغبون فى أن يحققوا مصلحة الوطن من خلال مقاعد مجلس الشعب.. لكن هل يصل الغضب إلى حد تأييد مرشحى الأحزاب المنافسة والمفترض أنها تختلف فى مبادئها عن مبادئ الحزب الذى ينتمى إليه المستبعدين؟!.. كل إنسان حر فى الاختيار.. ليست هذه قضيتنا لكننى أتحدث عن أشخاص انضموا لحزب على أساس مبادئه ولابد وأنهم مؤمنون بهذه المبادئ.. فإذا لم يخترهم الحزب لتمثيله انقلبوا على الحزب وعلى مبادئه.. وعلى أنفسهم وساروا فى الاتجاه الآخر!.. ثم مسألة التبرعات.. المفترض أيضاً أنهم تبرعوا للحزب لتحقيق مصلحة الحزب.. التى يؤمن المتبرعون - كما هو مفترض - أنها مصلحة الوطن.. فهل إذا لم يخترهم الحزب لتمثيله فى مجلس الشعب يطالبون باستعادة تبرعاتهم؟!.. أليس معنى ذلك أنهم لم يقدموا هذه التبرعات من أجل مصلحة الوطن وإنما قدموها من أجل مصالحهم الشخصية.. من أجل الجاه والسلطة والحصانة؟!.. وإذا كان لى أن أدلى برأيى.. فإن رأيى أن الحزب لم يخسر هؤلاء الذين انقلبوا عليه وعلى مبادئه ومبادئهم.. الحزب كسب من استبعادهم!.. *** واذا كانت مصلحة الوطن - كما اتفقنا - هى الأساس الذى يجب أن تدور حوله الانتخابات فإن مصلحة الوطن تقتضى أن تكون الانتخابات معبرة بصدق ونزاهة عن إرادة الناخبين وبدون التأثير عليهم لمصلحة أشخاص.. الإعلام فى الحقيقة - وخاصة الصحافة - يلعب دوراً مهماً للغاية فى تكوين رأى الناخبين.. وفى هذا الإطار يجب على الإعلام وعلى الصحافة تحديداً أن تدرك حجم المسئولية الملقاة على عاتقها لكى تتحقق مصلحة الوطن من خلال عملية الانتخابات.. لكن تجاوزات الصحافة فى العملية الانتخابية تدعو للدهشة!.. لا أتحدث هنا عن الصحافة الحزبية فمن الطبيعى والمنطقى أن تقف الصحف الحزبية وراء مرشحى الحزب الذى تنتمى إليه.. من الطبيعى على سبيل المثال أن تؤيد صحيفة حزب الوفد.. مرشحى الوفد.. لكننى أتحدث عن الصحافة الخاصة والقومية.. والأمثلة كثيرة.. صحيفة تصف أحد المرشحين بأنه أقوى المرشحين فى دائرته لمجرد أنه ينتمى لنقابة الصحفيين والإعلام.. صحيفة أخرى تقول إن جماهير إحدى الدوائر تحلم بالمرشح «فلان»!.. صحيفة ثالثة تقول عن أحد المرشحين إنه نجح باقتدار فى كسب ثقة أبناء دائرته وقلب موازين المعركة الانتخابية.. وتمضى الصحف القومية والخاصة فى هذا الاتجاه فتقول إن أهالى إحدى الدوائر يطالبون بأحد المرشحين ممثلاً لهم فى مجلس الشعب!.. وتصف نفس الصحيفة ما يدور فى إحدى الدوائر فتقول إن فوز المرشح الفلانى فى انتخابات مجلس الشعب تحول إلى «مطلب شعبى»!.. وتفرد بعض الصحف القومية الكثير من صفحاتها للوزراء المرشحين وتتيح لهم الحديث بإسهاب عن إنجازاتهم وعن برامجهم!.. وتتحدث بعض الصحف عن نجومية وشعبية بعض المرشحين من الوزراء وتقول إنها قادرة على حسم المنافسة مبكراً!.. وتقوم بعض الصحف بالطعن فى بعض المرشحين لمصلحة مرشحين آخرين.. وتتجاهل بعض الصحف أسماء معينة من المرشحين وتقوم بالتركيز على أسماء أخرى.. ويصل الأمر أحياناً إلى قيام بعض الصحف بالتعرض لخصوصية بعض المرشحين وحياتهم الشخصية لصالح مرشحين آخرين.. ثم الأخطر من كل ذلك.. فبعض الصحف تقوم بالزج بأسماء بعض رجال الدين - الإسلامى والمسيحى - لمصلحة بعض المرشحين!.. وليس لذلك كله إلا تسمية واحدة خداع الناخبين وتضليلهم والتأثير على إرادتهم.. ولا يمكن أن يكون ذلك لمصلحة الوطن!.. *** وأتحدث أخيراً عن ظاهرة «الدوائر المفتوحة» وهى تلك الدوائر التى لم يحسم الحزب الوطنى رأيه فيها فتركها مفتوحة أمام أكثر من مرشح للحزب.. البعض وصف تلك الظاهرة بأنها صراع يخوضه الحزب الوطنى ضد الحزب الوطنى!.. والبعض يقول إنها وسيلة من الحزب لتجنب استثارة غضب بعض المرشحين.. والبعض يتوقع أن يؤدى وجود أكثر من مرشح للحزب الوطنى فى دائرة واحدة إلى تفتيت أصوات الناخبين واستفادة المنافسين من ذلك.. وتبدو فكرة أن الحزب الوطنى يخشى من استثارة غضب المرشحين فكرة ساذجة ذلك أن الحزب أقوى من أى مرشح.. ثم أنه يستمد قوته من سياساته التى أثبتت التجارب أنها سياسات ناجحة.. فلماذا نستبعد لجوء الحزب لاختيار أكثر من مرشح له فى الدائرة الواحدة لأنه وجد أن حظوظهم فى الفوز متساوية وقدرتهم على المواجهة والمنافسة متساوية؟. فلماذا لا يترك للناخبين الفرصة للاختيار من بينهم؟.. صحيح أن هذا الأسلوب قد يؤدى إلى تفتيت الأصوات فى بعض الدوائر لمصلحة المعارضة والتيارات السياسية الأخرى.. لكن ذلك معناه أن الحزب الوطنى اختار مصلحة الوطن قبل مصلحته.. *** مصلحة الوطن أهم من أى مصالح واعتبارات كما ذكرت فى البداية.. ويجب أن تظل كذلك.. لكن الحقيقة أن تصرفات بعض المرشحين وتصرفات بعض أجهزة الإعلام تؤكد أن مصلحة الوطن هى آخر ما يفكرون فيه!..