الحج إلى بيت الله الحرام، هو ركن الإسلام الخامس، الذي يعد في ذاته من أقدم العبادات السماوية التي عرفتها البشرية بعد أن دعا إليها أبو الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) فجاء في قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} آل عمران، الآية (96). وأسس إبراهيم الخليل (عليه السلام) الكعبة لتكون أول بيت وضع لعبادة الله تعالى في الأرض. وكأول بيت مبارك لغاية مقصودة، وهي الترحال لمكة وبيت الله الحرام فقال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} الحج، الآية (27). لقد حظي طريق الحج المصري باهتمام الحكّام المسلمين في الفترة الإسلامية المبكرة، حيث أقاموا عليه البرك وحفروا الآبار، ومهدوا العقبات الصعبة، وبنوا المساجد في بعض محطاته، فقد أقيمت آبار في ضباء لخدمة الحجاج، وصفها العذري الأندلسي في بداية القرن الخامس الهجري، كما بنيت مساجد في بدر على أيدي ملوك مصر، وأقيمت بِركة وقناة بخليص. ووجدت مئات النقوش العربية على هذا الطريق نقشها الحجاج على صخور في محطاته وعلى طول مساره تذكاراً لمرورهم، وتوجد أيضاً آثار معمارية ترجع إلى تلك الفترة بعضها على مسار الطريق الداخلي مثل بركة النابع الواقعة جنوب مدينة ضباء، وبركة بدا، وآبار بلاطة، وبعضها الآخر على المسار الساحلي مثل بركة مدين، وبركة الجار. فضلاً عن المدن التي كانت عامرة على الطريق مثل مدين، وعينونا، والعونيد، والحوراء، والجار، والجحفة، وشغب، وبدا. أما آثار العصور الإسلامية المتأخرة الباقية على طريق المصري فيذكر منها بركة البدع (مغائر شعيب) ويعود تاريخ إنشائها إلى العصر المملوكي، وآثار المويلح التيلا تشمل بئرين من العصر المملوكي، وقلعة الأزنم التي أنشئت في عهد السلطان المملوكي محمد بن قلاوون، وجددت في عصر السلطان قانصوه الغوري، إلى جانب برك عنتر التي يرجع تاريخها إلى العصر العثماني، وقلعة الزريب بالوجه التي أنشئت سنة 1026ه في العصر السلطان العثماني أحمد الأول، وبركة أكرا وآبار نبط، وسبيل بدر وبركتها، وجميعها آثار أنشئت في العصر المملوكي، وجددت ووسعت عدة مرات خلال العصر العثماني. من أبرز آثار طريق الحج المصرية آثار عينونة بمنطقة تبوك، التي تضم مواقع أثرية كثيرة بعضها يعود تاريخه إلى عصور ما قبل الإسلام، وبعضها الآخر إلى العصور الإسلامية، وتقتصر آثار العصور الإسلامية المتأخرة بها على موقعين، هما مناخ قافلة الحجاج في رحلة الذهاب، ويقع على أرض واسعة مرتفعة عن بطن الوادي، وأطلال قرية صغيرة قريبة من مجرى العين تعرف في المصادر بحدرة عيون القصب. وكشف فريق علمي سعودي بولندي مشترك أخيراً عن آثار مستوطنة أثرية تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد في موقع عينونة الأثري بمنطقة تبوك. واكتشف الفريق بقايا جدران ممتدة تحت الطبقة الأرضية الحالية، مما يشير إلى وجود مراحل سكنية سابقة في الموقع، كما كشفت البعثة عددًا من المعثورات الفخارية المتنوعة، والمطاحن والمدقات التي استخدمت في طحن الحبوب، أو ربما المعادن، وعددًا من الأصداف البحرية المتنوعة، فضلًا عن العثور على بقايا مجموعة من الأفران داخل الغرف وبقايا صهر لخامات معدنية مختلفة. من تلك الآثار، آثار تريم التي تقع على بعد 30 كم جنوب عينونة، وبها مواقع أثرية قديمة، وموقع لمحطة طريق الحج يقع على أرض مرتفعة قريبة من