وزير الكهرباء: 24 مليار جنيه استثمارات قطاع نقل الطاقة في سيناء    السبت 25 أكتوبر 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    تطوير شبكة الطرق لتحقيق نقلة نوعية في البنية التحتية بالبحيرة    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    وفاة ملكة تايلاند الأم سيريكيت عن 93 عاما    الرئيس السيسي يبحث مع رئيس أركان الجيش الباكستاني تعزيز التعاون العسكري وجهود دعم الاستقرار الإقليمي    منح الصحفية الشهيدة مريم أبو دقة جائزة أبطال الصحافة لعام 2025    الوداد المغربي يحدد خططه لتجهيز حكيم زياش    الحبس 6 أشهر مع الشغل وكفالة 10 آلاف جنيه لإيقاف العقوبة مؤقتا للبلوجر لوليتا    ضبط المتهم بالتعدي على شخص بالسب ودفع فرد شرطة حاول فض المشاجرة بينهما في المنيا    الرئيس السيسي يتابع استعدادات احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    بعد إعلان زواجهما.. منة شلبي وأحمد الجنايني يتبادلان رسائل الحب على السوشيال ميديا    وزير الإسكان يوجه بتسريع وتيرة العمل في مشروع حدائق تلال الفسطاط    وحدة السكتة الدماغية بجامعة عين شمس تستقبل خبراء من السعودية وكينيا في ورشة عمل    تحرير محضر ضد مدرس وصاحب عقار استخدما سطح مبنى مركزًا للدروس الخصوصية بالشرقية    محافظ أسوان: حل مشكلة تسجيل وتحديث بيانات مواطنين بأبو سمبل في منظومة التأمين الصحي    رئيس اتحاد الإسكواش لليوم السابع: تألق أمينة عرفي دليل تواصل الأجيال    بحوث الصحراء يواصل لقاءاته الميدانية مع المزارعين بجنوب سيناء لدعم التنمية الزراعية    شاشات عرض فى الجيزة لنقل فعاليات افتتاح المتحف المصرى.. اعرف الأماكن    جدول امتحان شهر أكتوبر لطلاب الصف السادس الابتدائى فى الجيزة    تنفيذ 3500 حكم قضائي وضبط مواد مخدرة وسلاحين بحوزة عاطلين بكفر الشيخ    الرئيس السيسي يؤكد حرص مصر على تعزيز التعاون الثنائي مع باكستان    الرئيس السيسى يبحث مع رئيس أركان القوات البرية الباكستانية تعزيز الأمن والسلم الإقليمى.. إنفوجراف    برينتفورد ضد ليفربول.. سلوت يشعل حماس محمد صلاح برسالة غير متوقعة    فيلم السادة الأفاضل يتخطى 8.5 مليون جنيه خلال 3 أيام عرض بالسينمات    الحكومة المصرية تدير 7 مراكز لوجستية رئيسية لتعبئة شاحنات المساعدات إلى غزة    تعرف على أسعار تذاكر المتحف المصرى الكبير بعد الافتتاح الرسمى    رئيس الوزراء: 1 نوفمبر إجازة رسمية تزامنا مع افتتاح المتحف المصري الكبير    الاحتلال يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم لقطف الزيتون فى رام الله    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    أحمد عبد الرؤوف يقترب من جهاز الزمالك الفني    «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرات جماهيرية بالمحافظات لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب (فيديو)    جدول مباريات اليوم السبت 25 أكتوبر 2025.. مواجهات نارية في الدوري المصري ودوري أبطال إفريقيا    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في بورصة الدواجن    عشاق الهدوء.. 