التعليم عن رفع سن التقديم لمعلمي الحصة إلى 45 عامًا: قرار تاريخي للاستفادة من الكفاءات والخبرات    محافظ كفر الشيخ وقائد قوات الدفاع الشعبي والعسكري يتفقدان معسكر الإيواء بنادي سخا    القومي لتنظيم الاتصالات: غلق نهائي للهاتف المستخدم في المكالمات المزعجة    يبدأ غدًا.. «متحدث الإسكان» يكشف تفاصيل الطرح الجديد    وزير الشئون النيابية عن الإيجار القديم: الملاك تحملوا الكثير.. والمستأجرون انتفعوا بالوحدات    حماس: نتنياهو يضلل المجتمع الدولي.. وغزة لم تستقبل أي مساعدات    محافظ الإسماعيلية يقدم واجب العزاء لأسرة الشهيد رائد طيار محمد السيد السيد سليمان    نهاية الشوط الأول.. مانشستر سيتي يتقدم على بورنموث بثنائية    رئيس الزمالك يعود من فرنسا بعد الخضوع لفحص طبي    الزمالك يتواصل مع جوميز لحل أزمة مستحقاته ودياً    محمد عامر: الرياضة المصرية تنهار بفعل فاعل.. وصمت هاني أبو ريدة "مدان"    العثور على جثة مجهولة الهوية في بني سويف    ماجد عبدالفتاح: نسعى لتعليق مشاركة إسرائيل في الجميعة العامة للأمم المتحدة    مسلم يحتفل بزفافه وسط أجواء ساحرة.. والعروس تخطف الأنظار بفستان الأميرات    291 عملاً خلال 57 عاماً.. رحلة «سمير غانم» الفنية بالأرقام    غرق ثلاثة أطفال داخل ترعة بالدقهلية أثناء الاستحمام    فرص عمل فى الأردن بمرتبات تصل إلى 22 ألف جنيه شهريا .. اعرف التفاصيل    لامين يامال يغازل أرقام ميسي التاريخية    جميلة وساحرة.. إطلالة لميس رديسي في مسابقة ملكة جمال العالم (صور)    "نعتذر وعبد الحليم كان يبحث عن ربة منزل".. بيان جديد من أسرة العندليب بشأن سعاد حسني    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    فيديو- أمين الفتوى: قوامة الرجل مرتبطة بالمسؤولية المالية حتى لو كانت الزوجة أغنى منه    حكم الاحتفال بعيد الميلاد.. أمين الفتوى: احتفل بما يفرحك واجعله فرصة للتأمل في حياتك مع الله    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    الحليب قد يسبب الصداع للبعض- إليك السبب    نقيب المحامين يحذر من القرارات الفردية في التصعيد بشأن أزمة الرسوم القضائية    أحمد فارس: التحالف الإعلامي المصري الصيني ضرورة لصناعة مستقبل مشترك أكثر تأثيرًا وتوازنًا    جولة تفقدية لوزير السياحة والآثار بدير أبومينا ومارمينا بالإسكندرية    حملة مكبرة لإزالة التعديات على الأراضي الزراعية بالقليوبية    البابا تواضروس ووزير السياحة ومحافظ الإسكندرية ومديرة اليونسكو يتفقدون مشروع حماية منطقة أبو مينا الأثرية    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية رشوة وزارة الري    بروتوكول تعاون بين جامعة جنوب الوادي وهيئة تنمية الصعيد    القائم بأعمال سفير الهند: هجوم «بهالجام» عمل وحشي.. وعملية «سيندور» استهدفت الإرهابيين    تغيير ملعب نهائي كأس مصر للسيدات بين الأهلي ووادي دجلة (مستند)    غدا.. طرح الجزء الجديد من فيلم "مهمة مستحيلة" في دور العرض المصرية    «لسه بدري عليه».. محمد رمضان يعلن موعد طرح أغنيته الجديدة    الجيش الصومالى يشن عملية عسكرية فى محافظة هيران    شروع في قتل عامل بسلاح أبيض بحدائق الأهرام    إقبال منخفض على شواطئ الإسكندرية بالتزامن مع بداية امتحانات نهاية العام    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    عبد المنعم عمارة: عندما كنت وزيرًا للرياضة كانت جميع أندية الدوري جماهيرية    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    مشاهدة مباراة الأهلي والزمالك بث مباشر اليوم في نصف نهائي دوري سوبر السلة    وفاة عجوز بآلة حادة على يد ابنها في قنا    «زهور نسجية».. معرض فني بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط    خالد عبدالغفار يبحث تعزيز التعاون مع وزيري صحة لاتفيا وأوكرانيا    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    حكومة بلجيكا تتفق على موقفها بشأن الوضع في قطاع غزة    استمارة التقدم على وظائف المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسى 2026    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    تونس وقطر تؤكدان وقوفهما مع الفلسطينيين ورفض تهجيرهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تتحمل ثقافتنا أدب الاعتراف؟
نشر في نقطة ضوء يوم 21 - 01 - 2019

من الصعب عزل سؤال الاعتراف عن الواقع، أو حتى وضعه داخل توريات اللغة، تخفّياً، أو تكتماً، إذ سيتحول عندئذ هذا السؤال إلى محاولة تبرير الحديث السري في الإشهار، وفي الفضح، وهو ما يعني تجاوزاً على مركزية فكرة «التابوه»، والذهاب إلى ما يمكن تسميته «سردية الاعتراف».
