كارين ماركس – إمرأة أمريكية – متزوجة من آدم ماركس " 48 سنة ". في عام 2005 تركت كارين زوجها في البيت وذهبت ككل يوم إلى عملها، فزوجها ترك عمله منذ أيام قلائل، ويبحث الآن عن عمل آخر. عند عودتها اشترت بعض لوازم البيت، ولم تنس أن تشتري له هدية بمناسبة عيد ميلاده الذي سيحين بعد يومين فقط. دقت جرس الباب، لكنه لم يفتح، ظنته خرج لشراء شيء، فاضطرت أن تضع بعض أكياسها بجوار الباب، وأخرجت مفتاحها من حقيبة يدها، وفتحت الباب، كانت سعيدة. وضعت الأشياء في مكانها، وخلعت ملابس الخروج واستعدت لاعداد وجبة عشاء لها ولآدم زوجها، لكنه لم يأت. قالت لنفسها، " حتما هو مازال يبحث عن عمل جديد، وربما حدد له صاحب العمل الجديد موعدا في المساء" لكنه لم يعد في اليوم التالي أو الثالث. مرت سنوات طويلة جدا، وكارين مازلت تنتظره، نصحتها زميلتها في العمل بأن تنساه، خاصة أنها لم تنجب منه، وأن تبحث لها عن رفيق آخر، لكنها تمسكت به، وسألت عنه في كل مكان. سافرت لبلدة قريبة لمقابلة أمه لتسألها عنه، لكنها لم تجدها، أخبروها هناك إن الأم تركت البلدة وانتقلت لبلدة أخرى. أخذت بيانات جيران الأم، ووعدت بالاتصال بهم فربما يجدون وسيلة للاتصال بأم زوجها الغائب. بعد سنوات، اتصلت بها إحدى جارات أم آدم ماركس القدامى، وأخبرتها بأنها وجدت طريقة للاتصال بالأم. فأسرعت كارين لمقابلة الأم التي أكدت لها إن ابنها متزوج منذ تسع سنوات وسعيد في زواجه، وقد ظنت الأم إنه طلق كارين قبل الاقتران بالزوجة الجديدة. اتصلت كرين بالشرطة وطلبت منها أن تحقق في القضية، ووجهت إلى الزوج تهمة الجمع بين زوجتين والاحتيال والكذب لاستصدار وثيقة زواج. قرأتُ هذه الحادثة فتذكرت قصة اسمها " الحاوي " كتبها الدكتور مصطفى مشرفة ضمن مجموعته القصصية " هذيان "، قرأت هذه القصة منذ سنوات طويلة، ومازلت أتذكرها. بحثت في مكتبتي عن الكتاب حتى وجدته. تبدأ القصة بعبارة " كنا في رأس البر، وكان فيه ناس علشان يسلوا المصيفين. وبينهم كان فيه واحد حاوي اسمه سفروت، وكانت له ألعاب كثيرة يسلي بيها المصيفين. إن سفروت هذا يضع زوجته في صندوق، ثم يقول: " جلا جلا " ويفتح الصندوق، فيجده المتفرجون خاويا من كل شيء. زوجة سفروت ما أن تدخل الصندوق ويغطيها زوجها، حتى تفتح طاقة في المسرح الخشبي بمفصلات، وتنزل تحت المسرح، وتسير، ثم تعود ثانية، عندما يصيح زوجها ثانية: جلا جلا. في ليلة من الليالي، شاهد بولس وزوجته دميانة – اللذان يصيفان في رأس البر - " لعبة " سفروت، فأسرع بولس خلفه بعد انتهاء الحفل، بعيدا عن زوجته. وقال له: - لعبتك دي، مش على قد كده. فضاق سفروت من تعليق بولس، فالرجل كل ما يهمه أن يسعد المشاهدين، وأن يرضى عنه صاحب المسرح، ويدفع إليه أجرته هو وزوجته، فقال: إيه إللي مش عاجبك في لعبتي؟! قال بولس: ما كل الناس عارفة إن فيه فتحة في الصندوق، وفتحة في المنصة بتنزل مراتك منها وتختفي. فقال سفروت: أمال عايزني أعمل إيه؟! فرد بولس: الشطارة أنك تخفي واحد من المتفرجين. فصاح سفروت: وحاجيب منين واحد من المتفرجين يقبل يعمل كده؟ فقال بولس بحماس شديد: أنا مستعد. فمط سفروت شفتيه وقال: خلاص ما دمت مستعد أنا كمان مستعد. وفي اليوم التالي، عمل سفروت ألعابه العادية وبولس يتابعه باهتمام وزوجته غير سعيدة بما ترى، فقد شاهدت كل هذا بالأمس. وعندما وصل سفروت لحكاية الصندوق، صاح: - مين فيكم يحب يختفي؟ فوقف بولس، وقال: أنا. فشدته زوجته دميانة قائلة: يا رجل أعقل بلا قلة قيمة. وصعد بولس على المسرح، وأدخله سفروت الصندوق وغطاه صائحا: جلا، جلا. واختفى بولس تماما، وصاح سفروت: - ودلوقتي حاقول جلا، جلا، حايرجع الأخ إللي تبرع يشتغل معايا. وقال جلا جلا عشرات المرات، وبولس لم يعد. فصاحت زوجته دميانة وهي تبكي: رجعلي جوزي تاني. حاول سفروت كثيرا دون فائدة. فصاحت دميانة: أنت حاترجعلي جوزي والا اشتكيك للبوليس؟! وصاح سفروت طويلا، وبولس لم يعد. وذهبت دميانة للشرطة واتهمت سفروت بإنه سحر زوجها، وفشل في إعادته إليها ثانية. بحثت الشرطة في كل أرجاء رأس البر، فلم تجد بولس، ودميانة لم تكف عن البكاء والنواح، وسبت سفروت الذي سحر زوجها وفشل في إعادته إليها. وصاح ضابط البوليس في دميانة: يا ست اطلبي العوض في جوزك، باين عليه اتسحر بجد مرت على هذه الحادثة حوالي سنة، وذهب سفروت لتقديم ألعابه في بور سعيد. فقابل رجلا، وتذكر إنه قابله من قبل، ثم تذكره، فصاح: بولس، أنت بولس. فصاح بولس: نعم، أنا بولس. فقال سفروت: وإيه إللي خلاك تعمل كده؟ فقال بولس: أنا طول عمري بكره مراتي، وعاوز أهرب منها، ووجدت أن لعبة الصندوق هي أفضل طريقة للهرب منها. فقال سفروت حزينا: بس أنت كنت حاتوديني في داهية. فقال بولس: أعمل إيه، دي ما بتفارقنيش لحظة. فضحك ىسفروت وقال: وناوي تروح فين؟ فقال بولس: حاشتغل على مركب وأسيب لها البلد بحالها. وفجأة سمعا صوت من تنادي: - بولس.. بولس. فضحك سفروت قائلا: أينما تكونوا يدرككم الموت. فقال بولس: ما تقدرش تسحرني تاني؟ فأجاب سفروت: لا يا عم، الله الغنى كفاية إللي جرالي من تحت راسك. وبعد لحظة وصلت دميانة ولبدت في ذراع جوزها وكان باين على بولس إنه امتثل لأمر الله. وبص عليهم سفروت وقال بشكل فلسفي: الدنيا دي ياما فيها عجايب. ** طوال هذه السنين وأنا معتقد أن العالم علي مصطفى مشرفة هو كاتب هذه المجموعة القصصية، وإنه مؤلف رواية " قنطرة الذي كفر" لكن منذ أيام قلائل، اتصلت بالصديق محمد السيد عيد، وسألته – خاصة إنه كتب مسلسلا تليفزيونيا عن " علي مصطفى مشرفة "، فأكد لي إن الدكتور مصطفى مشرفة هو الأخ الأصغر لعالم الرياضيات المشهور علي مصطفى مشرفة. ثم اتضح لي إن الأمر كان سهلا ولكنني عقدته، فعندما بحثت في النت عن ذلك، وجدت مقالتين إحدهما للصديق فؤاد مرسي نشرها في مجلة الثقافة الجديدة عدد نوفمبر 2012، ومقالة للأستاذة سناء البيسي نشرتها بجريدة الأهرام، يؤكدان فيهما حقيقة الدكتور مصطفى مصطفى مشرفة. فهو من مواليد 21 مايو 1902 وتوفى في 4 ديسمبر 1966. وقد كان عضوا بالتنظيم السري لثورة 1919 والذي كان يرأسه الزعيم سعد زغلول واشترك في أعمال فدائية موجهة ضد الجيش الإنجليزي المحتل. وكتبت سناء البيسي مقالها الرائع – كعادتها – كتبت جزءا كبيرا منه بالعامية، مشاركة منها للمؤلف الدكتور مصطفى مصطفى مشرفة في روايته الرائدة قنطرة الذي كفر، التي كتبها بالعامية. فقالت: كنت فاكرة إن مصطفى هو علي، وإن العالم المصري – نظير أينشتاين – هو في نفس الوقت صاحب الرواية الخالدة " قنطرة الذي كفر ". وقعدت أفتي وقعدت أحكي عن السر الدفين في زواج العلم بالأدب، وعدت الحكاية للعلالي بوحدة المعرفة الإنسانية ، وإن الأديب الذي لا يمتلك منهجا علميا في كتاباته، لا يمكن التفريق بينه وبين كاتب العرائظ على باب المحكمة، وأن العقل الإنساني الذي ابتكر العلم قد ابتكر الأدب وهو عقل واحد في جوهره لو أصيب بأي انفصام أو انفصال، فقل على العالم السلام. ونعرف إن والد كاتبنا هو الشيخ مصطفى عطية مشرفة، اطلق على ابنه الكبير اسم علي. ثم انجب بعده فوزية وعطية وحسن، وآخر ابناءه اسماه مصطفى على اسمه. مما أدى إلى أن نسب الناس مجد مصطفى مشرفة إلى أخيه العالم علي مصطفى مشرفة.