5 أبراج مش بيحبوا الضوضاء والزحمة    اتهامات تزوير تلاحق رمضان صبحي.. وجنايات الجيزة تؤجل نظر القضية ل22 نوفمبر    تبدأ اليوم.. جامعة الإسكندرية تطلق فعاليات مبادرة «تمكين» لدعم الطلاب ذوي الإعاقة    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    حملة «100 يوم صحة» قدّمت 138 مليونًا و946 ألف خدمة طبية مجانية خلال 98 يومًا    من غير مواد حافظة.. حضري لأطفالك الزبادي بالفواكه الطازجة في البيت    خدمة 5 نجوم.. مواعيد رحلات قطار تالجو الفاخر اليوم السبت 25-10-2025    وزير الرى يتابع حالة المنظومة المائية وإجراءات تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه بزمام ترع الإسماعيلية والسويس وبورسعيد    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    موعد مباراة الحزم والنصر في الدوري السعودي    الرابط والشروط.. ما هو موعد إعلان قرعة حج الجمعيات الأهلية لاختيار الفائزين بالتأشيرات؟    التضامن: تحسين منظومة الكفالة وتطبيق إجراءات الحوكمة عند تسليم الأطفال    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    حكم صلاة المرأة بالبنطلون في الإسلام.. الأزهر يوضح الضوابط الشرعية وآداب الستر    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    مصرع شاب فى حادث انقلاب سيارة ملاكى بمركز دمنهور بالبحيرة    وظائف البنك الزراعي المصري 2025 للخريجين الجدد.. سجل الآن    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    الشرطة المصرية.. إنجازات أبهرت العالم    تفاصيل اصطدام باخرة سياحية بكوبري كلابشة في أسوان.. ماذا حدث؟    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    إنزاجي يشيد بلاعبى الهلال بعد الفوز على اتحاد جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين ذهبت حمير الفلاح الفصيح؟
نشر في القاهرة يوم 21 - 02 - 2012


لا أتردد في أن أعلن بكل اليقين، أن النص الأدبي المصري القديم الذي اصطلح علي تسميته ب " شكاوي الفلاح الفصيح" والذي أفضل له اسما آخر هو " عرضحالات الفلاح الفصيح"، أقول بكل وضوح ان هذا النص المكتوب باللغة الهيراطيقية علي بردية محفوظة بمتحف برلين، هذا النص الأدبي ليس سوي النص المكتوب لأول عرض مسرحي عرفه التاريخ (2000ق.م) وكلمة مصري هنا لا تعني الهوية فقط بل تعني أيضا طريقة التناول، تلك الطريقة الفريدة التي تمزج بين الضحك والأحزان التي اعتنقها المصريون في عروضهم المسرحية. لا حدود عند المصريين تفصل الضحك عن البكاء في مسرحهم. وإذا كان لنا أن نستخرج ملامح أساسية للمسرح المصري في أهم نماذجه، فعلي الأرجح ستكون علي هيئة مثلث أضلاعه الثلاثة هي الهم، والبهجة الاهتمام. الفكاهة المصرية ليست خالصة، بل هي نهر من الأحزان يصب في بحر الضحك غير أنه ينبع من الضمير. بمعني أوضح، ينبع من الإحساس الطاغي بالمسئولية عند المبدع تجاه مجتمعه وأهله. ومن الغريب أن هذه العناصر تتضح بكل قوة في هذا النص. أكثر من ذلك، أغامر فأقول ان كل ما شاهدناه وقرأناه في المسرح المصري قد خرج من تحت عباءة