مجرى العين، فيه بركة كبيرة بنيت على الأرجح خلال العصر العثماني. كما توجد آثار المويلح إحدى المحطات الرئيسية لطريق الحج المصرية خلال العصرين المملوكي والعثماني، وبها من آثار العصر المملوكي بئران تقعان في الناحية الشمالية من الواحة، أمر بحفرهما الأمير الحاج آل ملك الجوكندار في عصر السلطان محمد بن قلاوون (693-694ه/ 698-708ه)، ثم أصلحهما السلطان قانصوه الغوري (906-932ه/ 1501-1516م)، أما آثار العصر العثماني بالمويلح فأكثر عددًا، وأهمها قلعة المويلح في ضباء التي تعد إحدى أهم القلاع التاريخية بالمنطقة والتي شهدت مشروع ترميم من قبل هيئة السياحة والتراث الوطني، وتعد قلعة المويلح أكبر قلعة على طرق الحج في السعودية. كما يوجد على الطريق آثار وادي الغال الذي يقع بين ضباء والمويلح، وبها بئران قديمتان مطويتان بالحجر الجيري المنظم، وآثار وادي الهاشة شمال مدينة ضباء، وتشمل آباراً تركية قديمة، وآثار وادي ضباء التي توجد في أعلى وادي ضباء على شكل نقوش كوفية يرجع تاريخها إلى القرنين الهجريين الثاني والثالث. ويعد وادي الأزنم (الأزلم) من أهم المحطات على طريق الحج المصرية خلال العصرين المملوكي والعثماني، ويقع على بعد 40كم جنوب مدينة ضباء، وبها بقايا خان بني للمرة الأولى في عصر السلطان المملوكي محمد بن قلاوون، فيما تقع آثار وادي عنتر على بعد 40كم شمال مدينة الوجه، وتوجد به من آثار طريق الحج المصرية ثلاث آبار سلطانية، وبركتان مبنيتان بالحجر الجيري. تضم قائمة الآثار أيضًا آثار وادي الزريب شرق مدينة الوجه، وبه كانت تنزل قوافل الحجاج المصريين ومن رافقهم، وتوجد اليوم بهذا الوادي ست عشرة بئراً سلطانية كانت تؤمن الماء اللازم لإرواء قوافل الحجاج. كما توجد في أعلى الوادي قلعة تركية كبيرة أنشئت في عصر السلطان أحمد الأول سنة 1026ه، لحفظ الأمن بمنزلة الحجاج، ولخزن ودائعهم وأقواتهم، ويوجد على مدخل القلعة نقش تأسيسي يؤرخ لبنائها. وأنشأ أمير الحج المصري رضوان بك الفقاري قلعة الزريب، وهو الذي تولى إمارة الحج المصري في الفترة من 1038ه- 1065ه. ومن بين الآثار أيضاً جبلا النهدين على مقربة من وادي العرجا، وتوجد في ممر النهدين آثار تمهيد وتسوية لمسار طريق الحج، كما يلاحظ وجود كسر فخارية من أنواع الفخار العثماني المتأخر، فيما تتربع آثار أكرا (بركة أكرا) على بعد 45 كم جنوب شرقي مدينة الوجه، وبها بركة وبئر لطريق الحج المصرية يعود تاريخ إنشائهما إلى العصر العثماني. تعتبر آثار بدر من المحطات المشهورة على الطريق المصرية، واشتهرت بالآثار الإسلامية المتعلقة بغزوة بدر كمسجد العريش (مسجد الغمامة)، ومقبرة شهداء بدر، والعدوتين، وتوجد ببدر في الوقت الحاضر نقوش تذكارية وتأسيسية تشير إلى ما أنشأه بها الحكام المسلمون من المباني لخدمة الحجاج، كما توجد بالموقع بقايا قنوات لعين بدر القديمة، وبقايا البركة التي أمر ببنائها السلطان المملوكي قانصوه الغوري. وعلى الطريق بين بدر ومكة المكرمة توجد آثار لطريق الحج المصرية، ويرجع تاريخ أكثرها إلى العصرين المملوكي والعثماني، وأهم هذه الآثار السبيل الأولى التي تقع على بعد كيلو مترين جنوب مفرق الرايس، وسبيل محسن على بعد 5 كلم من مفرق الرايس، وبئر الشريف أبو نمي بمستورة، وبقايا قلعة في رابغ، وآبار القضيم، وبرك خليص. وكانت خليص من المحطات المهمة على الطريق المصرية.