أكثر من 80 مليون مصرى ينتظرون نتائج انتخابات مجلس الشعب لعام 2010 والتى تمثل مرحلة جديدة للمجتمع المصرى بكل طوائفه، فى ظل تحديات اقتصادية واجتماعية عديدة على المستويين الداخلى والخارجى، فلا شك أن الدورة الجديدة التى سيشهدها مجلس الشعب سوف تكون من أهم الدورات فى تاريخه نظراً لهذه التحديات، كما أن السنوات الأخيرة شهدت نمواً كبيراً للمجتمع المدنى فى مصر من مؤسسات وجمعيات ونقابات وأصبح دورها مؤثراً فى الأحوال السياسية والاجتماعية فى مصر، من هذا المنطلق نظم مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالتعاون مع المنظمة الدولية للنظم الانتخابية ندوة عن «المجتمع المدنى وقضايا الانتخابات فى مصر ما بين 2005 إلى 2010 حضرها المفكر السياسى السيد ياسين مستشار مركز الدراسات بالأهرام، والدكتور جمال عبدالجواد مدير مركز الدراسات وشارلز لاشام ممثل المنظمة الدولية للنظم الانتخابية فى مصر، والعديد من الباحثين والمهتمين من المجتمع المدنى ومؤسساته. فى البداية تحدث الدكتور جمال عبدالجواد مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية مؤكداً تزايد دور المجتمع المدنى فى مصر موضحاً أن هذه الندوة تبرز دور المجتمع المدنى فى انتخابات 2010، وتحاول أن تضع التجربة المصرية فى مجال أوسع وفى إطار إقليمى وخبرات دولية. وأضاف تشارلز لاشام أن المنظمة الدولية للنظم الانتخابية قامت بإنشاء علاقة واسعة مع مركز الأهرام وبعض مؤسسات المجتمع المدنى فى مصر من أجل إقامة العديد من ورش العمل والندوات التى يحاضر بها العديد من الخبراء الدوليين فى هذا المجال، من الولاياتالمتحدةالأمريكية والسويد، وتحدث أيمن السيد عبدالوهاب رئيس برنامج المجتمع المدنى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مؤكداً أن فى مصر ملامح لمجتمع مدنى آخذ فى التطور والتبلور بشكل ملموس، وهناك العديد من المؤشرات على وجود حركة نشطة متدرجة أخذت تدب فى جسد هذا القطاع الأهلى منذ أوائل التسعينيات، لاسيما بالنسبة للجمعيات الأهلية. مضيفاً أنه من الأهمية تحديد خريطة للمجتمع المدنى المصرى، لما تعكسه من مواطن الخلل فى التوزيع الجغرافى، حيث وصل عدد الجمعيات الأهلية إلى 30 ألف جمعية، موزعة على مجالات العمل الأهلى المختلفة وتقدم خدماتها لما يقرب من 30 مليون مواطن وفقاً للتصريحات الرسمية، فى حين يقدر عدد أعضاء الجمعيات الأهلية 3 ملايين عضو فى مقابل 5 ملايين عضو فى النقابات المهنية، و3.5 مليون عضو فى النقابات العمالية. الدور الرقابى/U/ ويقول عبد الوهاب إنه مع تبلور دور تلك المنظمات فى المراقبة على الانتخابات اتسمت العلاقة بين المنظمات واللجنة العليا للانتخابات بالتوتر، فقد شهدت عملية الرقابة المحلية للعملية الانتخابية من قبل منظمات المجتمع المدنى رفضا من قبل الحكومة خلال انتخابات 1995 وانتخابات 2000 ولكنها تراجعت فى عام 2005 بعد نجاح المنظمات فى الحصول على حكم قضائى بذلك، كما تشير خريطة التحالفات المرتبطة بانتخابات مجلس الشعب القادمة إلى تنامى أعداد التحالفات حيث بلغت ثمانية تحالفات مكونة من نحو 128 منظمة ومؤسسة أهلية. مؤكداً أن هناك عدة ملاحظات على تلك المنظمات منها أنها تتسم بالحداثة فى السياق المصرى، لأن الغالبية العظمى منها ارتبط تأسيسها ببداية الألفية الثالثة، كما أن الغالبية العظمى من هذه المنظمات الحقوقية والدفاعية والتى يفترض أنها تلعب دوراً مهماً فى الإصلاح السياسى لا تعتمد على العضوية، إنما هى أقرب لبيوت خبرة أو مكاتب استشارية يديرها نشطاء محترفون ومحامون وتحرص على مخاطبة النخبة، بالإضافة إلى أن تلك المنظمات تعتمد على التمويل الأجنبى بشكل كامل، وتعانى