«أنا أعترف، إذن أنا موجود»، هذا ما يشبه مقولة ديكارت الشهيرة، في سياق وضع الاعتراف مقابل التفكير، وإعطاء الذات المُفكّرة وظيفة تجاوزية، وبما يجعل فعل الاعتراف كأنه نوعٌ من التفكير الفائق، ومن لعبة السرد كمجال لإضفاء كثيرٍ من الغرابة والدهشة والإثارة على كتابة الاعتراف، حتى ليبدو النص الاعترافي كأنه مواجهة فاضحة مع العالم، ومع الذات نفسها، وربما مع رغبةٍ حميمة لتعريتها من بعض قوتها وقسوتها وتعاليها، إذ لا يمكن للاعتراف أن يكون إلّا في لحظة ضعفٍ هي صنوٌ للحظة الانتشاء أو الخوف، وكلّ الاعترافات التي يكتبها الأقوياء هي تماهٍ مع لحظات ضعفهم، والادعاء بأنّ سردية الاعتراف هي تمثيل للقوة، أو محاولة لما يشبه لحظة التطهير المسيحية لا تعدو أنْ تكون نفاقاً، أو مغالبة، أو وربما هي إيهام بتلفيق تلك القوة المفترضة، لقضايا تتعلق بنزق الفردانية، أو بالغلو في التعبير عن الجانب الخطابي عبر سردنة الاعتراف.
المقارنة بين النصيات العربية والغربية في الأدب الاعترافي أمرٌ غير واقعي، رغم أنّ لحظة الاعتراف واحدة؛ لحظة غامرة بالإنسانية، وبالضعف، واللذة، وأحياناً بالتعبير عن اللاجدوى، لكن يبقى النص الاعترافي العربي قريباً من فكرة الفضيحة، ومن كسر تابو المُقدّس والعصاب، والقوة، وهي تعالقات خارج الذات وجوهر تمركزها، فلا علاقة لها بالذات التي تدعي القوة، والتعالي، بقدر علاقتها مع بما هو رمزي، الذي يجد في الاعتراف ممارسة خطابية إلى آخرٍ ما، له حضوره المفهومي والوجودي، وحتى التطهيري - إنْ افترضنا وجوده في جانبٍ من جوانبه، ولا أظنّ أننا نملك تراثاً له حدوده المعروفة في كتابة الأدب الاعترافي، حتى إن ذهب بعض الروائيين إلى محاولة سردنة هذا الاعتراف، أو كتابة السير الذاتية ذات الجرأة الرومانسية، أو الحسية، التي ترتبط بما هو جنسي أكثر مما هو اجتماعي وسياسي، رغم أنّ خطاب الاعتراف في الأدب السياسي يرتبط بفكرة «الخيانة» أو ما يُسمى «التسقيط السياسي»، وهو ما كانت تفرضه بعض السلطات الآيديولوجية على معارضيها كممارسة لإسقاطهم سياسياً، وفي نشر براءاتهم من أحزابهم السياسية، أو من انتماءاتهم العقائدية في وسائل الإعلام، أو في الكتب السيرية أو الشعرية والروائية.
من السيرة إلى الكتابة العمومية
من أكثر الكتب العربية إثارة في سرديات الاعتراف كتب الروائي المغربي محمد شكري في «الخبز الحافي» وحتى في «الشطّار»، فضلاً عن اعترافات الكاتب لويس عوض، والسؤال الفاعل في هذا التوصيف يتعالق بمدى جدية هذه الكتب في أنْ تؤسس لشرعنة «أدب الاعتراف»، أم أنها ستظل في سياق «الإشاعة السردية»، وفيما تستدعيه من صخبٍ ثقافي يقوم على خلط الأوراق بين أدب السيرة و«أدب الاعتراف»، مع افتراض هذه التسمية، وأدب الفشل السياسي، وهي بمجملها سرديات لم يتم تأطيرها نقدياً، أو حتى وضعها في السياق التداولي لأدبية الاعتراف، أو شعريته كما يسميها ياكوبسن.