هذا النص العظيم. بل ربما لم نقدم في كل فكاهاتنا المسرحية الأصيلة شيئا جديدا علي ما قدمه هذا النص. فكاهة مصرية ومن الطبيعي أن هذه القطعة قد تم ( صنعها) أو (فعلها) أو (تقديمها) في البداية ككل العروض المسرحية في التاريخ القديم ثم كتبت بعد ذلك . غير أن الأساتذة المترجمين لم يتنبهوا إلي مواطن الضحك الصارخ في النص بسبب بلاغة الكلمات ونبل المعاني وحجم الحكمة الواضحة أو المختبئة بين السطور. إن التعرف علي الكلمات والحوار المسرحي الذي ينتج عنه الضحك أمر صعب للغاية حتي علي الممثلين المحترفين. فكثيرا ما يحدث في المسرح أن ينطق الممثلون الحوار المطلوب في العرض المسرحي ثم يفاجئون بالصالة تنفجر ضاحكة بطريقة غير متوقعة. وعند قراءة أي كوميديا أثناء التدريبات، يحدث أن الممثلين والمخرج لا يتنبهون لتركيبة الكلمات في الحوار التي سينتج عنها الضحك أثناء العرض المسرحي، هذا إذا قدمت بصدق وجدية كافية. سأعطيك الآن نموذجا مستخرجا من القطعة نفسها لكي تعرف أنه كان من الصعب علي علماء المصريات بل كان من المستحيل أن يكتشفوا مصادر الضحك فيها. يسرق المزارع الغني حمير الفلاح المحملة بكل ما هو ثمين. ولا يكتفي بذلك بل يضربه بقسوة، عند ذلك يصرخ البطل متوجعا فيكون بينهما هذا الحوار: اخرس.. ما تعرفش إن الوادي ده بتاع إله السكات. إهيه.. طب هات الحمير بتاعتي وخد السكات بتاعك. في زيارة لجامعة نيويورك تعرفت علي أستاذ في المصريات، عندما قلت له ان هذه القطعة فكاهة مصرية، أمّن علي كلامي وقال: نعم.. إن طلبتي كانوا يضحكون عندما كنت أقرأها لهم في لغتها الأصلية. تري.. في أية جامعة مصرية قام أستاذ مصري بتدريس هذه القطعة لتلامذته؟ سأقدم لك هذه القطعة بعد أن ترجمتها عن اللغة الانجليزية، وهو النص الذي قام بترجمته إلي الانجليزية الأستاذ «Sir Ernest A. Wallis Budge» الذي كان يعمل أمينا للمتحف البريطاني من 1894 إلي 1924 وذلك في كتابه Egyptian Tales and Romances الذي تتبع فيه الحواديت المصرية القديمة وأثبت أنها هي أصل الحواديت في العصر المسيحي ثم العصر الإسلامي بعد ذلك.. الآن أقدم لك " عرضحالات الفلاح الفصيح" كما جاء في نص البردية: "كان أحد الأشخاص ويدعي" خونانبي" يعمل عاملا زراعيا في " سات حملات وادي الملح وادي النطرون، 30 ميلا شمال غرب القاهرة" وكانت له زوجة اسمها "ميريت" قال هذا الفلاح لزوجته: اسمعي.. أنا ذاهب إلي مصر لكي أحضر طعاما لأطفالي.. اذهبي إلي مخزن الغلال وألقي نظرة علي القمح المتبقي هناك.. وقولي لي كم كيلة هي؟ فذهبت الزوجة إلي المخزن فوجدت القمح ثماني كيلات فقال لها: طيب.. احتفظي بكيلتين لك وللأطفال، والست كيلات المتبقية اخبزي بعضها وبالباقي اصنعي لي جعة أستخدمها بينما أنا في طريقي. مهمة نبيلة أنفض عن هذا المشهد تراب الترجمة وحوله لفعل مجسد علي الأرض أمام عينيك لتكتشف ما فيه من عناصر الفكاهة، الرجل ذاهب في مهمة " نبيلة" وهي إحضار الطعام لأطفاله، ومع ذلك هو يترك لهم ولزوجته كيلتين فقط من القمح ويأخذ هو وحده ست كيلات. إن التناقض الحاد بين الهدف النبيل المعلن، والسلوك الفعلي الأناني، يعتبر من أهم مصادر الضحك في المسرح. ولقد كان من الممكن أن يكون هذا الحوار جادا وطبيعيا إذا كانت الرحلة طويلة جدا فهذا يبرر أن يحصل هو علي هذه الكمية. لكن من الواضح أنه كان حريصا علي الحصول علي تموينه من البوظة في رحلة لن تستغرق أكثر من يومين سيرا علي الأقدام. أريدك أن تتصور أي ممثل مصري يلعب دور الفلاح ويقول لزوجته: عندك كام كيلة قمح؟ ثمانية. خلاص.. خدي اتنين انت والعيال.. واعملي لي الستة عيش وبوظة عشان أمزمز في الطريق. هنا تتفجر الفكاهة من حرصه الظاهري علي الحصول علي طعام لأطفاله ثم المبالغة في الحصول علي نصيبه مع عدم نسيان مزاجه الشخصي. وهنا يبدأ صديقنا " خونانبي" في تحميل الحمير بأشياء هي بكل المقاييس ثروة حقيقية، نطرون.. صودا.. باروكات من واحة الفرافرة.. جلود فهود.. فرو ثعالب.. وحمام وطيور أخري من طيور الواحة.. نباتات طبية وكزبرة..وينسون..وزعت..ر ونرجس.. فواكه وأحجار كريمة وكل ما هو مفيد مما تنتجه واحة وادي الملح. هل تتصور الضحك الناتج عن رؤية هذا المشهد؟ .. شخص يملك كل هذه الأشياء ويقوم بتحميلها أمامك بكل تفاصيلها، ويزعم أنه ذاهب لبيعها من أجل الحصول علي طعام لأولاده. أي نوع من الطعام هذا الذي يعجز عن الحصول عليه في واحته التي توجد بها كل هذه الأشياء. طبعا أجدادك من المتفرجين كانوا يعرفون أن هذا الرجل ذاهب إلي المدينة في رحلة فرفشة. هذا هو المشهد الأول في هذه المسرحية وهو بالطبع يدور في الجرن أمام بيت الفلاح. ننتقل الآن إلي المشهد الثاني: " ثم يمضي في طريقه جنوبا ومعه حميره في اتجاه " إهناس تسمي هانيس في إصحاح أشعيا الثلاثين، وهي هيراكليوبوليس عند الكتاب الإغريق، وأهناس عند الجغرافيين العرب" وعندما يصل إلي "بير قيقا" التي تقع شمال " ميت نك" يري رجلا يقف فوق الجسر، هذا الرجل اسمه " الشحوتي نخت" ابن رجل اسمه "عصري" وهو واحد من المساعدين الرسميين للمحافظ " رنزي ابن ميرو" عندما شاهد " الشحوتي" حمير هذا الفلاح، امتلأ قلبه بالرغبة في سرقتها وقال لنفسه: لابد أن الله قد أرسل لي هذه الحمير لأسرقها. وبحوار هذه الأيام، ياما انت كريم يارب.. قطعا بعت لي الحمير دي باللي عليها عشان أسرقها. الملاءة كان بيت " الشحوتي" يقع علي ممر ضيق، وكأنه مساحة منديل (هذا هو ما يقوله النص) هذا الممر تحده قناة ماء صغيرة وفي الناحية الأخري حقل ذرة آخذة في النمو. صاح "الشحوتي" في خدمه.. يالله.. بسرعة أحضروا لي ملاءة فرش من بيتي، فجاءوا له بالملاءة علي الفور، عند ذلك فرشها علي الممر بحيث يصل طرف منها إلي الماء والطرف الآخر يصل إلي حقل الذرة. تقدم الفلاح ناحية الممر الذي يستخدمه الناس عادة فصح به الشحوتي: أنت يا فلاح.. انتبه.. هل ستجرؤ علي السير فوق الملاءة؟ سأفعل ما يرضيك يا سيدي.. سأسير في الطريق الطبيعي. وسار الفلاح علي حافة الحقل بجوار الممر لكي يتجنب الملاءة، فصاح به " الشحوتي" : ما هذا.. هل حولت حقلي إلي طريق عام؟ فقال الفلاح: هذا هو الطريق المتاح لي.. إن المنحني حاد والذرة نمت علي الجسر وأنت قد غطيته بالملاءة.. هل تمنعني من السير من أي مكان؟ في تلك اللحظة وأثناء الحوار بينهما حدث أن أحد الحمير بدأ يقضم أحد سيقان الذرة وبعض الأوراق فصاح به " الشحوتي": انظر أيها الفلاح.. سأقبض علي هذا الحمار نظير جرأته في أكل زراعتي وعقابا له علي جرأته في النزول إلي حقلي. فقال الفلاح: ليس أمامي طريق غير هذا .. ما دمت قد وضعت الملاءة علي الممر المخصص لسير البشر، فقد اضطررت أن أسوق حميري من الناحية الأخري.. والآن أنت تريد أن تقبض علي الحمار لأنه قضم أحد سيقان الذرة.. غير اني أعرف صاحب هذه المزرعة، وأعرف أنها تابعة للرئيس "رنزي بن ميرو" الذي قضي علي قطاع الطرق في هذه الناحية، فهل أُسرق أنا في مزرعته؟ لنترك الآن النص الأصلي للحظات نناقش فيها جملة الحوار الأخيرة التي قالها الفلاح، هنا يتحرك النص بنعومة جميلة إلي الأمام ممهدا عقل المتفرج لظهور شخصية جديدة هي شخصية الرئيس رنزي صاحب المزرعة ومحافظ المقاطعة. بسرعة خاطفة يرسم أهم ملامحه قبل أن نراه، فنعرف أنه رجل دولة عادل وحازم: لقد قضي علي اللصوص في هذه الناحية، فهل أُسرق أنا في مزرعته؟ النمو بنعومة هنا تؤهل المسرحية وعي المتفرج لمواجهة صراع قادم. تفعل ذلك بكفاءة عالية، الحدث الآن ينمو بنعومة وبإيقاعات ثابتة متصاعدة في اتجاه الذروة. في تلك اللحظات تكون المسرحية قد استولت تماما علي عقل المشاهد ووجدانه.. ماذا سيفعل الرئيس رنزي العادل الحازم الذي يقضي علي اللصوص مع هذا الفلاح الذي سُرق في مزرعته؟ دقق في الجملة الأخيرة لكي تلاحظ ما نسميه (النص التحتي) لقد اختار الفلاح ألفاظه في عناية لكي لا يستفز السارق القوي. لم يقل له انه سيشكوه، ولكنه ألمح إلي ذلك. لم يقل ان الرئيس رنزي لن يرضي بأن أُسرق في مزرعته، لو قال ذلك لأضعف الصراع القادم ولكنه تساءل: فهل أُسرق أنا في مزرعته؟ وبذلك فتح الباب لكل الاحتمالات واحتفظ بالمتفرج في حالة توتر في انتظار الإجابة عن هذا السؤال.. يا لها من كفاءة في الصنعة. نعود الآن إلي النص الأصلي: الفلاح: فهل أسرق أنا في مزرعته؟ الشحوتي: ألا تعرف المثل الذي يقول ان اسم الفلاح لا يذكر إلا بموافقة سيده؟.. أنا الذي أتكلم معك.. أكلمك باسم الرئيس رنزي الذي تفكر فيه. ثم أمسك الشحوتي بعصا من فرع شجرة وأخذ يضرب الفلاح علي كل أجزاء جسمه فبدأ الفلاح يبكي بحرقة بينما هو يتلقي الضربات. الشحوتي: لا ترفع صوتك أيها الفلاح.. ألا تعرف أنك هنا في منطقة تابعة لإله الصمت. الفلاح: إله الصمت؟!.. أنت تضربني وتسرق مني بضاعتي والآن أنت تريد أن تحرمني من الصيحات التي يطلقها فمي.. حسنا.. اعطني أشيائي حينئذ لن أصيح وأزعج صمتك. وخلال الأيام العشرة الباقية، ظل هذا الفلاح يقضي وقته كله في التوسل إلي " الشحوتي" ليعيد له أشياءه ولكن الشحوتي لم يعره اهتماما. علي مر آلاف السنين، سيظل هذا المشهد من أقوي المشاهد المفجرة للضحك، بعد حوالي أربعة آلاف عام سنجده عند المحبظاتية، وسنراه في مسرح يعقوب صنوع، وعند كتاب المسرح في القرن العشرين. رجل السلطة يغتصب ويضرب والفلاح يتألم ويصرخ بكلمات تعسة عبثية يعرض فيها حاله بطريقة تتألم وتضحك لها حتي الصخور.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.