محافظ بنى سويف: المراكز التكنولوجية استقبلت أكثر من 22 ألف طلب تصالح    وزارة التموين: مد منافذ المجمعات الاستهلاكية بالسلع لصرفها بالبطاقات    جولة بمصنع أنفاق المترو.. شاهد تصنيع جسم النفق بالخط الرابع.. فيديو    أبو الغيط لوزير خارجية قبرص: إرسال المساعدات لغزة عبر البحر ليس بديلا عن المعابر    بايدن محذرا من التدخل الخارجى فى انتخابات 2024: كل الأشرار يحبون ترامب    الأمير وليام يشارك فى الذكرى ال80 لإنزال نورماندى.. حسم الحرب العالمية الثانية    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الشباب عددا من ملفات عمل الوزارة    منتخب مصر بالأحمر و بوركينا فاسو بالأخضر فى مواجهة تصفيات المونديال غدا    المشدد 15 سنة للمتهم بقتل شقيقته بالصف بسبب خلافات أسرية    خدمات جديدة للحجاج.. تبريد الأسفلت ومخيمات عازلة للضوء    أكرم القصاص يكشف موعد تشكيل الحكومة ومعايير اختيار الوزراء الجدد    «القاهرة الإخبارية»: مقتل 644 جنديا إسرائيليا منذ بداية الحرب في غزة    وزير الري يبحث مشروعات التعاون مع جنوب السودان    حصاد جلسات النواب.. الموافقة على 6 مشروعات قوانين واتفاقية دولية (تفاصيل)    صالح جمعة: الزمالك فاوضني 4 مرات طوال فترة تواجدي في الأهلي    محافظ كفرالشيخ يتفقد وحدة الغسيل الكلوى بقرية سنديون    جامعة المنصورة تحقق قفزات هائلة في تصنيف QS البريطاني 2025    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 الف جنيه لعاطل لإتجاره في المخدرات بالعبور    «الوزراء» يسلط الضوء على مخاطر المعلومات الخاطئة والمضللة على العالم    رئيس جامعة الأقصر يتفقد سير الامتحانات بكلية الطب    الحاجة هدى أول تاجرة حبوب زراعية بالبحيرة: دخلت السوق علشان أقدر أربي أولادي (فيديو وصور)    العرض مستمر.. ولاد رزق في نسخته الثالثة بعد نجاح جزأيه    هل صام النبي العشر الأوائل من ذي الحجة؟.. يضاعف الثواب فيها    محافظ كفر الشيخ: انتهاء 42% من أعمال إنشاء مستشفى مطوبس المركزي    مياه أسيوط تطلق حملات توعية لترشيد استخدام المياه لمحلات الجزارة تزامنا مع عيد الأضحى    محافظ المنيا: تصعيد 3 مراكز و5 قرى ل"جائزة مصر للتميز الحكومي"    تدريب طلاب المساحة والخرائط على المتغيرات المكانية في أسيوط    حكم قص الشعر والأظافر للمضحي في العشر الأوائل من ذي الحجة.. 3 أقوال شرعية يوضحها البحوث الإسلامية    عبدالرازق يلتقي رئيس مجلس النواب الكازاخي    وزير الصحة يستقبل نظيره الزيمبابوي لبحث تبادل الخبرات بين البلدين    لمناقشة قضايا الجودة.. رئيس «الرقابة الصحية» يستقبل مستشار الرئيس للوقاية (تفاصيل)    تعرف على أكبر الوزراء المعمرين في الحكومة.. الأوقاف الأقدم    تفاصيل جديدة في اتهام «حمو بيكا» ضد «نور التوت»    البابا تواضروس: عدد كبير من الأقباط طلبوا الهجرة خارج البلاد أيام حكم مرسي    حصول 63 مدرسة بالبحيرة على شهادة اعتماد الجودة    تونس في مواجهة صعبة أمام غينيا الاستوائية بتصفيات كأس العالم اليوم    رئيس إنبي: اتحاد الكرة حول كرة القدم إلى أزمة نزاعات    مدرب إسبانيا: أرى أجواء استثنائية في المعسكر.. وهذه خطتنا بشأن بيدري    هالة خليل تكشف سر تعاون «الكينج» معها في أول أفلامها دون مقابل    اختبارات غناء وتمثيل بالإسكندرية ضمن مشروع قصور الثقافة لاكتشاف المواهب    جيش الاحتلال: الحكومة تقرر استدعاء 50 ألف جندي احتياط إضافي    أسعار الحديد اليوم الأربعاء 5-6-2024 في أسواق محافظة المنيا    ل رجل برج الجوزاء.. كيف يمكن أن تكون جوزائيًا وناجحًا؟    