من عملية تسييس الملف الحقوقى على مستوى العالم، وما استتبعه من تدخل دولى فى شئون الدول، فالمنظمات الحقوقية فى غالبية الدول التى تمر بعملية إصلاح أو تحول ديمقراطى تبدو كرأس حربة. وأضاف: استغل الإخوان المسلمون الجمعيات الأهلية أثناء انتخابات مجلس الشعب، فلم يكن الأداء الانتخابى القوى لمرشحى الإخوان فى انتخابات 2005 وليد مصادفة، إنما نتيجة حُسن اختيار المرشحين الذين يمتلكون مقومات قوية للتنافس، وقد تمكن بعضهم من توفير هذه المقومات، أو جانب منها عبر استغلال الإمكانات الواسعة التى تتمتع بها بعض الجمعيات السلفية، فقد احتفظ عدد من مرشحى الإخوان الذين فازوا بعلاقات متفاوتة مع فروع هذه الجمعية فى دوائرهم الانتخابية، فبينهم من خطبوا فى مساجدها، ومن أشرفوا أو شاركوا فى رعاية بعض مشروعاتهم الاجتماعية والخيرية. مشيراً إلى أن هناك خلطا بين الترويج للمرشحين وبين إقامة الأعمال الخيرية والذى يخلق إشكالية تتمثل فى صعوبة الفصل بين المسئولية الاجتماعية للأغنياء ورجال الأعمال تجاه مجتمعاتهم وبين توظيف تلك الأدوات لخدمة مصالحهم المباشرة أثناء الانتخابات. المال والسياسة/U/ أما الدكتور ماجنوس أومان كبير مستشارى التمويل السياسى بالمؤسسة الدولية للنظم الانتخابية فتناول دور رأس المال فى السياسة، مؤكداً أن المال عنصر مهم بالنسبة للسياسة، إلا أنه مصدر للمشاكل، ولكن من المفاتيح الرئيسية لأى نظام تمويل سياسى فعال توافر المعلومات حول الموقف المالى للسياسيين وبخاصة الأحزاب السياسية ومرشحى الوظائف الرسمية. مؤكداً أن اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التى صدقت مصر عليها فى فبراير 2005 تنص على أن «تنظر كل دولة طرف أيضاً فى اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية المناسبة، بما يتسق مع أهداف هذه الاتفاقية ووفقاً للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلى لتعزيز الشفافية فى تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلى المناصب العمومية وفى تمويل الأحزاب السياسية، حيثما انطبق الحال». مشيراً إلى أنه لا يسمح فى مصر للأحزاب السياسية قبول تمويل مالى من مواطنين أجانب أو شركات أجنبية، وتقتصر مصادر دخلهم على «اشتراكات العضوية» والتمويل العام، وتوزيع الجرائد الحزبية، والإعلانات فى هذه الجرائد والتمويل الخاص من المواطنين المصريين، وتتسم لوائح تلقى التبرعات الأجنبية بصرامتها الشديدة، حيث إن القانون يحظر أيضاً التبرعات الواردة من الشركات والمؤسسات «التى يكون أحد المساهمين فيها أجنبياً». وبعيداً عن تلك المحاذير، هناك أيضاً حدود قانونية حول كم الأموال التى يمكن قبولها أو صرفها، فمرشحو الرئاسة فى مصر لا يسمح لهم بإنفاق أكثر من 10 ملايين جنيه مصرى على الحملة الانتخابية (وباتفاق مليونى جنيه فى حالة إعادة الانتخابات) ويجب ألا يقبلوا تبرعات من أى متبرع تزيد على 2% من هذا الحد أو 200 ألف جنيه. مشاركة الفئات/U/ وحول المشاركة الانتخابية للفئات فى المجالس النيابية المنتخبة منذ عام 2000- 2010 قدم يسرى العزباوى من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية دراسة مهمة ركز فيها على حالة المرأة والأقباط، مؤكداً فى بداية دراسته أن الدستور المصرى يقوم على قاعدة أساسية هى قاعدة المساواة وعدم التمييز بما فى ذلك عدم التمييز بسبب الجنس أو النوع ويتضمن نصوصا متعددة تضمن تكافؤ الفرص لجميع المواطنين. وتشير الأرقام إلى وجود نمو مضطرد فى نسب قيد النساء بالجداول الانتخابية، حيث بلغت نسبة القيد حوالى 16% من جملة المقيدين بالجداول الانتخابية عام 1975، وبعد مرور ربع قرن من هذا التاريخ وصلت نسبة قيد