عشقتك يا كتاب الله حتى كأنى لا أرى حبا سواكا إذا حط الظلام على دروبى بلا خوف أسير على سناكا وإن ضلت خطاى طريق حق أرى نور الحقيقة فى هواكا نزلت على الأمين لنا سلاما فهل تبعت جماعتنا خطاكا؟ بهذه الأبيات الرقيقة عبر الشاعر عن مدى حبه وولعه وغرامه بالقرآن الكريم.. فهو بهجة القلوب.. وسراج العقول.. ومنارة الأفهام.. ودليل الحائرين.. إلى سواء السبيل. وعظمة القرآن الكريم أنه جاء للبشرية كلها.. هاديا ومرشدا لها (يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا.. وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) وفى آية أخرى (يا أيها الناس انا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم) فبشرى الإسلام جاءت للناس كافة.. وجاء الإسلام خاتما ومتمما للرسالات السماوية.. كما كان محمد عليه أفضل الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا). فقد اتم الله رسالاته للبشرية بالقرآن الكريم وأقر بالاختلاف بين البشر.. ألوانا.. وشعوبا.. وقبائل.. وأعراقا.. وأجناسا متباينة.. هذه هى سنة الحياة.. وحقيقة الكون المؤكدة: الاختلاف والتباين بين البشر.. وربما يكون هذا هو سر الحياة وجوهر الحيوية التى نشهدها على مر العصور وعبر كل الأمم والدول والإمبراطوريات السابقة والحالية واللاحقة. هذا الاختلاف هو سر التدافع (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) صدق الله العظيم. ولكن معيار الإسلام فى نهاية المطاف هو التقوى والعمل الصالح.. مهما اختلفت الشعوب والقبائل الألوان والأجناس.. الكل يخضع لقاعدة.. قرآنية خالدة تقوم على «التقوى» والإجادة والإحسان.. إحسان العمل والمعاملة.. وإحسان الخلق. و«ماتقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا». أى أن من يقوم بالخير يقوم به لنفسه أولا.. فهو فى ميزان حسناته وبنك خيراته بمشيئة الله.. نعم هو يقدم خيرا للآخرين.. ولكن قبل أن يقدم لغيره.. يقدمه لنفسه. وشمولية القرآن العظيم أنه أحاط بكل شىء ووضع الأساس العام لحركة الإنسان. (ما فرطنا فى الكتاب من شىء). نظم السلوكيات والأخلاقيات. وشرح المعاملات المادية والمالية.. وحدد أسس التشريع. والشريعة الإسلامية هى أحد أهم روافد الدستور المصرى.. بنص الدستور ذاته.. بل أن بعض الدول الغربية سمحت للمحاكم الشرعية العمل فيها والفصل فى قضايا الأحوال الشخصية بين المسلمين نظرا لقناعتها بنجاح هذه التجارب.. وأيضا لأنها تساهم فى الحفاظ على أمن هذه المجتمعات الغربية. وكلنا نتابع النموذج البريطانى ودعوة - حتى بعض كبار القساوسة البريطانيين - إلى الاستعانة بالشريعة الإسلامية فى إطار القوانين البريطانية وقد حدد القرآن الكريم الكثير من الحدود ونص على العديد من العقوبات وأرسى الكثير من الأسس القانونية والتشريعية التى يفيد منها سائر العالم بغض النظر عن هويتها وانتمائها العقائدى أو الإيديولوجى. وإذا عدنا إلى بناء الإنسان- أى إنسان- بناء سويا وقويا ومستقرا - فسوف نكتشف أن القرآن قد أوضح الأسس الأخلاقية التى يجب أن تقوم عليها شخصية الإنسان.. فلا يجب أن يسرق أو يزنى أو يعتدى على حقوق الآخرين وأن يراعى الله فى نفسه وماله.. وأهله ووطنه. فمراعاة الوطن والحفاظ عليه والدفاع عنه.. أساس أصيل من الأسس التى أرساها كتاب الله. «ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا» هنا ساوى القرآن بين قتل إنسان واحد وبين قتل البشرية بأسرها.. للتأكيد على حرمه النفس البشرية التى خلقها الله وأعزها وأكرمها.. ويجب أن نكون نحن أول من يحقق هذه المبادئ. وفى مجال العلاقات الأسرية والزوجية.. تناول القرآن بالتفصيل جوهر هذه العلاقة (المودة والرحمة) وهذه قيمة كبرى نكاد نفتقدها هذه الأيام.. فأغلبنا لا يرحم أبناءه ولا يرحمه أبناؤه.. ولا يرحم نفسه فى نهاية المطاف! ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم شرح ما ورد نصا فى القرآن الكريم قائلا «وإن لأهلك عليك حقا» والأهل هم الزوجة والأبناء والوالدين وجميع الأقارب.. هذا الحق يشمل الرعاية المادية والمعاملة الإنسانية الراقية والتوجيه والتعليم وتوفير كافة الاحتياجات المطلوبة فى حدود الإمكانات المتاحة. وعندما تقرأ سورة البقرة - أكبر وأطول سور القرآن الكريم - سوف تجد أنها تشمل كافة جوانب الحياة وأنها وضعت منهاجا راسخا وواضحا للإنسان حتى أن أكبر آياتها حددت بعض جوانب المعاملات المالية وكيفية التعامل المصرفى.. بالمفهوم الإسلامى القويم،بل أن هذا الجانب (المالى) شمل عددا أكبر من الآيات فى سورة البقرة (إحدى الزهراوتين مع آل عمران). وهنا يجب أن نعرف أن الإنسان هو محور الاقتصاد الإسلامى.. وأن هدفه هو خير البشرية جمعاء.. وليس طائفة بعينها ..لا ينتصر لأصحاب الأعمال على العمال ولا يرفع الصفوة على العامة.. وليس هدفه تحقيق المكسب أيا كانت الوسيلة.. بل هدفه أن يكون المال والحركة الاقتصادية لخدمة المجتمع بكل فئاته وطوائفه وشرائحه. وهنا نستذكر بعض مشاهد الأزمات المالية والاقتصادية التى عصفت بالعالم على مدى السنوات الأخيرة نتيجة تحكم النظام الرأسمالى وطغيان السيطرة المادية على التعاملات.. فكل المتحكمين فى الاقتصاد وعالم المال هدفهم أنفسهم أولا وأخيرا.. هدفهم تعظيم المكاسب والحصول على أكبر العوائد.. ولم يحرصوا على مصالح العملاء والمتعاملين للأسف الشديد.. وساعدتهم أجهزة ومؤسسات محلية وإقليمية ودولية فى الوصول إلى هذه الوضعية المأساوية التى انتهت بانهيار البنوك والبورصات.. بينما نجت المصارف الإسلامية فى ذات الوقت من.. تلك الأزمات. ويجب أن نعترف بأن واقعنا بعيد تماما عما حدده القرآن ورسوله الأكرم من تعاليم ومبادئ وتشريعات سامية.. لو طبقناها لتم حل أغلب أزماتنا ولانزاحت الهموم والغموم عن صدورنا وقلوبنا.. اللهم أشرح صدورنا ويسر أمورنا بالقرآن العظيم وأجعله ربيع قلوبنا وذهاب أحزاننا وهمومنا.. آمين.