محمد سراج يكشف.. أسباب عدم الإعلان عن تصميم الاستاد.. سعة الملعب.. والعائق الأكبر    محافظ سوهاج يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 85.83%    عليَّ ديونٌ كثيرة وعندى مال أرغب فى الحج به فهل هذا جائز؟.. الفتوى بالأزهر تجيب    ما هو السن الشرعي للأضحية وهل يجوز بالتضحية بالتي لم تبلغ السن المحدد؟    الجمعية الفلكية بجدة تكشف تفاصيل ميلاد ذى الحجة بالمملكة العربية السعودية    «تموين المنيا» تحرر 106 محاضر متنوعة في حملات على المخابز والأسواق    تداول 13 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    وزير الصحة يطلق المرحلة الثانية لمبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية ب9 محافظات    الصحة تثمن تقرير "الصحة العالمية" حول نجاح مصر فى القضاء على فيروس c    طارق قنديل: مشروع الأهلي حدث تاريخي للكرة المصرية    السيطرة على حريق نشب داخل شقة سكنية بمنطقة فيصل    أول تعليق للسفارة الأمريكية في لبنان على حادث إطلاق النار    إطلاق نار على السفارة الأمريكية في لبنان.. ومقتل المنفذ    العرضي المسرحي الأرتيست كامل العدد لليلة الثالثة على التوالي    منها الحيض.. مركز الأزهر للفتوى يوضح جميع أحكام المرأة فى الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موائد الرحمن فى فرنسا
نشر في أكتوبر يوم 17 - 10 - 2010

لا تصدق أن كل بلاد العالم يسكنها أغنياء بل الفقر فى كل مكان وإن كان بنسب مختلفة ولكن فى النهاية هو الفقر الذى يعنى الحرمان والتشرد والجوع. فى سويسرا كما فى أمريكا وفرنسا وكندا آلاف المشردين بلا مأوى تجدهم يجوبون الشوارع أو قابعين أمام المحال أو متنقلين بين إشارات المرور يحملون لافتات تعلن فقرهم ومرضهم وطلب المساعدة. فى أحد البرامج التليفزيونية التى عرضتها إحدى القنوات الفرنسية بمناسبة بداية عام 2010 دعت القناة وزير خارجية فرنسا وزوجته لعشاء يناقش قضايا فرنسا بصحبة زوجين شابين.كانت المفاجأة عندما حكى الاثنان أنهما بلا مسكن وأنهما يعيشان فى خيمة نصباها فى إحدى الغابات شرق باريس لأنهما غير قادرين على استئجار غرفة رغم أن كلا منهما لديه قدر من التعليم وشهادات دراسية. كان البرنامج أشبه بالذى يقدمه الإعلامى القدير عمرو الليثى «واحد من الناس» ولكن على الطريقة الفرنسية التى لا تذهب فيها الكاميرا إلى الناس فى الأحراش التى يعيشون فيها وعندما تجىء بهم فى صورة تظهر آدميتهم التى لا تختلف عن أى واحد آخر ثم تكون المفاجأة عندما يكشفون عن حقيقة أوضاعهم. فى باريس مدينة النور والموضات والبارفانات والأناقة هناك الآلاف من عينة الزوجين اللذين يعيشان فى خيمة ويعتمدان فى طعامهما على «مطاعم القلب» وهى مطاعم وصل عددها فى فرنسا إلى 200 مطعم تقدم ملايين الوجبات الساخنة، للفقراء والمشردين فى فرنسا. والذين يقصدون هذه المطاعم يعرفون مواقعها فى باريس وفى المدن الفرنسية الكبرى ويقفون فى السابعة مساء فى طوابير طويلة انتظارا لوصول الشاحنات التى تحمل أوانى الأطعمة الساخنة والخبز والفاكهة لتوزيعها بمعرفة عدد كبير من الرجال والنساء الذين يعملون فى المشروع متطوعين.