النساء إلى إجمالى عدد المقيدين بالجداول الانتخابية إلى 35% عام 2000 ووصلت الآن إلى 40% تقريبا وتعكس نسبة قيد المرأة فى جداول الانتخابات - تزايدها بشكل مستمر - فجوة نوعية بين الذكور والإناث فى جداول القيد بالانتخابات، مما انعكس بالسلب على قوة المرأة كصوت انتخابى خلال الفترة الماضية. تمثيل المرأة/U/ وتابع العزباوى: يمكن القول بأن مجريات العملية الانتخابية السابقة ونتائجها لم تسر فى صالح النساء، فكانت انتخابات 2005 علامة على تدهور أوضاع المرأة فى المجال السياسى المصرى، هذا فى الوقت الذى يشهد المجال الاقتصادى حضورا متواصلا للمرأة العاملة، كما يشهد المجتمع زيادة نسبة المرأة التى تعول أسرتها. مشيراً إلى أن الأرقام والتحليلات تؤكد أن هناك ميلا لدى الحزب الوطنى لترشيح المرأة والأقباط على قوائمه الانتخابية فى السنوات الأخيرة ولكن ما زال أمام الحزب الكثير لأن نسبة المرأة والأقباط ضعيفة جداً مقارنة بعدد المرشحين. ولضعف إقبال المرأة والأقباط على الانتخابات فى مجلس الشورى تأتى أغلبية التعيينات من هاتين الفئتين، فلا شك فى أن التعيين فى مجلس الشورى يعتبر فرصة جيدة لوصول النساء والأقباط بالإضافة لأصحاب الكفاءات والخبرات إلى المجلس، وأصبح التعيين وسيلة لضم عدد من أعضاء وقيادات أحزاب المعارضة فى محاولة لتأكيد الطابع التعددى للقوى السياسية التى يعبر عنها المجلس. تمثيل الأقباط/U/ هناك تراجع حقيقى حقيقيا لمشاركة الأقباط فى الحياة السياسية، يتضح ذلك عند مراجعة تاريخ الانتخابات فى مصر عبر القرن الماضى، وبدراسة مشاركة الأقباط التى حدثت طبقا لدستور 1923 كانت أقل نسبة لتمثيل الأقباط فى البرلمان 3% فى عام 1950 وأعلى نسبة فى عام 1942 هى 10.2%، وقد بلغ عدد المسيحيين المرشحين فى انتخابات 2005 حوالى 81 مرشحاً وهو عدد مرتفع عن انتخابات 2000 و1995. ويتضح أن حزب التجمع يحتل المركز الأول من حيث نسبة المسيحيين لإجمالى مرشحيه ويأتى بعده حزب الغد ثم الوفد ثم الوطنى، أما الإخوان والناصريون والأحرار فلم يرشحوا أى مسيحى على قوائمهم. مشيراً إلى أن أكبر تمثيل للمسيحيين كان فى برلمان 1942 بعدد 27 عضوا وهو العدد الأكبر على الإطلاق فى تاريخ المجلس، كما أن أقل عدد هو 4 فى برلمان 1931 وأن متوسط عدد تمثيل المسيحيين فى برلمان ما قبل الثورة حوالى 15 مقعدا فى كل مجلس منتخب. ويتضح أيضاً أن هناك حالة من الثبات فى تمثيل الأقباط فى برلمانات الثورة خاصة فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وفى عهد الرئيس السادات كان أكبر عدد لوجود المسيحيين فى مجلس الشعب حيث وصل إلى 12 مقعدا فى مجلس 1971 و14 مقعد افى 1979. وفى عهد الرئيس مبارك كان أكبر تمثيل للمسيحيين فى عام 1987 بعدد عشرة مقاعد، وأن أكبر عدد منتخب للمسيحيين فى العهد الجمهورى كان فى عام 1987 ب 6 مقاعد منتخبة وأن حالة من الثبات فى تمثيلهم منذ 1995 بعدد 6 مقاعد. دور الإعلام/U/ وحول دور الإعلام فى التصدى للظواهر السلبية المصاحبة للانتخابات قدم الدكتور محمد شومان عميد المعهد العالى للإعلام بأكاديمية الشروق دراسة فى الندوة أكد فيها أنه من غير المنطقى تحميل الإعلام المصرى على اختلاف انتماءاته ومواقفه مالا طاقة له به، فهو لن يتصدى وحيدا للمظاهر السلبية فى الانتخابات ولن يتمكن من تغييرها، ولكنه قد يكشف ويفضح للرأى العام الداخلى والخارجى وبأمانة وقائع ما يجرى من كافة الزوايا ووجهات النظر، كما أنه سيقترح الحلول المطروحة للحد من الظواهر السلبية فى الانتخابات ويلقى الضوء على أهمية الضمانات المطلوبة لتحقيق نزاهة الانتخابات واحترام إرادة الناخبين وأهمية هذه الإجراءات لتحقيق إصلاح ديمقراطى حقيقى.