إنّ الخلط بين أدب السيرة وأدب الاعتراف يعكس مشكلة في النظر إلى النص السير ذاتي أولاً، وإلى تحميل «أدب الاعتراف» توصيفات أكبر من طاقته، التي تعمد إلى تشويه النص السير ذاتي ثانياً، وطبعاً فإنّ هذا الموضوع سينعكس على استراتيجيات القراءة، وعلى تلقي شفرات النص الاعترافي بحذر أو بخوف، أو بفضول، وهي عملية مربكة للقارئ ولمفهوم القراءة، وعلى وفق ما طرح آيزر حول إشكاليات القراءة والتلقي، حيث تتطلب هذه القراءة تفاعلاً، وتجاوباً، وكشفاً، وتقاطعاً، وتأويلاً، ولأنّ مثل هذا النص «لا يخضع لصاحبه فقط، بل يخضع لاستراتيجيات معقدة بين القارئ المؤول بما يمتلك من معرفة وخبرات جمالية من جهة، والنص من جهة أخرى، فينتج عن هذا التفاعل استجابات قرائية تكشف عن إمكانات وإجراءات مقروئية جديدة، تتجه نحو فهم الدلالة المغيبة، وفك رموزها».
كتابة السيرة قد تتضمن اعترافات كثيرة، لكنها مُقنّعة، أو مغالية، أو قد تسعى لترميم فجواتٍ ما في تاريخ كاتب السيرة، لأن خروجها من السيري إلى العمومي هو ما يُلقي ظلالاً حول تاريخيتها، ما سيُجردها من براءتها، أو يدفع بها لأن تكون كتابة مغامرة، وأكثر احتيالاً وتورية وتقنيعاً، إذ ستجد قارئاً ماكراً، يعرف أنّ النص السيري ليس بريئاً بالكامل، وأنّ نص الاعتراف هو لعبة سردية مفارقة، لها غاية، وقصدية، وإثارة، وقد تكون شخصياتها من ورق كما يسميها رولان بارت، يمكن التلاعب بمصائرها، لكنها، رغم ذلك تبقى على تماسٍ مع وقائع، أو أحداث، أو حتى تاريخ له بالمقابل رواة آخرون، قد يكتبون اعترافات ضدية، أو قد يجردون التاريخ ذاته من واقعيته، ومن رمزيته.
التقاطع بين الاعترافي والسيري والعمومي يكمن في لعبة الانتهاك، فالاعتراف ليس تطهيرياً بالضرورة، بل إنّ جوهره يقوم على انتهاك ما هو مقموع، أو سري، أو محدود التداول، وباتجاه جعله خاضعاً للسياق السردي، أو أن يكون جزءاً من سياق السيرة، أو جزءاً من اهتمام العموم، الذي سينظر إلى مثل هكذا اعترافات بوصفها جزءاً من «خطاب» الفضائح، كما هو موجود في عوالم نجوم السينما ونجوم الرياضة، حيث تقود اعترافاتهم الجنسية، أو تهرّبهم الضريبي إلى اهتمامات واسعة من قبل الجمهور النرجسي، ومن قبل الجهات الرقابية، أو حتى من قبل بعض الجهات الدينية.
أدب الاعتراف في هذا السياق هو تمثيل لبعض هواجس الحرية، تلك التي ترتبط بالإرادة والمسؤولية، لكنها - بالمقابل - تظل عنواناً عائماً لحرية المثقف القلقة، والبوهمية أحياناً على طريقة جان جينيه وهو يكتب اعترافاته، إذ تظل تلك الاعترافات كأنها نوع من النزق، وأنّ فاعليتها كأثرٍ ستكون بعيدة، ومن الصعب الحديث عن رسالتها، وعن قيمتها، سوى ما تحمله من نزعة احتجاجية على عالم رأسمالي مجنون، وعن جسدٍ تطحنه النزوات وسط عالم فاسد وإحباطي، وفاقد لشروط العدل والأمل والإشباع الروحي.
هذا الفقد هو نظير لسؤال الهوية في ثقافتنا العربية، فمن الصعب الحديث عن هوية عمومية وسط تشظي الهويات العصابية، ووسط عالم غائر في التابوهات وبالجماعات القاهرة والمقهورة، حدّ أنّ بعض الاعترافات قد تُعبّر عن نوع من القهر الاجتماعي، والاهتمام الرومانسي والحقوقي في العالم، وهو ما حدث مع نادية مراد الإيزيدية، التي تعرّضت إلى اغتصاب بشع من جماعات «داعش» الإرهابية، حيث قادها اعترافها بعمليات الاغتصاب الجماعي إلى الفوز بجائزة نوبل للسلام لسنة 2018، وإلى تحويل قضيتها الإثنية والجندرية إلى موضوع حقوقي وأخلاقي، تكشفت من خلاله محنة بعض الجماعات الإثنية المقهورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.