ومن المثير أن هذه المطاعم بدأت قبل 25 سنة على يد فنان كوميدى فرنسى اسمه كولوش لمع اسمه بين الخمسينيات والستينيات واشتهر فى ذلك الوقت بالسخرية من رجال السياسة الفرنسيين ولم يكتف بذلك بل رشح نفسه لرئاسة الجمهورية فى انتخابات 1981 وكان من بين ما أعلنه فى برنامجه الانتخابى حلمه أن يوزع 2000 وجبة مجانية على الفقراء الذين يلتقيهم كل يوم فى باريس. سقط كولوش فى الانتخابات لكنه ظل متمسكا بحلمه إلى أن تمكن فى عام 1985 من تحويله إلى حقيقة وإنشاء مشروعه الذى أطلق عليه «مطاعم القلب» بمساعدة أصدقائه الفنانين والمتطوعين الذين شاركوه تقديم برنامج تلفزيونى يدعم هذه المطاعم ويجمع التبرعات. مات «كولوش» فى حادث موتوسيكل فى السنة التالية 1986 لكن مشروعه لم يمت فقد وجد آلاف المتطوعين الذين دفعوا به ونشروه فى باريس وكل فرنسا حتى أصبح رمزا للعمل التطوعى والتكافلى. وأصبحت هذه المطاعم التى وصل عدد المتطوعين فيها أكثر من 52 ألف متطوع أساس حياة آلاف الذين لا يستطيعون توفير الطعام. ورغم نسيان تاريخ كولوش كمهرج ساخر سليط اللسان لا يتورع عن تعاطى المخدرات فإن حلمه «مطاعم القلب» جعل سيرته فى كل قلب.
قرأت تصريحا لأحد الرؤساء المتطوعين لمشروع مطاعم القلب يقول إن هذه المطاعم فى الشتاء الماضى قدمت مائة مليون وجبة تقاسمها أكثر من 800 ألف من بينهم 327 ألف طفل ويضيف الرئيس التطوعى للمشروع أنها مطاعم تشبه تقليدا إسلاميا قديما هو «موائد الرحمن» التى تقام طوال شهر رمضان لكى يفطر عليها فقراء الصائمين.
لكن المهم فى مطاعم القلب أنها لا تكتفى بتقديم الوجبات لمن يطلبها بصورة المن وإنما بطريقة تعيد فيها إلى ذاكرة كل رواد تلك المطاعم روح الفكاهة التى كانت تميز «كولوش» الذى كان يرتدى ثيابا ملونة مثل مهرجى السيرك ويضع على أنفه كرة حمراء. لذلك فإن من يدخل إلى مطعمه يجد الجدران ملونة، والموسيقى صادحة، والطهاة بشوشين. وهناك جو من التضامن والفرح الإنسانى يلف الجميع، متطوعين وزبائن.
تقول صحيفة الشرق الأوسط فى تقرير نشرته عن هذه المطاعم إنه لأن كولوش كان من هواة ركوب الدراجة النارية وبسببها لقى مصرعه، فإن جمعيات راكبى الدراجات فى فرنسا أخذت على عاتقها أن تبعث بمنتسبيها إلى المدن والقرى البعيدة، يجوبون والشوارع بدراجاتهم لكى يجمعوا التبرعات ل(مطاعم القلب). فمن يصدق أن هذه المؤسسة الخيرية تتمتع اليوم بميزانية سنوية تصل إلى 158 مليون يورو! ويأتى معظم هذا المبلغ من تبرعات الناس حيث تبرع لها نصف مليون شخص، فى العام الماضى، كما جاء من عوائد بيع أسطوانات فنانين دعموا المبادرة.
شىء من هذا يحدث فى مصر. فهناك مشروع اسمه (بنك الطعام) لا أعرف إن كان مستمرا أم واجهته المصاعب، فقد حضرت بداية نشاط قامت به إحدى الجمعيات الخيرية التطوعية وهى جمعية (خير وبركة) وقد بدأت نشاطها بالاتفاق مع الفنادق الكبرى على جمع الطعام الذى يفيض فى الأفراح والحفلات وإعداده بطريقة لائقة وتوزيعه على الفقراء، ولكن المشروع إحتاج تمويلا كبيرا وواجه مخاطر فساد الطعام وما ينتج عن ذلك فانتقل نشاط الجمعية إلى اختيار منطقة بالغة الفقر والعشوائية هى منطقة عزبة خير الله بمصر القديمة وبدأت برنامجا يسير بخطى كبيرة لرفع مستوى المنطقة وسكانها.
متناقضات العصر
من متناقضات عصرنا أننا أصبحنا نمتلك عمارات أطول ولكن وجهات نظر أكثر ضيقا، وأننا ننفق أكثر ولكن نتمتع بالحياة بصورة أقل. كما أصبحنا نمتلك بيوتا أكبر، ولكن عائلاتنا أصبحت أصغر، كما أن شهاداتنا أعلى ولكن مداركنا أقل، ومعرفتنا أوسع ولكن أحكامنا أضيق، ومشاكلنا أكثر ربما لأن الخبراء بيننا أكثر. كما أن صحتنا أصبحت أضعف بالرغم من زيادة أدويتنا وأطبائنا كماً ونوعية. وأصبحنا نشرب أكثر وندخن بشراهة ونصرف بغير تدبير ونضحك بدرجة أقل، ونقود السيارة بسرعة ونغضب بسرعة أكبر، ونطيل السهر ونقوم من النوم متعبين ومتأخرين، ونقرأ أقل ونشاهد التليفزيون أكثر وفوق هذا نادرا ما نفكر بالروحانيات.
وبالرغم من أننا نجحنا فى مضاعفة ثرواتنا، كأمم وأفراد، فإن قيمنا تناقصت. وأصبحنا نتكلم كثيرا ولكن نحب بدرجة أقل، ونكره هذا ونبغض ذلك.
وبالرغم من نجاحنا فى خلق حياة لأنفسنا فإننا فشلنا أن نحياها بطريقة سليمة، وأضفنا سنوات لعمرنا ولكن لم نضف قيمة لتلك السنوات. ونجحنا فى الوصول للقمر إلا أننا واجهنا صعوبة فى الوصول والتواصل مع جارنا عبر الشارع. وتمكنا من اختراق الفضاء الخارجى ولكن عجزنا عن ملامسة فضائنا الداخلى! كما نجحنا فى تنظيف مناطق كبيرة من التلوث ولكن نسينا تنظيف أرواحنا من الأحقاد والضغائن، وأصبحنا نكتب أكثر ونتعلم أقل، وما تعلمناه هو أن نستعجل ولكن فشلنا فى أن نتروى! كما صنعنا كمبيوترات أضخم بإمكانها خلق نسخ أكثر وتقارير أشمل، ولكن تواصلنا مع بعضنا أصبح أقل وأقل. وأصبح عصرنا عصر الأكلات السريعة والهضم المتكاسل، وأجسام أكبر ولكن شخصيات أصغر وأضعف. وأصبحنا نعيش عصر الدخل العائلى المزدوج ولكن بحالات طلاق أكثر. ونسكن بيوتا أجمل ولكن بشروخ عائلية أكثر.. إنه عصر السرعة فى السفر واستخدام الحفاظات والمناديل الورقية وكل شىء استهلاكى سريع، وأصبحت صيدليات المنزل تحتوى على أدوية للكآبة والترهل وخلق السعادة الوهمية والشعور المزيف لسكون والاطمئنان! إنه عصر يأتى لك فيه هذا المقال بأسرع من لمح البصر فإما أن تأخذ بمعانيه، أو ببعضها على الأقل، أو تقلب الصفحة وتستمر فى حياتك، ولكن قبل أن تفعل تذكر أن من المهم أن تقضى وقتا أطول مع من تحب فلن يكون من حولك إلى الأبد، وأن تضم صغارك إلى صدرك وتقول لهم كلمة حانية فهؤلاء أيضا لن يطول مكوثهم حولك عندما يكبرون ويذهبون لحال سبيلهم..).
هذه السطور السابقة نشرها الكاتب الكويتى أحمد الصراف فى صحيفة القبس نقلا عن صاحبها الأصلى الساخر الأمريكى جورج كارلن الذى مات فى عام 2008 عن 71 عاما وكان مثيرا للجدل بسبب مهاجمته للأديان وكلماته اللاذعة. من حكاياته ما اشتهر بقضية كارلن لأنه فى برنامج فكاهى كان يذيعه من إحدى الإذاعات قدم فقرة عنوانها (سبع كلمات بذيئة لا يجب أن تقولها فى التليفزيون). وقد أقام مواطن فى نيويورك دعوى ضد محطة الإذاعات لأن الفقرة الفكاهية آذت ابنه الصغير القاصر الذى سمعها معه فى السيارة. وقد رفضت محكمة أول درجة دعوى الرجل ولكن فى المحكمة العليا صوت خمسة ضد أربعة لصالح المواطن التى ذكرت إن العرض بذىء ولكنه ليس فاحشا وبالتالى يمنع عرضه من السادسة صباحا حتى العاشرة مساء لأنه لا يلائم الأطفال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.